تحقيقات وتقارير
دارفور… قطار الأزمة يصل محطة العرب :الدوحة على الخط
وتشكل المبادرة أول محاولة للجامعة العربية في الولوج للمشكل الدارفوري منذ إندلاع الأزمة. فرغم تعدد المبادرات والمبعوثين، كان يحسب على الجامعة العربية غيابها عن القضية، وإختصرت جل مساهماتها في تقديم بعض الدعم لمعالجة الجوانب الإنسانية في الإقليم، وكان اقصاه (250) مليون دولار في مؤتمر شبكات المنظمات العربية لدعم الجهود الإنسانية بدارفور العام الماضي الذي عقد بالخرطوم.
وتتطلع الجامعة العربية أن يعينها حل أزمة دارفور في إحداث إختراق في ملف المحكمة الجنائية الدولية، بالتنسيق مع الإتحاد الإفريقي لإقناع مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار بتأجيل إجراءات المحكمة الجنائية، بإعطاء القضاء السوداني فرصة محاسبة مرتكبي جرائم الحرب في دارفور.
وتواجه المبادرة العربية بغير القليل من العقبات، وإن بدت الحكومة أكثر المتحمسين لها ما يؤشر لنجاحها لجهة أن الحكومة تمسك بكثير من مفاتيح الحل، كما جاء على لسان وزير الدولة بالخارجية على كرتي فى حواره مع سونا أمس الذي رحب فيه بالمبادرة وأبان إستعداد الحكومة لدفع جهودها «وأعتبرها من أهم قرارات مجلس وزراء الخارجية العرب أخيرا بالقاهرة، مشيرا الى أن عمل هذه اللجنة هو ضمن حزم الحل المتوافق عليها بين السودان والجامعة العربية باعتبار أن هذه الحزمة تحتاج الى حل شامل يجمعها وهو السلام عبر المفاوضات»، ورغم أن اللجنة السداسية لم تفصح بعد عن خارطتها لحل الأزمة، تبقي العقبات التي واجهت الوسطاء الإقليميين والدوليين تنتظرها دون أن يطرأ عليها جديد، والتي تتمثل في قضية توحيد الحركات المسلحة أو على الأقل توحيد موقفها التفاوضي، وهي عقبة ستكون أولى المحطات لإختراق جدار الأزمة، ولن تجد اللجنة العربية صعوبة في إقناع الحكومة بالتخلي عن مواقفها السابقه الخاصة بعدم تجاوز أبوجا، وإقناعها ببعض التنازلات لتحقيق قسمة سلطة وثروة مرضية لأهل دارفور بعد أن بدت الحكومة اخيراً أكثر إستعداداً لذلك، كما تحتاج اللجنة العربية لتفاهمات مع تشاد التي ترتبط بصلات وثيقة مع بعض الحركات وتشهد علاقاتها مع الخرطوم توترا يتطور كثيراً الى مرحلة الكيد المشترك، وعلى اللجنة العربية إقناع الحركات المسلحة بجديتها وحياديتها، وقد أشار الاستاذ عصام الحاج القيادي في حركة تحرير السودان جناح الوحده في حديثه لـ»الصحافة» لرفضهم مواقف الجامعة العربية التي وصفها بالمنحازة للحكومة، وعدم إعترافها بالبعد السياسي للأزمة، وقال إن الجامعة العربية لم تهتم بما يجري في دارفورإلا عندما وجهت المحكمة الجنائية إتهامها للبشير، بالتالي موقفها ينطلق دفاعاً عن النظام ولا يهتم بما يصيب الشعب من هذا النظام، مضيفاً أن أى مبادرة تتبناه الجامعة العربية محكوم عليها بالفشل، مبيناً أن تعدد المبادرات ساهم في ضياع الحل الذي قال إنه لا يحتاج لمبادرات وإنما إستعجال الحكومة لدفع مستحقات السلام بدارفور.
