[ALIGN=CENTER]وداعاً باباي [/ALIGN]
في ذلك اليوم.. أخبرهم باباي أنه خلال أيام عائد الى البلاد.. رغم أنه لا يعرف عن بلده الكثير.. فقد عاش معهم منذ طفولته الباكرة وكل حصيلته من هناك طشاش ذكرى لحالة بائسة.. ولكنه يذكر أن هذه الأسرة كانت تحنو على أمه التي كانت تعمل لديهم في منزلهم الفسيح.. كانت تغسل وتكنس ويعطونها الأجر ويكرمونها وإياه بالوجبات والملابس، بل أنهم خصصوا لهما الغرفة الخارجية «بالحوش الواسع»، فوجد «باباي» فرصته في التعليم، فقد كان «حاج حسن» يعده كأولاده وأحس برغبته الجامحة في المدرسة، وأصبح لا يتوانى في دفعه الى اتجاه مفارقة الجهل والسعي للرفعة.. ولكن المرض العضال الذي كانت أمه تحمله في ثنايا جسدها الفارع كان عائقاً للإسراع الى ما يصبو اليه.. وكانت امرأة حكيمة.. حدثتهم ذات يوم بأنها تحس بدنو الأجل وتخشى عليهم إن ماتت لديهم من بعض مشاكسات أهلها الذين في مثل هذه الحالات لا يحسنون بعض التقديرات، ولكنها استأمنتهم «باباي» فلذة كبدها، وقررت الرحيل دون أن توضح لهم اتجاهها، فقد خاطبت إنسانيتهم العميقة بأن لا تتركوا «باباي» وحيداً.. وعاهدوها على حفظه وتركه يختار خطوط حياته العريضة دون أن يتدخلوا.. ومضت الى حالها بعد أن رسمت على جبينه قبلة وداع حارة.. لم يبكِ «باباي»، فقد علمته الأيام أن لا يركن الى بقاء الأمور.. وخرجت «أجاك» وربة المنزل في حيرة من أمرها.. «أتذهب أجاك حقاً الى مصيرها بكل هذه الشجاعة المحتومة.. نعم إن المرض قد تمكن منها منذ سنين ماضية دون أن تشعر وتحس بانتشاره..»، لم تجد «حاجة آمنة» إلا أن تذرف الدمع، فقد كانت لها الابنة المعينة.. ولمسات «أجاك» كانت ملحوظة في كل أنحاء البيت.. «هذه الفوط» والمشغولات اليدوية من بنات أفكارها.. هذه الزاوية من «البرندة» كانت أجاك تضع عليها بعضاً من المنحوت وبعضاً مما نسجته أيديها.. وفي ذلك اليوم قرر «حاج حسن» انتقال سكن «باباي» الى حجرة أبنائه، فقد خشي عليه الوحدة.. ولكن الحاج لم يكن يفرض عليه أي قيود.. فقد كان يدعو أبناءه الى الصلاة ويتركه على خياره.. كان «باباي» يذهب الى الكنيسة ويقابل أبناء قبيلته بحرية.. لم يتدخل أهل ديار حاج حسن في مسيرة حياته إحقاقاً للوصية وللحق الإنساني.. الى أن جاءهم في هذا اليوم بعد خمسة عشر عاماً من الحياة معهم ليودعهم والغصة في حلقة قائلاً: «ماما.. أنا ماشي البلد.. امتحان صعب عليّ أن أمتحنه هناك..» وصمت الكون.
آخر الكلام:
لأنهم كانوا يعرفون الامتحان القادم فضلوا خيار الصمت، وكعادته ترجاهم أن لا ينسوه.. وبلطف قال لها «ماما أريد أن أستصحب المسجل الصغير معي..»!
سياج – آخر لحظة – 26/9/2010
fadwamusa8@hotmail.com
غصة ومرارة لا يتقبلها الانسان بسهولة، الكل يعرف المغزى والتلميح عسى ان يكون استجداء العواطف ومكنونات النفس والحرقة محاولة كي جرح نازف أخري، ولعل وعسى أستاذتنا الغزيزة ان يترك ما سرد هنا أثرا ولو ضئيل فى نفس كل سودانى أبي لا يرضى المهانة له ولغيره، فكل بيت من بيوتنا استضاف ولو لاجل قصير الكثير من أمثال باباى وامه، بكل راحة وترحاب وأريحية كما فعل حاج حسن رغم اختلاف اللغة والديانة.
نحن فى حاجة لمثل هذه الكتابات لعلها تكشف المستور من الدسائس و محاولات زرع الفتنة والفرقة.
الى الامام وأمنياتنا أن تؤخذ العبر من الماضي.
لك الشكر أستاذة فدوى