مستقبل الفحم آمن.. لكن ماذا عن المناخ
بالنسبة للمحتجين تسهم الكتل السوداء اللامعة للخشب الاحفوري والمصانع في التغير المناخي الحاد. وبالنسبة للتجار فان الفحم مصدر بسيط للطاقة يعطي بصيص أمل لقرابة 1.6 مليار شخص يعيشون بلا كهرباء.
ربما يكون كلاهما على حق.
ويقول علماء إنه بحلول منتصف القرن قد يضاف الى سكان العالم ثلاثة مليارات نسمة وقد تزيد الثروة لاربعة أمثالها لكن يتعين في الوقت ذاته خفض انبعاثات الكربون الى النصف على الاقل من مصدر الطاقة الرئيسي الذي يتسبب بها الا وهو الوقود الاحفوري لكبح جماح الاحتباس الحراري الخطير.
ويتسبب توليد الطاقة في نحو خمسي الانبعاثات العالمية من ثاني أكسيد الكربون الغاز الرئيسي المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري. وتنجم هذه الانبعاثات التي يتسبب فيها الانسان عن حرق الوقود الاحفوري ومعظمه من الفحم.
وقال كونور او بريان المتحدث باسم المحتجين ضد انشاء محطة جديدة لتوليد الكهرباء تعمل بالفحم في جنوب انجلترا والتي ستكون أول محطة من هذا النوع تنشئها بريطانيا منذ نحو 30 عاما “يجب أن نقول.. هنا سنضع حدا لا يمكن تجاوزه لان من الجنون أن نستمر.”
ويقول منظمو معسكر العمل من أجل المناخ في كينجزنورث كنت ان المعسكر يضم حتى الآن نحو 600 شخص وانه ينضم لاربعة احتجاجات مماثلة هذا العام تستهدف صناعة الفحم في استراليا والمانيا وامريكا الشمالية.
ويهدف محتجو معسكر كنت الى محاولة اغلاق محطة الطاقة التي تدار بالفحم والمنتظر أن يجري احلالها والمملوكة لوحدة مؤسسة اي.اون الالمانية في بريطانيا.
وعلى الرغم من مخاوف خبراء شؤون البيئة تقول شركات للطاقة انها تسعى جاهدة لتلبية الطلب على الفحم خاصة في الدول النامية حيث الوقود رخيص ومتوفر حتى في عام تجاوزت فيه الزيادة في أسعار الفحم الزيادة في أسعار النفط.
وقال فرانشيسكو بلانش رئيس قسم أبحاث السلع العالمية في مؤسسة ميريل لينش “هذا لا يرسم صورة جيدة للغاية لمستقبل انبعاثات الكربون لكن ليس هناك خيار حقيقي اخر فالفحم واحد من مصادر الوقود القليلة التي لديها امكانية حقيقية للتوسع.”
في الوقت نفسه تريد الدول الصناعية تجنب الافراط في الاعتماد على الغاز المستورد الاكثر سلامة للبيئة نظرا للمخاوف من أمن الامدادات. ولعل اوكرانيا مثال على صحة هذا حيث تحولت الآن الى استخدام الفحم المحلي بعد أن أوقفت جارتها روسيا امدادات الغاز بسبب خلاف على السعر نشب قبل عامين.
ومعضلات الاختيار للموازنة بين المزايا والعيوب تركت مستقبل الطاقة العالمي مفتوحا على مصراعيه.
فالطاقة النووية على سبيل المثال محاصرة بالمعارضة الشعبية في معظم العالم المتقدم بينما الدول النامية ربما تكون غير مستقرة جيولوجيا او ربما تواجه -كما هو الحال في الهند- توجها سياسيا للتوقيع على اتفاقية لمنع الانتشار النووي تضمن الحصول على اليورانيوم المستورد.
وتنمو مزارع الرياح بسرعة لكن توصيل الشبكات يمثل نفقات اضافية بينما تكافح الشبكات المتقادمة في الدول الفقيرة للتعامل مع مصدر الطاقة المتقلب. والطاقة الشمسية في ازدهار لكنها لا توفر الا جزءا ضئيلا للغاية من الطاقة الاجمالية.
ويؤكد خبراء في شؤون البيئة مزايا الطاقة المتجددة التي كثيرا ما تكون أعلى تكلفة من النفط والفحم. وقد انتصروا في بعض المعارك.
ففي يونيو حزيران ألغت محكمة في جورجيا تصريحا لمحطة جديدة تعمل بالفحم قائلة انها تحتاج الى الحد من انبعاثات ثاني اكسيد الكربون. ويوم الاثنين تخلت جماعات معنية بالدفاع عن شؤون البيئة عن اعتراضها على اقامة محطة تعمل بالفحم في تكساس بعد أن وافقت شركة المرافق على دفع تكلفة خفض الانبعاثات في مناطق أخرى.
