أ.د. معز عمر بخيت
عيسى مكي عثمان أزرق: رجل بمجد أمة وعزة وطن -2
فيما يتعلق بمؤتمر 1954م فقد تم تكوين لجنة بعضوية إبراهيم هارون، وعيسى مكي، وأحمد عوض الكريم للإعداد لمؤتمر الجماعة في العام 1954م، وفعلا انعقد المؤتمر بعضوية (47) يمثلون الأقاليم، و(15) يمثلون العاصمة و(10) للطلاب، و(12) لمن لم يتم تمثيلهم من شعبهم مصعدين مباشرة للمؤتمر العام.
وفي صبيحة ثاني أيام العيد المبارك من ذي الحجة 1373هـ بدأت وفود الإخوان تصل تباعا إلى نادي أم درمان الثقافي الذي أصبح بمثابة المركز العام، وقد حضر بعض تلاميذ بابكر كرار، وتخلف بعض ممثلي طلاب مصر، ومثل إخوان الخرطوم بحري أحمد شريف، وعباس حسن التوم، ومحمد أحمد، ومثل إخوان الخرطوم زين العابدين بلال، وصلاح أبو النجا، وعمر بخيت، ومثل أم درمان أحمد محمد بابكر، ومحمد خير عبد القادر، وعيسى مكي، وياسين عمر الإمام، وإبراهيم هارون، وأحمد عوض الكريم، ومثل الأبيض عثمان الدقيل، والفاشر الأخ سليمان عبد الله، ومثل بورتسودان الأخ عبد الحميد إسماعيل، وكان من ممثلي الطلاب ميرغني النصري، ودفع الله الحاج يوسف، وعبد الله زكريا، وعشرات المندوبين مما يضيق المجال عن ذكرهم.
واتفق المؤتمر بعد نقاش على اختيار اسم الإخوان المسلمين مع استقلالها إداريا عن أي جماعة أخرى، فانسحب بعض تلاميذ بابكر كرار الذين لم يكونوا راضين عن تسمية الجماعة بالإخوان المسلمين. وتم انتخاب مكتب إداري برئاسة محمد خير عبد القادر الذي يعتبر أول أمين عام لجماعة الإخوان المسلمين بالسودان.
بجانب ذلك كانت للإخوان مساهماتهم المبكرة في العمل العام من خلال جبهة الدستور الإسلامي. قرر الإخوان منحى عمليا بالدعوة لوضع دستور إسلامي، وأن يكون ذلك عبر تجمع إسلامي عريض يضم كل العناصر الدينية في البلد، وفي يوم 10/12/1955م اجتمع مندوبون لجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة التبشير، وجماعة المحافظة على القرآن، وجماعة أنصار السُنة المحمدية، وممثلون للأنصار والختمية لتأسيس الجبهة الإسلامية للدستور، واختير الأخ عمر بخيت العوض سكرتيرا للجبهة، وقد كان عمر بخيت مساعدا للرشيد الطاهر في المكتب الإداري حينذاك. وانطلقت الجبهة تقيم الندوات في أنحاء السودان وترسل الوفود للأقاليم للدعوة للدستور الإسلامي، كما اتصلت بالسيدين علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي، اللذان باركا الدعوة دون أن يقدما لها ما يتطلبه الموقف من الجهد والتحرك والتأييد. أيضا في الديمقراطية الثانية بعد أكتوبر 1964م خاض الإخوان العمل العام باسم جبهة الميثاق الإسلامي كواجهة سياسية للجماعة.
بعد أكتوبر 1964م تم تكوين جبهة الميثاق الإسلامي كواجهة للعمل السياسي، ويحققون من خلالها بث دعوة الله بين الجماهير، ولم يتبادر إلى أذهان الإخوان أن تكون الجبهة بديلا عن الجماعة ولا عن منهاجها الجماهيري بديلا عن المنهج الإعدادي التربوي.
وفي يوم من أيام مايو 1962م اجتمع أعضاء الهيئة التأسيسية وغيرهم من الإخوان من العاصمة والأقاليم ومن العناصر الشابة التي برزت في الساحة وذلك في أول لقاء كبير دعي له بعد قيام الحكم العسكري في نوفمبر 1958م، وقد استضاف المؤتمر الأخ عثمان خالد في أحد مزارع العيلفون الوارفة، وترأس الجلسات يوسف الخليفة أبوبكر، وكان أول ما بدأ به المؤتمر هو تعديل الدستور، واستمرت الجلسات في قراءة كل بند ونص، وبعد الجلسات الأولى وصل حسن الترابي وقد كان خارج القطر في دراساته العليا، وبعد حضوره كان يشارك برأيه في كل تعديل وكان أكثر المشاركين حماسة وفصاحة وحديثا وسردا للنصوص القانونية، بل كان أكثر الجالسين حرصا على توجيه وقيادة هؤلاء الإخوة الذين أتى أكثرهم للمؤتمر دون أن يكون في ذهنهم فكرة مسبقة عما يجب أن يفعل في أمر كبير تعديل الدستور. وكان يجلس بجانبي علي محمود حسنين الذي لاحظ تصدي الترابي لتعديل كل البنود، فانسحب من الجلسة قائلا: هذا الرجل سيكون مصيبة على الإخوان المسلمين.
