تحقيقات وتقارير

مطاعم على الهواء …تلوث يدفع ثمنه المواطن

[JUSTIFY]روائح شتى ، تتسلل إلى أنوف المارة ، حين يلجون منطقة الاستاد، او ما بات يعرف بالسوق العربي أي (الموقف الجديد) ، فموائد (الشواء) على الهواء الطلق ، تنادي على زبائنها ، قبل صاحب المحل ، الذي يضع (شواية) صغيرة الحجم ، وعليها قطع من (اللحم) ، معلقة على (سلك) ، يقلبه البائع ذات اليمين وذات اليسار ، في مشهد يثير كوامن (البطون) الخاوية من الطعام … الزبائن يقتربون من تلك الموائد المفتوحة ، للهواء ، والمجاورة لبراميل القمامة ، والمطلة على مياه الصرف الصحي ، ففي قرصة (الجوع) يتناول المواطنون تلك الأطعمة ، التي تنتهي بهم داخل المستشفى ، إن لم يفارقوا الحياة . (الرأي العام) جالت بالكاميرا ، وتركت الحديث للصورة ، التي رسمت سيناريو (فوضى المطاعم) ، وهي تبيع طعاماً ، تعافه الحيوانات .
على الهواء
وأنت تبحث عن موطئ قدم ، في زحام منطقة (جاكسون) تشاهد من على البعد ، دخانا كثيفا يتصاعد ، من أمام مطعم (كذا) للوجبات السريعة ، وبمجرد أن تقترب أقدامك المنهكة من (معافرة) زحام المارة ، تبدأ الصورة في الوضوح ، فترى (أسلاك الشواء) ممتلئة باللحم ، وبجوارها عدد مقدر من (الفراخ) تقلبه (شواية) ، بجانب (حافظات) للعصير ، يحوم حولها (الذباب) الذي لم يمنعه من التحليق دخان (المشويات) المعدة على الهواء مباشرة ، أي المنقولة في بث حي للمارة ، راجلين أو على متن مركباتهم ، التي تكاد تلامس تلك (الموائد) المفتوحة … غبار المارة وعوادم السيارات ، وممارسات أخرى يقوم بها المواطنون ، تختلط بتلك الموائد ، حيث لا حاجز أو غطاء يمنع .
أبو (الرخاء)
وفي جانب آخر ترى صبيا ، تحت العشرين ، يضع أمامه (منضدة) تتراكم فوقها (طعمية) تتخللها قطع البيض المسلوق … موضوعة باجتهاد في محاولة لوضع لمسات جمالية … الصبي يبيع لزبائنه الذين يغريهم السعر ، الذي تفصح عنه مكبرات الصوت وهي تبين الأسعار الزهيدة .. (سندوتش الطعمية) (50) قرشا وكوب (العصير) (50) قرشا .. و(الشاورما) (1) جنيه ، الأسعار لا تقاوم ، لم يتوقف الصوت المسجل عن مناداة الزبائن ، طوال اليوم .. والمكان يعج بالمشترين الذين تشتكي جيوبهم لطوب الأرض ، من قلة المال حسبما عبر أحدهم ، عندما سألناه كيف يستطيع أكل طعام مكشوف ومعروض على طريق المارة ؟ فكانت إجابته ممزوجة بنبرة استياء من وضعه ، لأنه طالب لا يستطيع تناول وجبة تتجاوز الـ (1) جنيه ، فبرغم يقينه برداءة المكان ، إلا أن معدته لا تقوى على تحمل الجوع ، وسبق أن حذره أحد الأطباء من تناول تلك الأطعمة ، بعد أصابته بمرض (التايفويد) .
مطاعم بدون (نجمة)
لم تنته جولتنا داخل ميدان (جاكسون) ، الذي حشد كل ألوان الفوضى لطريقة بيع الأطعمة ، أمام (الكافتريات) التي يحسبها الكثيرون بالأفضل ، ولكن الحقيقة تتضح بعد التجربة ، ففي واحدة من تلك (الكافتريات) ذات المظهر الجميل كان القدر يتربص بالمواطن (حسن عثمان) الذي تناول وجبة سريعة الإعداد، ولكنها باتت عسيرة الهضم ، إذ قادته إلى المستشفى ، فقد كانت الوجبة عبارة عن طبق (كبدة) .
تلك المطاعم تبدو في مظهرها وطريقة عرضها للطعام ، مطاعم (خمس نجوم) ، وهي في الأصل لا تملك (نجمة) واحدة تؤهلها لبيع الطعام ، الذي يتغير طعمه وشكله ، فيها .