وفي الشهر الماضي دعا ال جور نائب الرئيس الامريكي السابق والحاصل على جائزة نوبل والناشط البارز في مجال مكافحة التغير المناخي الى تحول الولايات المتحدة بشكل كامل الى استخدام مصادر الطاقة المتجددة في غضون عشر سنوات وهو اقتراح قوبل بدعم من قبل الديمقراطي باراك اوباما والجمهوري جون مكين المرشحين لانتخابات الرئاسة الامريكية.
ورغم هذه الانتكاسات يبدو مستقبل الفحم امنا.
ففي الولايات المتحدة تبني شركات مرافق 28 محطة كهرباء تعمل بالفحم وهناك 66 محطة أخرى في المراحل الاولية من التخطيط بعد أعطت الزيادات في أسعار الغاز حافزا جديدا.
وفي اوروبا تبني المانيا 16 محطة جديدة من المقرر تشغيلها بحلول عام 2012 رغم خطة الاتحاد الاوروبي لتبادل حصص الانبعاثات والتي تفرض عقوبات لدى انبعاث الغازات المسببة لارتفاع درجات الحرارة. وفي ايطاليا تتحول شركة اينل من تشغيل محطات الكهرباء بالنفط الى تشغيلها بالفحم كما تبنت بريطانيا التشغيل بالفحم ايضا.
أما في الدول النامية التي تشهد نموا قويا فهناك تهافت على بناء محطات طاقة جديدة نظرا لتقادم شبكات الكهرباء وتكرار انقطاع التيار الكهربي والنمو الاقتصادي السريع.
وعلى مدى الاعوام الثلاثة الماضية أضافت الصين في كل عام محطات جديدة تعمل بالفحم تساوي في طاقتها لتوليد الكهرباء مجمل طاقة بريطانيا لتوليد الكهرباء. ووافقت الهند على انشاء ثماني محطات بسعة ضخمة ستضيف لها ما يعادل قرابة نصف طاقة توليد الكهرباء الحالية.
وتعكف اندونيسيا على زيادة توليد الطاقة باستخدام الفحم بمقدار 40 في المئة وتعتزم فيتنام زيادة قدرتها على توليد الكهرباء لاربعة أمثالها بحلول عام 2020 . ويشير مصدر بشركة اوروبية للمرافق تستثمر في قطاع الكهرباء باسيا الى أن كل هذه الكهرباء تقريبا تولد باستخدام الفحم.
وفي افريقيا تعاني جنوب افريقيا من نقص معوق في الكهرباء وهي تسابق الزمن لبناء محطات جديدة تعمل بالفحم باستخدام الامدادات المحلية الوفيرة. وتعتزم موزامبيق وبوتسوانا ونيجيريا انشاء محطات جديدة تعمل بالفحم.
وحتى في الشرق الاوسط الغني بالنفط طلبت الامارات العربية المتحدة انشاء أول محطة بالفحم الشهر الماضي.
وتقول شركات للمرافق ان اكبر العوائق في طريق هذه المحطات ليس الاحتجاجات المتصلة بالمناخ وانما نقص توربينات البخار في ظل طلبات لثلاث سنوات قادمة في الولايات المتحدة واوروبا بعد زيادة الطلب بشدة.
وفي مواجهة هذا التهافت يدرس ساسة وعلماء تقنية لم تختبر بعد تسمى احتجاز الكربون وتخزينه. وتعتمد هذه التقنية على احتجاز انبعاثات الكربون التي تنطلق من محطات الفحم ودفنها تحت الارض في ابار بترول غير مستخدمة وطبقات من الفحم.
وتقول وكالة الطاقة الدولية ومقرها باريس انه يجب أن تكون جميع محطات توليد الكهرباء بالفحم في العالم مزودة بمعدات احتجاز الكربون وتخزينه لخفض انبعاثات الكربون الى النصف بحلول عام 2050 والذي يعتبر الحد الادنى من أهداف مكافحة التغير المناخي.
لكن علماء الوكالة عبروا عن شكوكهم الشخصية في امكانية تحقيق ذلك.
وقال سانكار باتاتشاريا (45 عاما) أحد كبار المحللين المتخصصين في الفحم بالوكالة “لا أعتقد أنني سأرى في حياتي ابدا اكثر من 50 في المئة من محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم في الصين مزودة بمعدات احتجاز الكربون وتخزينه.”
ولم يتم اختبار هذه التقنية لسبب وجيه.. اذ سيضيف استخدامها نحو مليار دولار الى التكلفة الرأسمالية لمحطة الطاقة اضافة الى تكاليف حرق مزيد من الفحم بمقدار الربع لمجرد مواصلة الانتاج فضلا عن استخدام مزيد من المياه لتوليد البخار لتعويض الطاقة المفقودة.
وقال باتاتشاريا “الهنود يعارضونها بشدة” مستشهدا بالتكلفة وكفاءة العمل والمخاوف بشأن المياه.[/ALIGN]