في الخامس عشر من أبريل 1969م توافد حوالي (258) مندوبا من شعب الإخوان المسلمين نحو النادي الثقافي الإسلامي بالخرطوم بحري، وهم الأعضاء المختارون لعضوية المؤتمر العام بجانب أعضاء المكتب التنفيذي وأعضاء مجلس الشورى مع سكرتارية مختارة. وفي حوالي الساعة الخامسة مساء أخذوا مقاعدهم بداية لجلسة المؤتمر في جو مفعم بالتهيب والإكبار وتجيش النفوس بكوامن شتى ويتبلد المجال بسحب داكنة ولم يكن أحد يدري كنه المسار ولا ما سيكون. وقد كان هناك صراع بين تيارين داخل الإخوان: تيار التربية ويقوده محمد صالح عمر ومالك بدري وجعفر شيخ أدريس، وتيار العمل السياسي المفتوح بقيادة الترابي وعبد الرحيم حمدي.
افتتح مقرر اللجنة المكلفة عيسى مكي الجلسة بكلمة مقتضبة أبان فيها شيئا من عمل اللجنة ثم طلب من المؤتمرين اختيار رئيس لهذا المؤتمر، واختار دفع الله الحاج يوسف الذي تمت تزكيته بما يشبه الإجماع.
وفي الجلسة الأولى طلب الأخ مالك بدري الإذن بالحديث وعند المنصة تحدث عن انطباعاته عما جرى، ثم أعلن انسحابه من المؤتمر وغادر المكان ورفع شعار (فليسعك بيتك وابك على خطيئتك) وبذا يكون الإخوان (الاتجاه التربوي) قد افتقدوا في ذلك الخضم العصيب فكرا فذا وشخصية مرموقة بين الإخوان وسندا قويا، خاصة وقد أعقب ذلك أيضا ذهاب الأخ محمد مدني سبال بعد اليوم الأول بلا عودة للمؤتمر مؤثرا الانصراف والسلامة، وكذلك افتقد الإخوان الأخ محمد صالح عمر الذي لم يحضر المؤتمر لوجوده في المعسكرات التدريبية في فلسطين، وقد كان لاختفاء هذه الدعامات الثلاث أكبر الأثر فيما حدث من بعد.
وكان موقف المؤيدين للعمل التربوي أن راح منهم قائد مسيرتهم محمد صالح، ووقف جعفر شيخ إدريس مهيض الجناح، واعتذر مالك بدري، ولزم سبال بيته، وبقى سبعة عشر على رأسهم محمد يوسف وفيهم عيسى مكي، ومبارك قسم الله، ومحمد علي سعيد، وعبد الرحمن رحمة، وأحمد التيجاني، وأحمد كامل، ومحمد محمد علي حامد. ووقف جعفر ميرغني على رأس مجموعة كبيرة من الطلاب كان لهم وزن ثقيل ووقفوا موقفا سلبيا.
بدأت الأجندة بالاستماع لتقارير الأقاليم المختلفة وتقرير أمين مكتب العاصمة ونقاشها، وقد نال تقرير مديرية كسلا تقديرا كبيرا لاستيفائه بدراسة جيدة واحتوائه لإحصائيات كافية ولم ينل تقرير أمين العاصمة الرضى.
ورأى البعض أن يضعوا الثقة في محلها الذي هو محل لها والتي هي أهل له في الرجل السند الذي ما شارك في خلاف ولا جُرح بكلمة ولا جرّح بكلمة وهو الأخ صادق عبد الله عبد الماجد، وذلكم هو المخرج من (جعفر وحسن) و(محمد صالح وحمدي). ولكن الأخ صادق أبى ورفض هذا الأجماع، ورجع القوم في حيرتهم يترددون، وانقسم الناس شللا يتشاورون.
وعندما تساوت الكفتان وبدأت الأمور تتضح وأصابت الحيرة بعضا والشفقة آخرين، وضجت القاعة بزفرات الغضب، وكاد دفع الله ييأس؛ انطلق صوت ينادي الجميع أن يصمتوا فهناك أمر جديد وخطب جليل، وعلا الأخ عبد الرحيم حمدي المنصة، وبعد لأي وجهد تلاشت الأصوات وسكت الناس ليسمعوا ما الجديد في الأمر؟ أنصتوا له، وبصوت رزين هادي يشوبه حزن مفتعل أعلن حمدي أنه هو والأخ حسن الترابي وحسماً للإشكال قررا استقالتهما من الجماعة منذ الآن.
انفجر الموقف فجأة وتحول إلى موجة حزن طاغية، الجميع يبكون بكاءً حاراً، بعضهم جرى نحو الحيطان والحائط الغربي من الدار يتوسدون الأرض في شهيق وزفرات، بعضهم يحتضن بعضا تكاد دموعهم تختلط أسى وحزنا، موجة من العاطفة اكتسحت كل شيء، عند ذلك جاءني إبراهيم أبو حسنين قائلا (الآن خسرنا المعركة).
ونودي للصلاة، وبعد الصلاة أعلن عن سحب الاستقالتين ومواصلة جلسات المؤتمر، وجلسوا في سكينة وهدوء، وقدمت الأسماء التي كان يظن أنها أدخلت الجماعة في هذا المعترك لأخذ الثقة فيهم بالتصويت، ليأخذوا جزاءهم عادلا من المؤتمر، وفازت كل الأصوات التي قدمت بثقة المؤتمر، ماعدا الأخ جعفر شيخ إدريس الذي تقرر فصله من الجماعة بالأغلبية.
مدخل للخروج:
حتماً تعزّي فيك كل المغفرات وتهتدي بك أغنيات الصدق يسمو فى صفائك كل من أبكاه حزنك في العميق وكل من قد هزّه هول الخبر.. يبقى عزاؤك يا خُطا ً عرفت طريق بقائها في المشرقين و لم تغب عن فجرها حينا ً ولا الوصل انشطر.. من غاب عنكم فى الجنان بوجهه ترك المآثر والعِبر..
معز البحرين
عكس الريح
moizbakhiet@yahoo.com