مشهد مكتمل
تجاوزنا مشاهد منطقة(جاكسون) إلى الموقف الجديد ، الذي أضاف لوناً آخر للفوضى سابقة الذكر ، حيث تجد في كثير من الأحيان ، نهراً للصرف الصحي ، يجرى أمام احدى (الكافتريات) برائحة تهيئ المعدة للتقيؤ ، قبل أن يدخلها طعام … فـ (كافتريات) المأكولات السريعة في ذلك المكان ، يحلق بداخلها ذباب يفوق تعداد (الزبائن) .. والعاملون بها يرتدون ملابس توحي لك بأنهم يعملون في منطقة صناعية وسط زيوت السيارات وغيره ، وليس في مطاعم تعد وتبيع الطعام للمواطنين ، والأغرب من ذلك هو أن المكان الذي كان (يتبول) فيه المارة في ذلك (الموقف) ، صار كافتيريا ، حتى قبل أن تتلاشى (نتانته). السؤال هنا أي طعام أو مشروب يستطيع المرء تناوله في مكان كهذا؟
مشهد الفوضى داخل الموقف الجديد مكتمل ، لا ينقصه شيء ، فكل يوم تكون هنالك كافتيريا جديد في مظهرها ، وقديمة في ممارسة فنون الفوضى ، بل أن كثيرا منها يطل على أماكن القمامة .
خطأ أول
دكتور / أزهري علي عوض الكريم / خبير صحة وسلامة الغذاء ـ عضو جمعية حماية المستهلك ، ومستشار متعاون بوزارة الصحة الاتحادية ، عكسنا له ما يدور من فوضى بيع الأطعمة بالمطاعم المنتشرة في الخرطوم ، فابتدر حديثه قائلاً : الخطأ الأول في إخفاقات المطاعم ، هو ترخيصها لعدم وجود اشتراطات ومواصفات ، وهذا هو السبب الرئيسي لعدم استيفاء كثير من المطاعم لشروط ، البناء والموقع والبيئة الخارجية والداخلية ، فالموقع هو أساس لتحديد نوعية النشاط الصحي ، حيث أن الكثير من المطاعم ترخص في أماكن غير صحية ، مما يعرضها للتلوث بجميع أنواعه ، على سبيل المثال : تجد أن المطاعم و(الكافتيريات) معرضة للغبار والأتربة وعوادم السيارات والمارة، فتتعرض الأطعمة والمشروبات للتلوث من تلك المصادر.
البيئة الداخلية
وذهب أزهري في حديثه إلى أن البيئة الداخلية ، أي المعدات والأدوات المستخدمة داخل المطبخ ، غير مستوفية للشروط ، فمعظم المطاعم بالعاصمة ليست بها التسهيلات المطلوبة ،وهي منطقة (الغسيل ـ الإعداد ـ التحضير ـ الجدران ـ الأرضيات ـ التهوية) جميعها غير مطابقة للاشتراطات الصحية ، معظم المطاعم ليست بها تصريف ، ولا وسائل آخرى لضمان أمن الغذاء ، حيث لا توجد منطقة تخزين للمواد الخام ،وليست هنالك وسائل تبريد وتسخين لحفظ الطعام وضمان سلامته .
بدون شهادة
كثيراً ما يلاحظ أن العاملين في المطاعم يقومون بممارسات ، تجعل الزبائن يعدلون عن فكرة تناول الطعام ، نتيجة لسلوك غير حضاري، مثل تناول التبغ أثناء تعبئة أو تقديم الطعام أو استخدام المريلة في مسح الوجه … دكتور أزهري يعلق على هذا بقوله : إن العمالة الموجودة في المطاعم و(الكافتيريات) ، عمالة رخيصة لا تعي كيفية التعامل مع الغذاء في مراحله المتعددة ، فمعظمهم لا يحملون شهادات خلو من الأمراض المعدية (الصحة الشخصية للعاملين متردية) ، وهم مصدر التلوث .
أرقام مجهولة
أصبح سوق بيع المأكولات مفتوح على آخره … مطاعم لا تراعي القواعد الصحية كما ذكر سابقاً ، وأخرى تعمل في الهواء الطلق . إذن ما الذي يحدث للمواطن المغلوب على أمره ؟
يكشف د / أزهري أن أماكن بيع الأطعمة في الشوارع معرضة للتلوث مثل (الأقاشي والشاورما) ، مضيفاً ، أن ظاهرة الباعة الجائلين الذين يعدون الأطعمة والمشروبات، لا يتبعون ابسط القواعد الصحية ، وهذا يعرض الغذاء للتلوث ، علماً بان حالات التسمم الغذائي لا يتم رصدها ، والتحري فيها لمعرفة المصدر، أضف إلى ذلك بان الأشخاص الذين يصابون بحالات التسمم لا يقومون بالإبلاغ ، فمن المفترض أن يكون هنالك مكتب خاص بالبلاغات والشكاوى للتحري في أسباب التسمم ، حتى تتخذ الإجراءات اللازمة التي تشمل ، الغرامة أو مصادرة ـ وإغلاق المحل ، ولكن لا توجد عقوبات رادعة ضد المخالفين ، لذا نطالب بوضع قوانين صارمة ، خاصة بعد انتشار ظاهرة الباعة الجائلين في وسط الخرطوم ، فأصبح كل شخص يعد الطعام في منزله ، ويبيعه ، انتقلت هذه الظاهرة للمكاتب والأماكن العامة حتى المدارس .
[/JUSTIFY]
تحقيق : سلمي سلامة
الراي العام