مصير مجهول لشماليي الحركة الشعبية
في ظل ارتفاع وتيرة الأصوات المطالبة بفصل جنوب السودان مع قرب الاستفتاء على تقرير مصير الإقليم، تتبخر آمال الحالمين بالوحدة وفي طليعة أولئك ما يعرف بشماليي الحركة الشعبية لتحرير السودان.
انضم هؤلاء للحركة منذ ثمانينيات القرن الماضي كأول تنظيم ينطلق من الجنوب وينتشر في الشمال، وكان الهدف هو تعزيز الخط الوحدوي في الحركة ودعم أفكار زعيمها ومؤسسها جون قرنق في التحول الديمقراطي والعدالة والمساواة وقضايا المهمشين، ومن هؤلاء منصور خالد وياسر عرمان ومحمد يوسف المصطفى والواثق كمير، إضافة إلى عسكريين حاربوا في صفوف الحركة الشعبية في مناطق التماس جنوب كردفان (جبال النوبة) والنيل الأزرق بينهم والي النيل الأزرق عن الحركة مالك عقار.
لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ويرى البعض أن شماليي الحركة يواجهون مصيرا مجهولا وبعضهم انزوى واختار ركنا قصيا بعد تنصل الحركة الشعبية من الوحدة في وقت كانوا يمنون أنفسهم بجني ثمرات السلام والتحول الديمقراطي في كل السودان وليس في الجنوب فقط.
وحدويون
يقول محمد المعتصم حاكم القيادي في قطاع الشمال والمستشار الإعلامي للأمين العام للحركة الشعبية إن “جميع شماليي الحركة وحدويون وهم يتألمون لخطط فصل الجنوب”، بعد انتشار أفكار الحركة في كل بقعة في الشمال، لكنه رفض أن تكون هذه نهاية لقطاع الشمال في الحركة الشعبية.
محمد المعتصم حاكم أكد أن شماليي الحركة يتجهون لتشكيل حزب جديد (الجزيرة نت)
وأكد للجزيرة نت أنه بعد ترجيح كفة الانفصال، عقد قطاع الشمال سلسلة من الاجتماعات وتم الاتفاق على تشكيل حزب سياسي يعمل على استعادة الوحدة الوطنية، وهي وحدة طوعية يختارها أهل الجنوب، والعمل على عدم عودة الحرب وتحقيق السلام الاجتماعي بين الشمال والجنوب إلى جانب حل قضية دارفور وتحقيق التحول الديمقراطي.
وبشأن علاقة هذا الحزب المستقبلية مع الجنوب، قال إنها ستكون مثل علاقة أي حزب مع حزب آخر وليس فيها ما يضر بعلاقة الجنوب والشمال، فهي علاقة أفكار ولكنها ليست ارتباطا تنظيميا. وأشار إلى أن الحزب ستكون له خطة عمل مشتركة مع كل الأحزاب في الشمال بما فيها حزب المؤتمر الوطني، وقد بدأت هذه الجهود بعد تشكيل “منبر التعايش السلمي” بعد مؤتمر جوبا في سبتمبر/أيلول 2009 وشارك فيه عدد كبير من الأحزاب.
ويرفض قادة قطاع الشمال الحديث عن مصيرهم الشخصي بعد الانفصال، ولكن المهم من وجهات نظرهم هو مصير البلاد ومستقبل عملية السلام والوحدة والتحول الديمقراطي.
فقد أكد ياسر عرمان أن قدرات الحركة التنظيمية في الشمال تتيح لها الاستمرار. أما منصور خالد فقد استهجن في كتابه “الزعازع وتناقص الأوتاد” الشماتة على شماليي الحركة قائلا إن “الانفصال لو كان مكروها -كما هو مكروه بحق في نظر دعاة السودان الجديد- فإن كراهيته تعود لأنه سيقصم ظهر السودان، وليس بحسبانه بلية تصيب شماليي الحركة”.
مؤسسية
وعلى الجانب الآخر أكد قادة في الحركة الشعبية أن أوضاع شماليي الحركة تشابه أوضاع الجنوبيين في حزب المؤتمر الوطني في الشمال، وأن الحركة الشعبية تقوم على العمل المؤسسي وبالتالي فإن وضع الشماليين داخلها لن يتأثر بنتيجة الاستفتاء.
لكن الواقع على الأرض يشير إلى غير ذلك، كما يؤكد للجزيرة نت رئيس تحرير صحيفة “آخر لحظة” السودانية مصطفى أبو العزائم بأن قطاع الشمال في الحركة الشعبية لن يكون له وجود إذا جاءت نتيجة الاستفتاء لصالح الانفصال كما هو متوقع.
وسوف لن يقتصر الأمر على القادة الشماليين في الحركة، وفق أبو العزائم، وإنما حتى على المواطنين الشماليين بالجنوب غير المنتمين للحركة، وهو ما تؤكده الهجرة العكسية لهؤلاء من الجنوب إلى الشمال، كما يوضح أبو العزائم.
سيف الدين البشير: الحركة الشعبية تجاوزت قطاع الشمال بمناصرين للانفصال (الجزيرة)
شعرة معاوية
من جهته اعتبر رئيس تحرير صحيفة سودان فيجن السودانية الناطقة بالإنجليزية سيف الدين البشير هذه التصريحات من قادة الحركة الشعبية الجنوبيين بأنها “ذر للرماد في العيون ومحاولة الإمساك بشعرة معاوية بين الحركة وأعضائها الشماليين، والواقع يقول إن الحركة الشعبية تجاوزت قطاع الشمال بمناصرين داعمين للانفصال على رأسهم الولايات المتحدة والقطاعات الكنسية التي تريد فصلا دينيا بين الشمال والجنوب”.
ويصنف البشير الشماليين من الحركة لثلاثة أقسام، وهم اليساريون والليبراليون وبعض غير ذوي الميول اليسارية مثل ضباط أحيلوا للتقاعد في بداية عهد الإنقاذ، معتبرا أن اللافتة المشتركة بينهم وبين الحركة هي العلمانية ومعارضة الحكومات القائمة في الخرطوم.
واعتبر في حديثه للجزيرة نت أن إستراتيجية الحركة كانت تقوم في الأساس بفصل الجنوب ولكنها استصحبت معها الشماليين لكي يقربوها للعالم العربي الذي كان يشك في الحركة بعد دعوة جون قرنق لإلغاء اتفاقية التكامل السوداني الليبي واتفاقية الدفاع المشترك مع مصر.
ويرى الصحفي السوداني أن مسألة تشكيل حزب سياسي بعد الانفصال هي الخيار الوحيد أمام شماليي الحركة لأنهم سيكونون خصما للتوازنات القبلية في الجنوب بين الأربعة الكبار، وهم الدينكا والنوير والشلك والزاندي.
ويرفض القيادي في قطاع الشمال محمد المعتصم حاكم تحميل مسؤولية فشل الوحدة للحركة الشعبية وحزب المؤتمر الوطني، فاستفتاء تقرير المصير نصت عليه اتفاقية السلام والمطالب بالاستقلال قديمة منذ قبل استقلال السودان عام 1956.
ويعتبر أن انفصال الجنوب لو حدث فسيكون انفصالا سياسيا ولكنه لن يكون انفصالا اجتماعيا نظرا للترابط الوجداني بين الجنوبيين والشماليين والتمازج في مناطق التماس
الجزيرة نت