منى سلمان
الجو رهيب
كانت المجتمعات عبر التاريخ تكاد تعاقب الزوجة التي يتوفى عنها زوجها كما لو كانت مسئولة عن موته وبقائها هي على قيد الحياة، فمنهم من يغالي فيدفنها حية معه فى القبر كما كان يحدث في الهند قديما، وبعضهم يلزمها بالحداد مدى الحياة والانقطاع عن متاع الدنيا، وحتى في نطاق مجتمعنا المحلي يبالغ فى ذلك رغما عن أن الدين الاسلامي لم يشترط في عدة المتوفى عنها زوجها إلا عدم استعمال العطر والزينة وعدم الخروج من بيتها إلا للضرورة وأن لا تخطب إلا تعريضا كأن يخبرها الخاطب بأنو ناوي يسد فرقة المرحوم ويربي عيالو (يعني بالتلميح) وفي الاثر ان زوجة أحد الصالحين كانت تندب وتلطم خدودها عند تشييع جثمانه ، فأرسل إليها والي المدينة من تخبرها أن:
رفقا بهذه الخدود فإن لنا بها حاجة !!
فأمتنعت عن اللطم فورا (ودي للأمانة برضو أسرع خطبة وقبول لها، قبال جسم الميت ما يبرد، ناهيك عن ان تنفقع عينو!!).
ومن ناحية أخرى نجد أن مجتمعنا السوداني لم يقصر في فرض العادات الوثنية على زوجة الميت، بل يكاد يطلب منها أن تكسر رقبتها بـ (وراهو) باظهار الجزع والحزن المبالغ فيه، ولعل تلك الواقعة الطريفة التي وقعت في حينا خير دليل على ذلك، فلقد مات أحد الجيران في يوم غائم وحبات المطر الخفيف تنزل على المعزيات وتهب النسائم المنعشة ملطفة للجو، جلست النسوة في انتظار التشييع وجلست معهن زوجة الميت بعد ان أجهدها البكاء ،فصمتت للحظات وسرحت مع أفكارها التي قادتها للإنتباه لجمال الجو، التفتت لمن تجاورها قائلة:
عليك النبي .. شوفي الجو ده رهيب كيف؟!!
إنتبهت إلي أن أعين النساء تكاد تخترقها استنكارا، لاقترافها جريرة الاستمتاع بلطافة الجو في تلك اللحظات العصيبة .. هي كمان عندها نفس ؟!
فأسرعت المسكينة بالاستدراك:
لكن والله ما ضايقين ليهو طعم من المر العلينا .. الليلة يااااا حليلك يا جمل الشيل البتعدل الميل يا ود امي !!
منى سلمان
الراي العام
[EMAIL]munasalman2@yahoo.com[/EMAIL]