تحقيقات وتقارير
عبد العزيز الحلو… هل يهدد النظام..؟

إسقاط النظام، نظام الإنقاذ، عبارة ترددت كثيراً خلال الآونة الأخيرة على لسان المعارضين، فبعد خسارة المعارضة الانتخابات العامة، وتفرق أمرها على أعتاب يوم التصويت ما بين مشارك ومقاطع، عاد معظمها لاحقاً ليرفع شعار إسقاط النظام، وحاول تنظيم العديد من الوقفات والمسيرات، والاجتماعات والمؤتمرات الصحفية، التي لم تفض جميعها في نهاية المطاف إلى إسقاط الحكومة، ولا حتى مباغتتها بموجة تظاهرات شعبية محدودة، ما دفع الكثيرين للقول بأن المعطيات الراهنة لا تؤشر على قدرة المعارضة على إسقاط النظام أو حتى مواجهته سياسياً، عبر التصعيد في الشارع بالمسيرات والاعتصامات.
قدرة الحلو وحده على تحقيق مشروعه الطموح بتغيير النظام في الخرطوم وبناء السودان الجديد على أنقاضه موضع شك، ليس فقط لأن قدرة الفريق على الصمود عسكرياً في جنوب كردفان هي في حد ذاتها موضع تساؤل، لكن التجربة السابقة للحلو، والجيش الشعبي بقيادة العقيد جون قرنق، لم تنجح في تغيير النظام في الخرطوم وبناء السودان الجديد، الذي بات مشروعاً سياسياً آخذاً في الانحسار والتراجع، خاصة بعد اختيار أبنائه من قيادات الحركة الانفصال، ما يدفع للتساؤل، هل يمكن للحلو، ولو كان معه آخرون من أعضاء الحركة في جنوب كردفان وخارجها، تحقيق ما عجز جون قرنق طيلة عشرين عاماً عن تحقيقه؟
بالنسبة للحلو، فإنه مستعد لخوض عشرين سنة جديدة من الحرب في سبيل مشروع السودان الجديد كما قال لصحيفة (الشرق الأوسط) قبل أيام، أما بالنسبة للمتابعين، فإن قدرة الحلو على تشكيل جبهة سياسية وعسكرية ضد الخرطوم – وليس إسقاط النظام- تبدو رهينة بمدى نجاحه في استمالة قيادات الحركة داخل جنوب كردفان وخارجها إلى صفه، وقدرته على جذب القوى السياسية الشمالية وإقناعها بالدخول في معركته، التي وصفها بمعركة (الكرامة).
القوى السياسية الشمالية الرئيسية، نصفها غارق في حوار طويل مع المؤتمر الوطني منذ وقت، فالأمة والاتحادي، ومنذ أشهر، يوضعان في خانة أقرب إلى الاتفاق مع الإنقاذ من خانة العمل على إسقاطها، في المقابل، يوضع المؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي في مقدمة صفوف الراغبين في سقوط النظام، والمرشحين المحتملين للتحالف مع الحلو على قاعدة الإطاحة بالنظام، ليس عبر المظاهرات فقط هذه المرة، بل عبر فوهات بنادق الفريق.
المؤتمر الشعبي، أقرب المرشحين نظرياً للتقارب مع الحلو على أرضية الهدف المشترك: إسقاط النظام، يقول على لسان أمينه السياسي كمال عمر ل(الرأي العام) أن إستراتيجيته هي تغيير النظام بالفعل، ولكن عبر السبل السلمية وليس العسكرية، فالعمل العسكري يأتي غالباً بطاغية يصل إلى سدة الحكم عبر أنهار من الدماء، بينما العمل السياسي السلمي تعبير عن إرادة شعبية تنشد الحريات والديمقراطية ولا تنشد العمل المسلح، ويتابع عمر: نحن نجمع الناس حول هذه الأهداف، وهؤلاء يجمعون الجماجم، نحن لسنا جزءاً من أي عمل عسكري، ولن نتفق سياسياً مع شخص يحمل السلاح.
استجابة الآخرين للهبة الشعبية التي دعا إليها الحلو وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه يقودها، لم تحدث حتى الآن، فجوبا، وقيادات الحركة الشعبية أمثال رئيسها سلفا وأمينها العام باقان مارسوا نوعاً لافتاً من الصمت حيال الأحداث في جنوب كردفان طيلة أيام عدة، فيما مارس مالك عقار والي النيل الأزرق ونائب سلفا ورئيس الحركة بالشمال الصمت بدوره، وسط أنباء عن اتصالات يجريها لاحتواء العنف، ما يعضد الرأي القائل بأن سلفا ليس في وارد التشويش على ميلاد دولته الجديدة وخوض مواجهة مفتوحة مع الخرطوم من أجل عيون الحلو، في العلن على الأقل، وأن عقار بدوره ليس في وارد تهديد استقرار ولايته بالتورط في دعم سافر لنائبه في تنظيم الحركة بالشمال عبد العزيز الحلو.
سيناريو تشكيل الحلو لجبهة سياسية وعسكرية عريضة ضد الخرطوم، لا يقتصر على المعارضة الشمالية وحدها، فنقل العمل العسكري إلى كردفان على وجه العموم، بشمالها وجنوبها، كان في السابق هدفاً للحركات المسلحة في دارفور، خاصة حركة العدل والمساواة التي نفذت بالفعل عمليات محدودة في ولايتي شمال كردفان وجنوبها، ما يعني أن عناصر العدل والمساواة، وعناصر مناوي وعبد الواحد اللذين تصافحا أمام الكاميرا مؤخراً، ليسا بعيدين تماماً عن احتمالات التنسيق مع الحلو، ومشاركته العمل العسكري الخاطف في مسرح واسع يبدأ من تخوم الجنوب ويمر بجنوب كردفان وينتهي بدارفور نفسها.
الحلو إذاً، ورغم خبرته العسكرية الطويلة، وما يتردد عن حنكته في هذا المضمار، إلا أن طريقه إلى تحقيق هدفه القديم الجديد بإسقاط الإنقاذ يبدو مليئاً بالصعاب، إن لم يكن مستحيلاً على ضوء موازين القوى الحالية بينه والخرطوم من ناحية، وبين الشمال والجنوب من ناحية أخرى، فمكان الفريق ومصيره لا يزال مجهولاً حتى الآن، بعدما قال أحمد هارون إن الفريق يهيم على وجه في البراري خارج كادوقلي، وبغض النظر عما إذا كان الحلو هائماً على وجهه بالفعل في جبال وبراري جنوب كردفان، أو أنه يعد العدة لمعارك كر وفر طويلة مع الخرطوم، فإن إمكانيات عبد العزيز الحلو العسكرية والسياسية الحالية تجعل من الحفاظ على وجوده العسكري في المنطقة، والحفاظ على حياته الشخصية، هدفاً يناسب أوضاع الجنرال أكثر من الخرطوم، وتغيير نظامها، حتى إشعار آخر على الأقل.
[/JUSTIFY][/SIZE]
صحيفة الرأي العام






