تحقيقات وتقارير

تفاصيل واقعة «طائرة الايرانيين» بين الميرغني والمهدي وكرار ببورتسودان

لا نحتاج للتذكير أن (الرأي العام) ومنذ صدورها حرصت على ان تكون مرآة الأمة السودانية وتعكس تطلعاتها وأمانيها، وتصون قيمها وتراثها وتسجل وتوثق للحراك الوطني والسياسي والثقافي والاقتصادي والفني والرياضي، لتكون مرجعية لكل تحول وحدث في الوطن، ولذلك فان مجموعاتها منذ 15 مارس 1945م شكلت مرجعية ووثيقة لكافة المحطات والأحداث منذ بداية المجلس الاستشاري 1947م والجمعية التشريعية 1948م وأول برلمان منتخب 1954م وأول حكومة وطنية 1954م.. ونقلت كافة المداولات والمناقشات عن مضابط هذه المجالس النيابية المنتخبة والمعنية على حد سواء ليعود اليها من يريد الاطلاع أو الاطلالة عليها، وكذلك رصدت الثورات والانقلابات والفترات الانتقالية وفي نفس الوقت حرصت (الرأي العام) على التوثيق والتسجيل للرموز باعتبارها شخصيات مؤثرة مهما اختلف الناس حولها، أو ازاء مواقفها أو احاديثها فإنها في نهاية الامر تشكل رمزية سودانية جديرة بالاحترام والالتفات، ولذلك جاء اهتمام جريدة (الرأي العام) بالحوارات والوقائع والمداخلات في مسيرة طويلة حافلة للسيد محمد عثمان الميرغني راعي طريقة الختمية الصوفية، ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهي تعتبر الاطول، والاكثر تأثيراً بالنسبة للسياسيين لانها تجاوزت العقود الخمسة والتي كتبها ونقلها زملينا (محمد سعيد محمد الحسن) ولقد حرص الكاتب على تمهيد اعتبره ضرورياً لايضاح الملابسات الخاصة بهذه الوقائع والمواقف لشخصية عاصرت وشاركت وكانت صانعة قرار وطرفاً مباشراً في قضايا كبيرة، وحرص كمهني القفز على الأحداث أو النقاط لأكثر من واقعة وموقف دون ان يفلت من قلمه انها لشخصية نافذة ومؤثرة خاصة انها مرتبطة بكم هائل من التحولات والتغييرات في المسيرة الحافلة .. وعلى النهج الذي أرسته صحيفة (الرأي العام) سنواصل التوثيق للرموز السودانية التاريخية والمحطات المهمة في العمل العام، السيد الصادق المهدي والاستاذ محمد ابراهيم نقد والدكتور حسن الترابي، والبروفيسور محمد ابراهيم خليل وبالطبع لن تغفل (الرأي العام) التوثيق لرموز حقبة «1990 2011م» وفي مقدمتهم الرئيس عمر البشير والاستاذ علي عثمان محمد طه.

فكرة هذه المادة بدأت بشكل مبكر بعد ان تمكنت بعون من الله اكمال كتاب «السيد علي الميرغني.. مواقف ووقائع» في العام 2002م.
وكنت محظوظاً آنذاك لحصولي على مادة وفيرة واقرب الى الدقة ومن مصادري مولانا محمد عثمان الميرغني، والاستاذ المؤرخ حسن نجيلة والاستاذ الكبير اسماعيل العتباني «رحمهما الله» وتفضل الاستاذ العتباني بكتابة «التقديم» باعتباره اول من اختاره مولانا السيد علي الميرغني كرئيس لتحرير صحيفة (صوت السودان) اليومية في العام 1941م.. ولفت الاستاذ العتباني في تلك المقدمة النظر لمعلومة مهمة وهي ان السيد علي الميرغني اختار قبله الاستاذ محمد عشري الصديق في العام 1939م كرئيس لتحرير (صوت السودان) وهو متميز في تعليمه وثقافته الغربية وبوجه خاص الانجليزية وكان لافتاً آنذاك ان اول رئيس تحرير لصحيفة أسسها الميرغني تنحدر اصوله وجذوره من جنوب السودان وهو اختيار يقاس بمعايير اليوم على انه دليل رؤية وطنية فذة وقناعة شخصية راسخة بوحدة السودان شماله وجنوبه، اما رئيس التحرير الثاني لجريدة (صوت السودان) فهو الاستاذ العتباني ولا ينتمي للطريقة الختمية الصوفية ولكنه يعترف لقيادتي الطريقة الختمية الصوفية وطائفية الانصار انهما حافظتا على الهوية السودانية العربية الاسلامية وهو امر يصعب الاستهانة به مهما كانت الخلافات ووجهات النظر الاخرى.