وفي ذات السياق، ربطت عدد من الحركات المسلحة قبولها بتولي قطر للوساطة مع الحكومة هنا، بأن لا تكون الجامعة العربية طرفا فيها، وعبر عن هذا الموقف رئيس حركة تحرير السودان عبدالواحد محمد نور الذي هاتفه الزميل جعفر السبكي مساء أمس، حيث رأى الاخير ان موقف الحركة واضح تجاه العملية السلمية بدارفور، معتبرا ان الحكومة غير جادة في السلام بدليل الهجمات التي تشنها على المدينة الآن واضاف : «نحن نحترم الدول التي تريد حل الازمة بشرط ان توقف الحكومة عملياتها بدارفور».
وشدد موقفنا واضح لابد من نشر القوات الاممية على الارض لحماية النازحين ونزع سلاح مليشيات الجنجويد، وطرد المستوطنين الجدد وتقديم مرتكبي الجرائم للعدالة. وقال ان الحكومة غير جادة في حل الأزمة، داعياً الدول العربية لحث الحكومة على ريقاف عملياتها العسكرية. وتساءل عبد الواحد عن تأخير الدول العربية وتحركاتها في الوقت الحالي لحل الأزمة.
من جانبها، اعربت حركة العدل والمساواة عن عدم ممانعتها لحل القضية متهمة الحكومة بعدم الجدية في حل الأزمة.
وعلى الرغم من الهجوم الذي شنه زعيم حركة العدل والمساواة على الجامعة العربية وتعاملها مع الازمة في اقليم دارفور، فإن حركته تركت الباب مواربا لإمكانية مشاركتها في محادثات تستضيفها دولة قطر، بيد أنها رفضت مشاركة الجامعة العربية في التسوية المحتملة، وأبلغ عضو الهيئة القيادي بالحركة دكتور زكريا علي عبد الرحمن، زميلنا جعفر السبكي أمس ان الحركة ليس لديها مانع لحل القضية لكن الحكومة لاتريد الحل وذلك من خلال الهجوم المكثف بطريقة غير عادية في دارفور وتابع زكريا «لا اعتقد ان المبادرة لا تصب في الاتجاه الخطأ لكن الحكومة لا تريد الحل».
واضاف زكريا «نحن مبدئياً نوافق لكن لا نقبل بالجامعة العربية وأمينها العام عمرو موسى ان يكون طرفاً في الموضوع. يجب ان تكون دولة قطر لأننا نحترمها ان تكون الوسيط لكن الجامعة ادانت دخول الحركة لأم درمان وبالتالي وساطتها نرفضها لكن متى ما قدمت لنا الدعوة ندرس الأمر ونلبي الدعوة».
وكان قد سبقه الى ذلك الموقف زعيم الحركة الدكتور خليل ابراهيم في أول تسجيل له بعد هجومه على أمدرمان والذي بثته قناة الجزيرة حيث صوب فيه إنتقادات للجامعة العربية وإغفالها لأزمة دارفور، ما يضع الجامعة العربية في موقف تحتاج فيه لكثير من الجهد لإقناع هذه الحركات بدورها في طي الأزمة.
ويبدو أن الجامعة العربية قد فطنت لتلك العقبات من خلال ربط اللجنة بالتنسيق الكامل مع المبعوث المشترك للأمين العام للأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي في السودان جبريل باسولي، للإستفادة من الجهود والمبادرات التي بذلت لجهة توحيد الحركات، وتحقيق السلام الذي إطلعت به الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي، وكذلك إختيار الجامعة لليبيا في اللجنة والتي تحتفظ بكثير من خيوط الأزمة مع الحركات ومع الجارة تشاد، مما يساعدها كثيراً في حل كثير من العقبات.
