منى سلمان
بت الحلال (١-٦)
ارح جاي يا حاج النكب ليك الشاي قبّال يبرد .. الترمسة غطاها ما ظابط بقت تبرد الشاي بسراع.
قام الحاج عن الأرض .. طوى السجادة وألقى بها على حافة السرير وجلس وهو يقول:
من قِلّة الترامس العندك؟ .. ما تمرقي ليك واحدة غيرا من المستّفاهن ديلك في فضّيّتك.
قالت تناكفه وهي تضحك في ود:
عاد بس أموت واعرف .. عدّتي وفضّيتي واجعنك في شنو؟ كل ما مره تطنطن فيني مستّفه العدّة .. مستّفة العدة !
صبت الشاي قبل أن تتكي على السرير المقابل وتواصل في الكلام:
ستّيف العدّة ياهو شغلة النسوان كلهن والمرة الفالحة بتنعرف من فضّيتا .. ان جاها السمح وللا الشين .. العندها يكفيها وزيادة، وما بتحتاج ليها لي زولا يزمّها بي شحدة العدّة.
حمل حاج (اللمين) كوب الشاي ورشف منه رشفة ثم قال:
النسوان فارغات .. وانتي فارغة أكتر منهن .. هسي انتي عندك فاطمة وللا محمد عشان تعبّي في عِباك للسمح والشين؟
غاصت كلماته الساخرة في قلبها فصمتت بره قبل أن تقول:
إن الله ما قسم لينا الجنا .. عاد ما شين نمرق من حكم الله؟ وبعدين أنا يا حاج كل مرة قاعدة أقول ليك خليني النمش اجيب لي بنيّة من (التربية) نربيها وتبقى لينا بت .. تونسنا وتشيل كبرنا .. وكمان يا حاج الله بيدينا فيها الأجُر.
رفع يده في حسم وقال في حده:
الله بيني وبين بنات الحرام .. مية مرة يا الرضية انا قلتا ليك تاني ما تجيبي لي السيرة دي وتعكريني بيها.
ساد صمت ثقيل بعد كلمات حاج (اللمين) الحادة الغاضبة لم يعكره سوى صوت رشفات الشاي، أتم الحاج شرب كوبه ووضعه على الصينية وتمدد على السرير بعد أن أعطاها ظهره، فحملت (الرضينة) الصينية ولاذت بالمطبخ لتفرغ شحنة الغضب الذي اعتراها في غسل الاكواب .. سرحت مع أفكارها تسترجع شريط حياتها خلال العشرين سنة التي قضتها مع الحاج دون أن يرزقهم الله فيها بالبنين.
لم تجد (الرضية) بأسا في الزواج من (اللمين) عندما تقدم لخطبتها من والدها، رغما عن سنوات عمره التي تفوق عمرها بالضعف وأكثر، ورغما عن تجربته السابقة بالزواج الذي لم يوفق فيه بالانجاب ففكر أن يجرب حظه مع شابة صغيرة، لم تجد (الرضية) في تلك الزيجة بأسا، فـ بالإضافة لان فارق السن لم يكن حينها يمثل مشكلة، فانّ ثراء حاج (اللمين) ووضعه المادي المريح شكل عنصر قبول اضافي .. ولكن بعد مرور كل تلك السنوات دون أن يمن الله عليهم بالذرية، وتقدم السن بـ (الحاج) وتقاصر عافيته عن ملاحقة خطوات (الرضية) التي مازالت في عنفوان صحتها وعافيتها، أحست هي بالممل والفراغ العريض فصارت تلح عليه لتبني طفلة من دار رعاية الاطفال مجهولي الابوين بينما ظل هو على رفضه القاطع للفكرة.
استمرت (الرضية) في حربها النفسية ضد الحاج لتجبره على القبول بفكرتها مستعمله لسلاح الصمت والسلبية التي اشهرتها في وجه كل محاولة منه للصلح وتجاوز الموضوع، إلى أن عاد من صلاة الجمعة بعد عدة أيام ليناديها ما أن دخل من الباب وهو يصيح في فرح:
الرضية .. تعالي يا الرضية .. بدور أقول ليك شيتن يفرّحك.
خرجت من غرفتها واجابته في اختصار وبرود:
خير يا حاج في شنو؟
قال وهو يشير إليها لتجلس بجواره:
تعالي أقعدي وخلي حركات المساخة وصرة الوش .. الليلة الخطبة في الجامع كانت عن كفالة الايتام، وبعد نهاية الصلاة مشيت للامام وحكيت ليهو بي كلامك وسألته عن حكم الدين في رباية أولاد التربية .. قال لي ما فيها حاجة وربنا بدينا فيها أجر كتير، وكمان شجعني وقال لي من دربك ده امشوا جيبوا الولد عشان تربوهو.
ضحكت (الرضية) وقد غطت وجهها الدموع:
بت .. قلتا ليك أنا دايرة بت يا حاج .. بكرة من الصباح نمشي نجيبا ونجي. [/ALIGN]
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com