لقاء مبكر
واقفز الى مادة او حلقات السيد محمد عثمان الميرغني ومسيرته الوطنية فقد تعاملت معه وكنت ولا ازال قريباً وشاهداً ومتابعاً عن كثب، والى جانب العلاقة المعروفة كأسرة وقبيلة مع السادة المراغنة وللطريقة الختمية والانخراط في التيار الاتحادي ولقد التقيت مبكراً بالسيد محمد عثمان الميرغني ولأول مرة في باريس في صيف 1968 حيث كنت في دورة تدريبية مهنية بوكالة الأنباء الفرنسية (A. F. P) وكان اللقاء في منزل السفير رحمة الله عبد الله، وكان من الحاضرين الدكتور منصور خالد – الخبير القانوني لليونسكو – (أمد الله في عمره) والأستاذ محمد أحمد السلمابي (رحمه الله)، ولفت انتباهي وقتها، عرضه الجيد للوضع السياسي في السودان، وان الأمور وقتها كانت تمضي نحو الأمام، وبوجود معالجات تأخذ طريقها لمشكلة الجنوب والوصول الى اتفاق مع نقابة السكة الحديد التي اوشكت على الدخول في اضراب، وكان اضراب السكة الحديد يعني شل الحياة بالكامل في السودان، ليس الترحيل والنقل، وإنما الاقتصاد في عمومه، حيث يتوقف نقل المحاصيل من مناطق الانتاج الى بورتسودان ثم للخارج، واذكر انني نقلت ذلك في تقرير لصحيفة (الرأي العام) ابرزته في صفحتها الأولى.
وتحدث آنذاك عن اجراء الانتخابات العامة واهميتها لأن الجمعية التأسيسية معنية بمناقشة واجازة الدستور الدائم للسودان.
ثم تعددت اللقاءات والاتصالات والاحاديث بيننا وكنت احرص جرياً على عادتي ان انقل ذلك واسجله في المفكرة أولاً بأول ولذلك كانت لدى مادة معقولة، ولكن تحتاج الى اضافات، أهمها ان ألاحق مولانا السيد محمد عثمان الميرغني في كل عاصمة وبوجه خاص في لندن والقاهرة، ولكن بسبب مشاغله وارتباطاته تعذر اتمام المهمة في حينها، وحاولت وقتها اكمال كتب اخرى كنت قد بدأت في اعداد خطوطها، والاخير كان (الدبلوماسية السودانية مواقف ووقائع) الجزء الرابع (طبعة 2006م) ثم الانتخابات العامة في السودان) و(الرابحون والخاسرون في استفتاء جنوب السودان).
بداية الاعداد
وعلى عكس ما ظننت اكتشفت ان ما لدى قليل أو محدود، فالسيد محمد عثمان الميرغني بدأ تكليفه واعداده لتحمل مسؤوليات الوطنية القيادية مبكراً، منذ العام 1952م وهو دون العشرين بكثير، فاناب والده في حضور افتتاح جلسة أول برلمان سوداني منتخب مطلع العام 1954م.
وكانت هذه المعلومة مهمة جداً، لأكثر من اعتبار منها ان الاختيار والتكليف والمهمة تعني ان والده حدد المسار والاتجاه خاصة وقد نقل لي معاصرون لوالده انه عندما ابلغ بقدوم مولوده البكر، انه تمنى من الله ان يجعله باراً بوطنه وأهله قبل اسرته.
ووجدتني اهتم بالحصول على هذه الصور، وظننت انني سأجدها في ارشيف التصوير بوزارة الاستعلامات وكانت تحتفظ بارشيف الاستقلال كله، وقبله الجمعية التشريعية وقبله المجلس الاستشاري ومجلس الحاكم العام، وكان الأرشيف منظماً ومرتباً وموثقاً، ولكن ظهر ان التقلب والتحولات والتنقلات، ضربت قدرات هذه الأرشيف العريق في الصميم كما ان الذين كانوا يمثلون ذاكرته اما هاجروا أو احيلوا للمعاش أو انتقلوا إلى رحاب ربهم.
