تحقيقات وتقارير
في طلة خجولة ..«برلمان الخرطوم» يخصص دقائق للاحتفال بذكرى الاستقلال
واجهش عضو الجمعية التأسيسية الاسبق اللواء كمال عبادي بالبكاء اثناء سرده لوقائع اعلان استقلال السودان في الاحتفائية التي نظمها المجلس بمناسبة ذكرى اعلان الاستقلال من داخل البرلمان، فيما اكتفى اعضاء المجلس بالتهليل والتكبير اثناء حديث عبادي عن اللحظات التي عايشها ابان اعلان الاستقلال .
وصادف امس التاسع عشر من ديسمبر الذكرى «56» لاعلان الاستقلال من داخل البرلمان وبدت شوارع الخرطوم وكأن الامر لايعنيها . وبالرغم من الحضور النسبي لاعضاء المجلس في الاحتفائية الاولى بعد انفصال جنوب السودان الا انهم تفاعلوا مع حديث عضو الجمعية التأسيسية اللواء كمال عبادي وصفقوا لحديثه بينما علت اصوات تردد «الله اكبر» سماء القاعة وهزت جنباتها التي شهدت بذاتها ذات صباح اعلان استقلال السودان.
بيد ان المفارقة الكامنة فى الحدثين هو ان احتفال هذا العام يجئ وخريطة الوطن قد بترت والسودان الذي يحتفى باستقلاله انقسم الى شطرين. وربما لهذا قد جاء الاحتفال خجولا، وربما ايضا قد ساهم فى ذلك اعلان الحكومة عن ضبط الانفاق الحكومي بعد انفصال جنوب السودان وفقدان الشمال لموارد النفط التي كانت تدر نحو 300 مليون دولار شهريا للخزينة العامة.
بيد ان من شهد افتتاح الدورة الحالية للمجلس مطلع نوفمبر المنصرم، يلحظ حالة من التباين بين الاحتفالين فمشاهد الخيام التي نصبت باحكام في فناء المجلس ووجبات الطعام الشهية التي حظي بها الاعضاء اختفت فى هذا الاحتفاء بذكرى الاستقلال رغم ان ذلك الحدث ايضا جاء عقب اعلان ضبط الانفاق الحكومي.
وينظر السودانيون للاستقلال على انه الشرف الباذخ ويعتبرونه الحدث الاهم فى مطلع كل عام جديد ،الا ان هذا العام يأتي مغايرا لما مضى في ظل صعوبات سياسية واقتصادية تواجه البلاد جراء الانفصال غير ان القضايا الآنفة الذكر لاتعفي من وضع اعتبار لائق للمناسبة الوطنية العظيمة واستلهامها كمحفز للابداع.
وقالت الطالبة الجامعية مها ادريس انها تدري ان الاستقلال يصادف الاول من يناير ولكنها تجهل تماما وقائع اعلان الاستقلال من داخل البرلمان، الا ان رجلا اربعينيا اعتبر الاستقلال مناسبة عظيمة لكنها تنحصر في احتفالات حكومية رسمية تستغلها الحكومة في خطاب تعبوي بينما يحتفل غالبية الشعب باعياد رأس السنة دون ان يعيروا اهتماما لهذا الحدث الوطني الكبير والاهم .
وكانت آخر احتفائية باعلان الاستقلال قبل الانفصال نظمها المجلس التشريعي الولائي في العام الماضي، وشهدت حضور نائب رئيس الجمهورية آنذاك علي عثمان محمد طه ولم تكن مقاعد الاعضاء الجنوبيين في المجلس شاغرة كما بدت في احتفائية الامس التي لم تحظ بحضور مسؤول حكومي رفيع او تغطية واسعة من وسائل الاعلام، وهو مايترك تساؤلات حول اسباب عدم الاهتمام بمثل هذه الاحداث التاريخية العظيمة، ولعل مشهد بعض اعضاء المجلس وهم يبدون تذمرهم من استطالة خطاب الخبير الاعلامي محمد خير البدوي حول المناسبة، وسرده لوقائع اعلان الاستقلال، يعكس?بعضا من ذلك.
لقد استغرق الاحتفال 30 دقيقة فقط استمع الاعضاء خلالها لحديث رجلين عاصرا اعلان الاستقلال، وتدافع البعض بعد نهاية المناسبة لمواساة اللواء كمال عبادي الذي اجهش بالبكاء اثناء تلاوة خطابه في الاحتفال، الذي تلا خطابه في 7 دقائق وهو يستخدم منديلا ليزيل دموعه التي انهمرت مضطرا الى اختصار الفترة الزمنية المخصصة له.
بينما لم يعف الخبيرالاعلامي محمد خير البدوي الاحزاب السياسية والطائفية من مسؤولية انفصال جنوب السودان بسبب مواقفها السلبية حيال مطالب وصفها بالعادلة والبسيطة من قبل النخب الجنوبية قائلا ان الحزب الجمهوري الاشتراكي ظل يحذر من تجاهلها مرارا ولم تجد تلك التحذيرات الاذن الصاغية من الاحزاب الطائفية، وقال البدوي ان الاحزاب الطائفية تتحمل وزر الانفصال بعد ان رفضت تلبية مطالب عادلة للنخب الجنوبية تتمثل في شغل 40 وظيفة من 800 وظيفة كان يشغلها البريطانيون قبل اجلائهم وقال ان الاحزاب مارست تعتيما على الحزب الجمهوري ?لاشتراكي بعد ان دعا الاخير بتلبية المطالب وتابع «دائما ماكانوا يمارسون على الجمهوريين تعتيما للرأي السديد الذي كانوا يجاهرون به «، وقال البدوي ان النخب السودانية اغفلت مطالب الجنوبيين واعتبرتها مطالب ثانوية سرعان ما ستذوب ولم تكترث لنصائح الحزب الاشتراكي الجمهوري بانفاذ المطالب حقنا للدماء ومقابلة تحديات كانت لاتخطر على بال السودانيين وهو انفصال جنوب السودان ومضى البدوي قائلا «مارست الاحزاب السياسية والطائفية تعتيم وحجب آراء الجمهوريين وماكانوا يدرون ان تنفيذ المطالب ستجنبهم الخروج عن جادة الطريق «.
ورفضت رئيس لجنة الشئون القانونية بالمجلس مريم جسور تحميل الشمال مسؤولية الانفصال وقالت ان سياسات الادارة البريطانية هي التي ادت الى الانفصال وشطر الشمال والجنوب ودافعت جسور عن موقف الشمال ازاء قضايا جنوب السودان واشارت الى ان الادارة البريطانية كرست للانفصال منذ وقت سحيق عندما سنت قانون المناطق المقفولة .
وانخرط عضو الجمعية التأسيسية الاسبق اللواء كمال عبادي في البكاء اثناء سرده لوقائع اعلان استقلال السودان من داخل البرلمان وقال ان البلاد اصبحت دولة كاملة السيادة لحظة اعلان الاستقلال وقال انه جاء الى البرلمان آنذاك مرتديا جلبابا ناصع البياض بعد ان تلقى دعوة من احد اقربائه الذي كان يعمل كاتبا في البرلمان. [/JUSTIFY]
الصحافة – محمد سعيد