مع إقتراب ساعة الصفر .. توتر سلفاكير يتصاعد
رغم أنه اشتهر بالهدوء والغموض الذي يلف قبعته، شأنه شأن الكثير من الجنرالات والقادة العسكريين، إلا أن الفريق أول سلفا، ضابط الاستخبارات السابق وعضو هيئة القيادة العسكرية العليا للحركة منذ الثمانينيات، ورئيسها وقائد جيشها الحالي، بات يظهر توتره ويخرج مخاوفه للعلن أكثر من ذي قبل خلال الآونة الأخيرة، ويفاجئ المتابعين بتصريحات غير متوقعة، في التوقيت غير المتوقع بالذات، مثلما فعل عندما قال انه يخشى التعرض لمحاولة اغتيال، أو عندما طلب تدخلا دولياً، أو عندما كرر أكثر من مرة أن هناك جهات ما تسعى لعرقلة الاستفتاء مثلما فعل آخر مرة يوم السبت الماضي.
التوتر، يطال الجميع ويعبر عن نفسه عادة بطرق كثيرة، كأن يرفع المرء صوته، أو يقدم على أفعال غير متوقعة، وعندما يكون المرء المعني سياسياً، ليس أي سياسي بل زعيم إقليم ينتظر أن يصبح دولة مستقلة بعد أسابيع، فإن بواعث التوتر تتسع بما يفوق الأشخاص العاديين، لكن طرق التعبير عن ذاك التوتر تبقى متشابهة بعض الشيء بين الحكام والمحكومين: الإقدام على أفعال أو أقوال يمكن وضعها في خانة أفعال فوق العادة.
اعتادت الحركة الشعبية على أي حال، خلال الفترة القصيرة الماضية، توجيه أصابع الاتهام لجهات مجهولة تسعى لعرقلة الاستفتاء، وجهات معلومة أحياناً عندما توجه أصابع الاتهام صراحة للمؤتمر الوطني، أو بعض الدوائر فيه، ليصبح تصريح الفريق سلفا الأخير، جزءاً من توجه يمكن ملاحظته بسهولة لدى قادة الحركة، يمضى نحو التحذير من أية محاولة هنا أو هناك للالتفاف على حق تقرير المصير، وإحباط الاستفتاء.
الخطر على الاستفتاء، بمقدوره أن يأتي من جوانب عديدة، كالأوضاع الأمنية في الجنوب، ويمكنه كذلك أن يأتي من الشمال على حد ظن الكثيرين في الحركة الشعبية، ومنهم سلفا نفسه ربما، فالشمال، من وجهة نظر هؤلاء، يصعب تصديق أنه سيقبل إجراء الاستفتاء وسيقبل نتائجه بمنتهى السلاسة واليسر، بعدما ظل يقاتل لفرض الوحدة لعقود طويلة، يضاف إلى ذلك الشك التاريخي إذا جاز التعبير، قضايا راهنة من النوع الثقيل، كالحدود ومصير منطقة أبيي ومصير الشماليين في الجنوب والجنوبيين في الشمال، وجميعها قضايا لم يتم حسمها بعد، ومن الوارد أن تؤثر على الاستفتاء أو على طريقة تقبل نتائجه.
ومع اقتراب ساعة الصفر في التاسع من يناير القادم، بعد أسبوعين فقط من الآن، تقترب لحظة الحقيقة أكثر فأكثر، لتضع تلك اللحظة إجابات لأصعب الأسئلة في العلاقة بين الشريكين، وبين الشمال والجنوب: هل سيجرى الاستفتاء بسلاسة؟ وهل ستقبل الخرطوم نتائج ذلك الاستفتاء الذي يتوقع أن يقود لانفصال الجنوب؟ أم أن الأوضاع ستنفجر فجأة في وجه الجميع، وأولهم الفريق سلفاكير، رئيس حكومة الجنوب وزعيمه السياسي والعسكري رقم واحد.