كانت صورة الميرغني في مناسبة افتتاح أول جلسة لبرلمان سوداني منتخب مطلع العام 1954م والمشاركة باسم والده مولانا علي الميرغني تشكل بالفعل أهمية بالغة، واتجهت في احدى زياراتي للقاهرة لمؤسسة الاهرام العريقة، ووجدت انها كانت في حالة اوضاع استثنائية استوجبت تجميد التعامل بوجه خاص في أرشيف الاهرام العريق، ولكن وبمعاونة الأستاذه أسماء الحسيني استطعنا عبر لقاءات وحوارات مباشرة مع كبار المسؤولين ان نوضح طبيعة مهمتي في اعداد كتاب توثيقي عن السيد محمد عثمان الميرغني، فسمحوا لي اولاً برؤية أرشيف السيد محمد عثمان الميرغني عبر الكمبيوتر، وعرضوا علىَّ ما يقارب من (160) صورة ومشهداً وسعدت كثيراً، ولكن المفاجأة المحزنة، انه يصعب التصديق للحصول على أي منها، ثم عاودنا الاتصال الكثيف وتمخض عن هذا العدد ثلاث صور فقط، ولكن الصورة المهمة تماماً كانت صورته جالساً وموازياً ومحاذياً للسيد عبد الرحمن المهدي زعيم الانصار في البرلمان.
ومع التقليب في الأوراق والمذكرات، ظهر لي ان تكليفه في اتجاه العمل الوطني السياسي، جاء قبل ذلك بأكثر من عام، فقد كان السيد محمد عثمان وشقيقه السيد أحمد الميرغني في زيارة لمصر، لدى قيام ثورة 23 يوليو 1952م، وأجرى اللواء محمد نجيب اتصالاً بالسيد علي الميرغني ليبلغه بالتطورات الجديدة في مصر وان الجيش نجح في الاستيلاء على الحكم وان الاوضاع مستقرة تماماً، وطلب الميرغني من نجله الأكبر ان ينوب عنه في نقل التهنئة للقيادة الجديدة في مصر ولحسن الحظ ان صور هذه المقابلات وجدتها على جدران القاعة الصغرى الملحقة للمقابلات والاجتماعات في فيلا الميرغني بمصر الجديدة.
كان السيد محمد عثمان الميرغني، أو من ينوب عنه في مكتبه بالقاهرة عندما يخف ضغط الاجتماعات مع الوفود يسألونني ان كان بمقدوري الحضور للقاهرة، فاسارع في اليوم التالي لأكون هنالك فمعنى ذلك وجود فسحة من الوقت تسمح لاستئناف الحوارات وبالتالي كشف المزيد من المعلومات لمواقف ووقائع، ولكن افاجأ بأن البرنامج مزدحم ولكن السيد محمد عثمان علم بحضوري وسيلتقي بي بمجرد انتهاء الاجتماعات.
واكتشف ان السيد محمد عثمان الميرغني على نهج والده سيادة علي الميرغني اذا شغله أمر تفرغ له تماماً.. احياناً قد لا يخرج من غرفته لأنه عاكف على دراسة ما، أو الوصول الى قرار ما، واذا كان يستعد للقاء وفد أو عقد اجتماع أو لقاء رئيس أو سفير يعد نفسه تماماً لما هو مطلوب.
ولذلك إذا تحدد الموعد والتقينا في الصالون الفسيح حيث تزين جدرانه صورة مكبرة لمولانا السيد علي الميرغني ببسمته الوقورة الوضاءة، وفي المقابل صورة السيد محمد عثمان بملامحه الرصينة المريحة واجلس إلى القرب منه وعلى يمينه دائماً، والحديث يأتي عفوياً وسلساً، ذكريات ومواقف، واحداث، وشهادات وشخصيات، احياناً اتابع دون كتابة فقد عودت ذاكرتي على التخزين والحفظ على قدر المستطاع، لأنني انقل عنها لاحقاً للمفكرة، ولكن عندما أحس ان الذاكرة قد تخونها الدقة، او الخطأ في الاسم أو التاريخ، أجد نفسي امسك بالقلم لاسجل.