وتستمد المبادرة العربية التي تمخضت بعد جهود ماكوكية للجامعة العربية إطلعت بها بعيد توجيه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إتهامه للرئيس البشير بإرتكاب جرائم حرب بدارفور، اهميتها من عدة نواحٍ، فالجامعة العربية بعد مذكرة التوقيف للبشير قادت مبادرة للتوفيق بين الحكومة والمحكمة الجنائية الدولية، ورغم أنها إصطدمت بالموقف الحكومي تجاه التعاون مع المحكمة الجنائية، وظن كثيرون أن جهودها توقفت عند ذلك، لكن يبدو ان ما يجري خلف الكواليس كانت ثمرته اللجنة العربية السداسية، التي أنيط بها ملف دارفور الذي كان أكثر الملفات إرهاقاً للخرطوم. فيما يشير آخرون إلى أن الجامعة العربية وبالتنسيق مع آخرين دولياً يجتهدون في حل مشكلة دارفور كمدخل لصفقة يتم عبرها تجاوز أزمة لاهاي، بالتالي ما يتمخض عن اللجنة العربية يعد مدخلا لصفقات لتجاوز لاهالي وتبعاتها ولو مؤقتاً. ولكن المحبوب عبد السلام القيادي بالمؤتمر الشعبي ذهب في حديثه لـ»الصحافة» بأن أول جهة نبهت لمأساة دارفور كانت قناة الجزيرة، واللجنة العربية التي أرسلتها الجامعة العربية بداية الأزمة والتي وصفت في تقريرها آنذاك بأن ما يحدث مأساة إنسانية تتحمل الحكومة مسؤوليتها، واضاف أن الجامعة العربية تحركت الآن بسبب قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية، ولكنه تحرك في الوقت الضائع، مشيراً الى ان الجهود الحالية إذا ذهبت لحل مشكلة دارفور فإن المخرج للرئيس ممكن».
وتكتسب المبادرة العربية كذلك بريقها ومصدر قوتها من الدول التي تشرف على لجنتها وهي السعودية ومصر وليبيا والجزائرو سوريا وقطر، وكلها بلدان ذات ثقل في المنطقة، فالدوحة برعت في الآونة الأخير في طي أكثر الأزمات في الساحة العربية تعقيداً،أعيت الجامعة العربية لتنجح قطر في تجاوزها في أقل من اسبوع بعد ان جمعت شمل الفرقاء اللبنانيين، وإستطاعت تذويب العداء والجفوة بين بيروت ودمشق، أما السعودية فهي معروفة بثقلها العربي والسياسي في المنطقة وقدرتها كذلك في توفيق كثير من الخلافات العربية، وقد أسهمت في توقيع إتفاق الطائف بين السودان وتشاد العام الماضي عندما جمعت البشير بدبي. فيما تشكل ليبيا محوراً مهما في الأزمة الدارفورية منذ إندلاعها سواء بإستضافتها للمحادثات التي جرت بين الأطراف المتصارعه أو بتأثيرها على المجموعات بدارفور، ولا يقل الدور السوري في اللجنة العربية عن نظرائه، فمقترح حل الأزمة أشار إليه الأسد بعد القمة الرباعية في دمشق الاسبوع الماضي والتي ضمت الرئيس السورى الى كل من الرئيس الفرنسي ساركوزي والقطري والتركي، والتي طرح خلالها الرئيس السوري رؤية لحل أزمة دارفور مقترحاً أن تكون برعاية قطرية.
والدوحة التي تحظي بإجماع دولي وإقليمي، لا يقل كذلك محلياً، فقبل ايام قلائل أشارت مصادر صحافية الي أن مبادرة اهل السودان التي أطلقها الرئيس البشير لحل أزمة دارفور ستستضيفها قطر، وبرغم من أن ذلك يرمي بإتجاه التأييد المحلي للدوحة، ولكنه يشير كذلك لمدي التنسيق الذي جري بين الجامعة العربية والخرطوم حول هذه المبادرة ولجنتها.
وبهذه اللجنة السداسية تكون الجامعة العربية قد رمت بأول أسهمها في بركة دارفور، فمباذا تظفر يا تري؟ غنيمة تكف بها شراً كثيراً!! أم فشلا تزيد به أرقام من سبقوها!!!.
خالد البلوله إزيرق :الصحافة [/ALIGN]