سوق نيفاشا.. آخر مظاهر الوحدة
الزائر إلى سوق نيفاشا وسط العاصمة السودانية, يلفت انتباهه كثرة الباعة الجنوبيين الذين فضلوا البقاء في الشمال رغم تسارع وتيرة الحركة نحو الانفصال, لكن ما يلبث أن يلاحظ عددا غير قليل من الباعة الشماليين الذين يعملون جنبا إلى جنب مع الجنوبيين في آخر دلالة على مظاهر الوحدة قبل استفتاء تقرير المصير.
في هذا السوق الذي يحمل اسم المدينة الكينية التي احتضنت أهم اتفاقية بتاريخ السودان وهي اتفاقية السلام الشامل التي أنهت عشرين عاما من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، يمارس الباعة من مختلف مناطق السودان شماله وجنوبه وغربه وشرقه أعمالهم من بيع الملابس والأحذية والعطور وغيرها كالساعات والهواتف الجوالة بشكل طبيعي، مؤكدين أن لا علاقة لهم بما يجري على الساحة السياسية.
يقول بائع الملابس الجنوبي لول لول -وهو من مواليد الخرطوم ويقيم ويعمل بها لكن أصوله من جوبا عاصمة جنوب السودان- إنه فكر في الرحيل إلى الجنوب مع الراحلين، لكنه قرر في النهاية البقاء في الخرطوم حتى لو حصل انفصال بعد الاستفتاء، لأن فرص العمل فيها أفضل.
واعتبر لول في حديث مع الجزيرة نت أن كلام الساسة عن الانفصال لا يعنيه طالما أنه يتعايش مع الشماليين منذ سنوات طوال دون مشاكل.
سافينو ديفيد -وهو من مدينة ملكال عاصمة ولاية أعالي النيل- يقول إنه يعمل في السوق منذ ثماني سنوات، مشيرا إلى أنه “سوق مشترك لا توجد فيه تفرقة ويعمل فيه الجنوبي إلى جوار الشمالي، وأن الخلافات هي بين السياسيين فقط وليست بين المواطنين”. كما قال إنه سجل للاستفتاء لكنه سيترك قراره بشأن الانفصال أو الوحدة إلى حين التصويت، رغم أنه لم يفكر في الرحيل إلى الجنوب بعد.
آروب مويمن من قبيلة الدينكا الجنوبية
لا يشعر بأي تفرقة في الشمال (الجزيرة نت)
لا تفرقة
آما آروب مويمن من قبيلة الدينكا الجنوبية فيشير إلى أنه يعمل في السوق منذ 17 عاما ويبيع الأحذية والملابس، ولم يواجه أي نوع من التفرقة في التعامل “فكلهم شغالون مع بعض ولا يوجد فصل في الأسواق”.
ويقول مويمن إن السوق الإفرنجي بعيد عن السياسة ولم يعد مثلما كان قديما حيث خفت الحركة فيه بعد رحيل كثير من الجنوبيين، مضيفاً أنه سجل للاستفتاء وسيصوت يوم الأحد.
إضافة إلى ذلك تجد في السوق أعمالا يشترك فيها الجنوبي والشمالي معا كما هو حاصل في حالة الجنوبي علي محمد الذي يعمل في السوق “الإفرنجي” منذ ثلاث سنوات مع شريكه الشمالي أمين علي، دون أن يواجها يوما أي إشكالات أو تفرقة، مؤكدين أن السياسة لا تؤثر عليهما وأنهما يتعايشان معا بشكل طبيعي.
إضافة إلى الجنوبيين التقت الجزيرة نت عددا من الباعة من ولاية دارفور بغرب السودان الذين أكدوا ما سبق أن قاله جنوبيون.
ويرى البائع آلنة قادين -الذي يعمل في السوق منذ خمس سنوات- أن التفرقة ليست في السوق وإنما في التوظيف، حيث “تسألك الحكومة من أي قبيلة أنت؟ ولمن تنتمي؟ بخلاف السوق العام”.
ويؤكد الباعة الشماليون ما سبق أن أكده نظراؤهم الجنوبيون والدارفوريون من عدم وجود تفرقة، وأنهم يعملون إلى جوار الجنوبيين من الصباح إلى المساء دون مشاكل، وفق ما أكده البائع علي عمر محمد الذي يعمل في السوق منذ عشرين عاما والبائع عبد العزيز أبو بكر الذي يعمل فيه منذ عشر سنوات.
”
سوق نيفاشا الذي يعتبر آخر مظاهر الوحدة مع الجنوب وتعتبر مبيعاته الأعلى على مستوى الخرطوم، قد يشهد بعد الانفصال المحتوم تهديدا لكينونته
”
مستقبل السوق
سوق نيفاشا الذي يعتبر آخر مظاهر الوحدة مع الجنوب وتعتبر مبيعاته الأعلى على مستوى الخرطوم، قد يشهد بعد الانفصال المحتوم تهديدا لكينونته، خاصة مع تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير الأخيرة لقناة الجزيرة والتي قطع فيها بتسريح كل الموظفين الجنوبيين من الخدمة باعتبار أنهم سيصبحون أجانب، مستبعدا فكرة ازدواجية الجنسية.
وكان وزير الإعلام السوداني كمال عبيد قد جدد في تصريح سابق للجزيرة تأكيده أن جنوبيي الشمال سيفقدون حق المواطنة في حال الانفصال.
وتعليقا على ذلك قال ربيع عبد العاطي القيادي في الحزب الحاكم ومستشار وزير الإعلام في تصريح للجزيرة نت الجمعة إن تصريحات عبيد حملت أكثر مما تحتمل، موضحا أن قضية المواطنة والجنسية للجنوبيين سيتم تناولها كل حالة بحالها لأنها من الموضوعات الخاصة لما بعد الاستفتاء والتي تحكمها عدة متغيرات.
الجزيرة نت