ذاكرة
واكتشفت تمتعه بذاكرة قوية مستوعبة وحافظة، فهو حدثني عن حادثة المنشية في شتاء العام 1954م عندما تعرض الرئيس جمال عبد الناصر لمحاولة اغتيال باطلاق الرصاص، وقلت له ان هنالك من قال إنها مسرحية لخلق شعبية لعبد الناصر بعد اعفاء اللواء محمد نجيب، فقال لي انه شاهد عليها، وانه يتذكرها جيداً كما لو حدثت أمس، فقد اطلق عليه الرصاص، وتطاير الزجاج الى شظايا وبعضها اصابه، وكذلك الوزير السوداني ميرغني حمزة وروى التفاصيل، واثناء وجودي في الاهرام في اكتوبر 2006م، طلبت الاطلاع على ما كتبته الاهرام عن محاولة الاغتيال، فوجدته مطابقاً تماماً لما نقله الميرغني.
وهو يتذكر جيداً الأسماء.. فعندما اعفى اللواء محمد نجيب من جميع مناصبه وتولى جمال عبد الناصر القيادة بالكامل، فان سيادة الميرغني كلف نجله السيد محمد عثمان بزيارة اللواء محمد نجيب في مقره وينقل إليه تحياته، واستأذن الميرغني عبد الناصر الذي وافق بلا تردد واستقل سيارة ورافقه ضابط وذكر اسمه ورتبته وانه فيما بعد اصبح سفيراً، فعل ذلك بعد خمسين سنة من القيام بالمهمة والزيارة القصيرة.
كنا نمضي في الحديث من الساعة الحادية عشرة صباحاً الى الساعة الحادية عشرة مساءً نتناول الغذاء، ونحن نتحدث ونعود للصالون ونحن نتحاور ونواصل، وكان الميرغني يبدو في هذه الساعات في ذروة لياقته الصحية والذهنية ينتقل من واقعة لاخرى، أو من موقف لموقف، وفي هذه الاثناء يصعب الدخول أو المقاطعة، أو اللقاء مهما كانت درجة الأهمية، لأن هذا الوقت مخصص لهذا الجانب، ولذلك ادركت ان نهج التفرغ والتفرد ليس بالأمر السهل، انه يحتاج الى تركيز وصبر وارادة.
ومن خلال تواصلي وتعاملي معه رأيته شديد البر والتذكير بسيرة والده الراحل المغفور له بإذن الله الميرغني مع ذكر الوقائع هنا، وهناك يتوقف مثلاً ليفيد، ان الانجليز إبان الاحداث في المملكة العربية السعودية في العام 1917م سألوه النصحية ورأيه في التدخل، فقال لهم، هذا شأن المسلمين يخصهم وحدهم فلا تتدخلوا، ونفذوا ما قال به.
ولاحظ الفارق بين واقعة وواقعة فهو يتذكر ان رئيس الوزراء السيد الصادق المهدي في الأعوام 1986م – 1989م اتصل به ليشكو إليه حاكم الشرق اللواء طيار محمد عثمان كرار وليقول له إنه ارسل وفداً ايرانياً رسمياً لزيارة بورتسودان، ولكن الحاكم اللواء كرار اعادهم على نفس الطائرة، وانه أي الميرغني طلب امهاله لمعرفة جلية الأمر وعندما اتصل باللواء كرار، أكد له صحة المعلومة، وقال له، انه لا يفصلهم من جدة سوى البحر، فاذا جاء الايرانيون لبورتسودان وعيونهم على المملكة، فماذا نقول لأهل المملكة الأشقاء ونحن لا نعرف ما يبطن الايرانيون، ولذلك جاء قراري ان علاقتنا بأهل المملكة اقوى وامتن وابقى ومحافظتنا على أمنها بأهمية أمننا، وجاء قراري باعادة الوفد الايراني، وقلت له انه تصرف صحيح وسليم.
مثل هذه الوقائع كثيرة ووفيرة، ولأهميتها تحتاج لملف متكامل، ليس لأن راويها الميرغني وانما لانه دائماً شريك وصاحب قرار فيها.