هذا التوتر الذي برز في أكثر من تصريح شمالي وجنوبي، عكسته أيضاً تحركات دولية وإقليمية متلاحقة خلال الأسابيع القليلة الماضية، فأوباما اتصل بسلفاكير، ليعود ويتصل بالقذافي ومبارك، ثم أتى نائبه بايدن واتصل قبل يومين بعلى عثمان محمد طه نائب الرئيس، ما ينبئ بأن واشنطن بدورها تحاول تكثيف جهودها في هذه اللحظات الأخيرة لتقطع الطريق على أية عاصفة محتملة، قد تعيد تشتيت أوراق القوى الداخلية والدولية.
تحذيرات الحركة المتواترة من عرقلة الاستفتاء، تنبئ فيما تنبئ بأمر بات جد مكشوف: أن قيام الاستفتاء والانفصال وتحقيق انفصال (شرعي) بات هم قادة الجنوب الأول، ويقرأ فيها السفير الرشيد أبو شامة الخبير الدبلوماسي رسالة للخارج، تدفع المجتمع الدولي وواشنطن لوضع المزيد من الضغوط على كاهل الخرطوم، لتضييق المجال مسبقاً أمام أية محاولة لعرقلة الاستفتاء أو عدم الاعتراف بنتائجه، خاصة وأن الطعن الدستوري الأخير بشأن الاستفتاء لدى المحكمة الدستورية أوحى للبعض في جوبا بأنه مقدمة أمور غير مرغوب فيها جنوبياً، أمور من نوع يبعث على التوتر، وإطلاق التحذيرات.
الخوف على الاستفتاء، وعلى الاستقلال كما بات يسمى عند كثير من ساسة الجنوب، ليس من نية مبيتة عند بعض دوائر المؤتمر الوطني فقط، بل ينبع من أزمات فعلية على الأرض، كالنزاع على منطقة أبيي، والنزاع على الحدود، ومصير الرعاة الشماليين وحقوقهم في الجنوب عقب الانفصال، وأوضاع جنوبيي الشمال، فبينما ترى الحركة أن هذه القضايا يمكن حلها عقب الاستفتاء، مثلما حدث في تجربة أثيوبيا واريتريا على سبيل المثال، يرى الوطني أن حسم هذه الخلافات قبل الاستفتاء ضروري، فضلاً عن أن التصريحات الأمريكية المتشابهة ربما تضاعف من توتر الفريق أول سلفاكير، فالولايات المتحدة تعلن تأييدها لقيام الاستفتاء في مواعيده في ذات الوقت الذي تشير فيه لضرورة الاتفاق على القضايا العالقة، وهو موقف يعكس نوعاً ما تباين المواقف داخل الإدارة الأمريكية، تباين لا شك أن سلفا خير من يدركه.
مخاوف الحركة وبواعث توتر قائدها تتجاوز جيرانها في الشمال ومواقف أصدقائها في المجتمع الدولي إلى الأوضاع في عقر دارها، الجنوب نفسه، فالبروفيسور بول دينق المحلل السياسي يقول إن الحرب تشتد في أعالي النيل بين الجيش الشعبي واللواء جورج آطور، لدرجة امتلأت معها مستشفى ملكال بالجرحى والمصابين الذين نقل بعضهم لجوبا، فضلاً عن تمرد القائد ديفيد ياو ياو في جونقلي، ما يضيف مخاوف أمنية داخلية أخرى لقائمة دواعي توتر قيادة الحركة.
معدلات التوتر والقلق المرتفعة، ضريبة مستحقة الدفع على ما يبدو بالنسبة للقادة والزعماء، فالرئيس البشير ذكر في حوار تلفزيوني قبيل الانتخابات مباشرة أنه يشعر بالإحباط من كثرة قراءة التقارير التي ترفع له بشأن ما تحيكه القوى الأجنبية ، فلا يجد ملاذاً عن ذلك الضيق الذي يجده إلا في علاقاته وزياراته الاجتماعية التي عرف بالاهتمام بها، ما يعني أن التوتر والقلق والمخاوف، جزء لا يتجزأ من أعباء القيادة وتبعات الزعامة، وليس أمام سلفا وغيره من القادة سوى تعلم كيفية التعايش معها، طوال بقائهم في سدة الزعامة على الأقل.
الراي العام
تقرير: مجاهد بشير