صدق د. غازي وصدق البرلمان الذي لم أَرَه يمارس دوره الحقيقي كما رأيتُه هذه المرة وهو يشير ربما لأول مرة في تاريخه الطويل منذ قيام الإنقاذ.. صدق حين أشار إلى المشكلة الحقيقية المتمثلة في عجز وزارة المالية عن القيام بدور الولاية على المال العام.. تلك المشكلة التي ظلت الإنقاذ تشكو منها منذ قيامها وذلك الفيل الذي ظلت تتوارى عن مواجهته في وقت تطارد فيه ظله البريء المتمثل في «الأركان الخفية»!!
قلنا إن رئيس ديوان الحسابات بوزارة المالية قد كشف عن أن عدد الشركات الحكومية المسجَّلة فقط وليس الوهمية أو غير المسجَّلة والبعيدة عن يد المسجِّل التجاري الذي لا يملك كغيره من العاجزين عن الوصول إلى «الأركان الخفية» أن عدد تلك الشركات بلغ 684 شركة حكومية ظلت وزارة المالية «تنبح» بالليل والنهار «وتكورك» وتنشئ لجنة فنية «للتصرف في مرافق القطاع العام» عمرها يقارب عمر الإنقاذ لكنها لم تستطع أن تفعل شيئاً بل ظلت الجهات النافذة تنشئ المزيد من الشركات التي لا تطولها يد المراجع العام ولا تخفِّف عن وزارة المالية عبء توفير الموازنات والأموال الطائلة لتلك الجهات السيادية بدون أن تعلم شيئاً عمَّا تدرُّه تلك الشركات من أموال لتلك الجهات التي كوَّن بعضُها إمبراطوريات ضخمة تهدر المال في إقامة البنايات والقصور وتبعثره في صحراء العتمور وتتغوَّل به على اختصاصات وزارات أخرى معدمة!!
تلك هي الأركان الخفية أخي علي محمود وصدِّقني وأنت أعلم مني أن عُشر تلك الشركات الحكومية التي قاربت الألف ستكفي حاجتكم وتزيد عن العجز الذي يضطركم اليوم إلى صعود الجبال الشاهقة واقتحام النيران المشتعلة التي يمكن أن تدمِّر البلاد وتفتك باستقرارها.
هل تذكر أخي الزبير أحمد الحسن قانون الهيئات الذي أحدثت به جراحة كبرى طالت جميع الهيئات الحكومية في سعيك لتطبيق شعار ولاية المالية على المال العام؟! هل نجح ذلك المسعى؟! من الطبيعي ألا ينجح لأن القانون السابق كان كافيًا وزيادة لكن نظرية الطعن في ظل الفيل هي التي حملتكم على اختيار ذلك الحل الفاشل!!
إن التشوُّه الحقيقي يتمثل في هذه الشركات الحكومية أما السبب الذي أدى إلى فشل جميع محاولات تطبيق ذلك الشعار فهو المافيا ومراكز القوى التي يحتاج تفكيكها إلى قوة خارقة بعد أن أصبحت ذات نفوذ ضخم ونشأت عنها مصالح تستطيع أن تقاتل بشراسة ذودًا عن «حياضها» ولا يوجد من يملك الإرادة والقوة لتفكيك هذه الإمبراطوريات غير الرئيس ولا أحد يتحمَّل المسؤولية عن بقائها غيره ذلك أن وزير المالية لا يستطيع أن يفعل شيئًا إزاء سلطانها ونفوذها الهائل!!
عاتبني كثيرون حين قدمتُ استقالتي من الحكومة وحلفتُ على الرئيس أن يقبلها فقلت لهم إني «أعرف البئر وغطاها» وأرفض الانصياع والهزيمة أمام مراكز القوى مهما بلغت قوتها وما كان من الممكن حينها للحق أن ينتصر رغم أنه كان أوضح من الشمس في رابعة النهار فمراكز القوى أقوى من الحق لكن الله أكبر ولا يُحيق المكر السيئ إلا بأهله.
إني أرى فيما أقدم عليه البرلمان شعاعًا من الضوء وبصيصاً من الأمل وليته يواصل كشف أركان (غازي) الخفية ويمارس دوره الرقابي والتشريعي بإخضاع المافيا للمراجع العام ثم بمساءلة وزير المالية عن الأسباب الحقيقية التي تُقعد وزارته عن ممارسة ولايتها على المال العام وعن أولئك (المتمردين) على سلطانها فهؤلاء لا يقلون خطرًا عن الذين يحملون السلاح فإذا كان حَمَلَة السلاح يهدِّدون أمن البلاد واستقرارها السياسي فإن أولئك يهدِّدون ويدمِّرون أمنها الاقتصادي وهل الأمن والاقتصاد إلا وجهان لعملة واحدة؟!
أختم بالقول إنه لا حل ناجع إلا بتسليط الأضواء الكاشفة على الأركان الخفية وبإعمال مبدأ الشفافية التي لا يجدي معها إبقاء شيء في الخفاء وعلى الرئيس أن يتولّى بنفسه ملف تفكيك هذه الإمبراطوريات بمنح اللجنة الفنية للتصرف في مرافق القطاع العام تفويضًا يُطلق به يدها فرجل في «ضكارة» عبد الله بشير ذلك الزاهد (الحمش) الذي يعمل مع عبد الرحمن نور الدين يستطيع أن يفعل العجب لو خُلِّي بينه وبين أساطين المافيا.
[/JUSTIFY][/SIZE]
الطيب مصطفى
الانتباهة