ووجدتني بالفعل امام مهمة كبيرة، ولقد قال لي صديق أكاديمي، (أدخلت نفسك في عمل صعب)، وكانت اجابتي، لأنني رغبت ان لا يتكرر على مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، ما حدث بالنسبة لوالده السيد علي الميرغني، لقد كانت بجانبه وبجواره شخصيات وكتاب وصحفيون كبار الأساتذة أحمد السيد حمد ومحمود الفضلي ومحمد الخليفة طه الريفي وحسن نجيلة واسماعيل العتباني ومحمد امين حسين ويحيى الفضلي وعقيل أحمد عقيل وغيرهم، ومع ذلك تهيبوا أو ترددوا أو تعذرت عليهم الكتابة والتوثيق لما هو متاح عنه، ووجدت انها مسؤوليتي مهما كانت المشقة والجهد والاضطلاع بالمهمة، وقال لي الصديق البروفيسور محمد ابراهيم الشوش عندما عرف بما سأقدم عليه، «كان الله في عونك لقد ادخلت نفسك في عمل صعب.. وانا مستعد لكتابة المقدمة اذا طالعت فصول الكتاب، واعتقد ان مولانا الميرغني اتخذ موقفاً وطنياً متقدماً باعلان رفضه للتدخل الأجنبي في السودان».
وكلما أعملت الجهد لتصنيف المعلومات أو الفصول، كلما وجدت بالفعل صعوبة فهنالك معلومات، وحقائق، واحاديث وبيانات وتصريحات ومؤتمرات، ووثائق، فعمدت الى تحديد الفصول، وترتيب الفترات أو الحقب أو المهام أو المسؤوليات في كل فترة، ولكن سرعان ما أجد ما هو اسبق وأهم، فمثلاً، وجدت ان تكليفه من جانب والده السيد علي الميرغني في العام 1952م هو بمناسبة تدشين فعلي في العمل الوطني والسياسي، ومع صغر سنه ادى المهمة المطلوبة بلقاء اللواء محمد نجيب والبكباشي جمال عبد الناصر وأعضاء مجلس الثورة، صلاح سالم وزكريا محيى الدين وحسين الشافعي ورئيس الوزراء علي ماهر، ولذلك وجدت أن أبدأ بها الفصل الأول لأنها ايضاً تعكس تعامل قيادة الحركة الوطنية والاتحادية المبكر مع ثورة 23 يوليو 1952م.
وثائق مهمة
ثم اكتشفت ان حجم المعلومات والمراجع والأوراق والوثائق والمفكرات يصعب تلخيصها أو تركيزها في كتاب واحد، مهما بذلنا من جهد لأن في الواقع ورغم تفرغي له في العامين الاخيرين، فلدى ارتباطات عمل مع صحيفة (الرأي العام)، ومع جريدة (الشرق الأوسط الدولية)، ومع دور نشر الى جانب اعتزامي اصدار مجلة شهرية شاملة باسم (الملامح).
وجاء القرار الممكن، ان اصدر الجزء الأول من الوقائع والوثائق ثم الثاني والثالث باذن الله، وان اعد فصل الوثائق على ان يكون ذلك خلال عام من صدور الجزء الأول ثم جمعها في مجلد واحد ليكون مرجعاً مفيداً باذن الله.
واسجل الشكر والتقدير لكثيرين امدوني بمعلومات وصور ووثائق، والتقدير بوجه خاص لمولانا السيد محمد عثمان الميرغني الذي اقتطع من برنامجه اليومي المزدحم دائماً لتزويدي بقدر ما هو متاح من معلومات ووقائع ذات أهمية في التوثيق، ولكن الظروف اللاحقة حالت دون انسياب اللقاءات المطلوبة، وكان من رأيه الكتابة والتوثيق على مهل، لأن ذلك أفيد واضمن، ولكن ردي هو ان ما هو متاح اليوم، ورغم ثغرات أو قصور هنا وهنالك أفضل من الغد وان الاضافة، والتصويت ممكن دائماً.
ولا يخفى ان اختيار العنوان المناسب للمادة أخذ حيزاً من الوقت والمناقشة مع اصدقاء وباحثين وكتاب وأكاديميين، وعندما عرفوا بملامح الكتاب، والفصول، فضلوا اسم (الميرغني والمسيرة الوطنية) واعتبروه العنوان الأصوب.
حقبة الثمانينيات، اخذت حيزاً أكبر، لأنها شكلت مرحلة تحول خطيرة، وكانت الكثير من خيوطها المهمة لدى الميرغني.
واسجل ما قلته في مقدمة كتاب (السيد علي الميرغني: مواقف ووقائع) انه ما من احد يستطيع الامساك بالزمن وعلى النحو الذي يريده أو يمتلك يومه أو غده ولذلك وبالنسبة للنشر فان الاوفق التعجيل فهذا اجتهاد مقبول.
وما التوفيف إلاّ من عند الله

يكتبها: محمد سعيد محمد الحسن
صحيفة الراي العام