تكررت حوادثها الأنتنوف … قاتل أم ضمن قائمة الضحايا…؟
فهل الطائرة الروسية الأوكرانية ذائعة الصيت التي أصبحت سيدة الاجواء السودانية مستفيدة من المقاطعة الغربية للبلاد فعلاً كذلك… ؟ أم أن سهام النقد توجه إلى الهدف الخطأ…؟
في المساحة التالية نلقي الضوء على الانتنوف ونستنطق المختصين في محاولة لإدانتها أو تبرئتها…..
* أولج انتنوف
في عام 1930 خرج أولج أنتنوف من معهد كالينين للفنون التطبيقية بسانت بطرسبرغ متأبطاً شهادته ولم ينتظر في رصيف العطالة كثيراً فسرعان ما وجد فرصة عمل بمكتب لتصميم الطائرات مستهلاً للتو مرحلة جديدة وناجحة في حياته ترقى الشاب الوسيم مربوع القامة سريعاً وأصبح مديراً للمكتب في حوالي العام 1946م وإستطاع أولج أن يقود المكتب بكفاءة عالية فتوسعت أعماله بصورة حتمت تغيير صفته فتم تحويله إلى شركة بإسم أنتنوف لصناعة الطائرات إعترافاً بفضل مديرها وصانع مجدها ولاحقاً حصلت شركته أنتنوف لصناعة الطائرات على حق تميز لتسويق طائراتها القوية والضخمة وإحتفت دولة الاتحاد السوفيتي بالرجل فطوقت جيده بأرفع الاوسمة أبرزها وسام لينين.
وأولج كان يستحق هذا الإحتفاء الكبير بالنظر إلى إنجازاته التي حققها في عالم الطيران خاصة في ذلك العهد الذي دخلت فيه دول الغرب في تنافس محموم في ميدان الصناعة الأمر الذي جعل من إختراقات أولج الصناعية ونجاحاته دوراً في جعل الامبراطورية السوفيتية من دول المقدمة ومن الطبيعي أن ينظر له في وطنه كبطل قومي.
توفى أولج في كييف قبل سنوات قليلة من غروب شمس الاتحاد السوفيتي وزوال عصر الحرب لكن شركة إنتنوف واصلت عملها وظلت ترفد الاجواء بطائراتها التي تجد رواجاً كبيراً في سوق الطيران خاصة طائرات الشحن وفي المجالين المدني والعسكري وبدرجة أقل طائرات الركاب.
ومع بداية الألفية الثالثة سجلت الشركة إنجازاً عالميا عندما أطلقت (أنتونوف إيه إن – 225) كأكبر طائرة محلقة في العالم وتوصف بأنها طائرة شحن إستراتيجي ، ومع أنها صممت في الأساس لحمل المكوك الفضائى الروسى “بوران” إلا أنها متاحة للخدمة التجارية في الشحن فوق الثقيلة أو الثقيلة جدا حتى وزن (250) الف كجم.
العملاق الطائر الذي دخل موسوعة غينيس بعد كسرها (240) رقم قياسى جاء نتاج التنافس مع دول الغرب فهو يطابق هدف تصميم الطائرة إيرباص بولقا والطائرة الأمريكية شاتل كارير والمفارقة أن أن أول رحلة تجارية قامت بها كانت لصالح وزارة الدفاع الأمريكية حيث إنطلقت من شتوتغرات ، ألمانيا نقلت فيها (216) الف طن وجبة غذائية سابقة التجهيز لجنود الولايات المتحدة الأمريكية (التي أصبحت أكبر مستأجر لها) في الشرق الاوسط.
* هي والكوارث كهاتين
بغض النظر عما إذا كانت الاسباب كامنة فيها أو شركاء الاجواء فإن طائرات الانتنوف كانت طرفاً في عدد كبير من حوادث الطائرات في السودان ومن أبرزها سقوط طائرة شحن جوي من طراز «انتنوف 12» روسية الصنع، في جنوب السودان أثناء رحلة عادية لها من الخرطوم إلى مدينة جوبا عاصمة الجنوب، أسفر الحادث عن مقتل 7 من طاقمها، فيما نجا واحد، و أفضت هذه الحادثة إلى زيادة موجات الغضب وفتحت الجدل واسعاً حول أسباب تكرار سقوط الطائرات.
فى التاسع عشر من أغسطس 2012 والذي وافق أول أيام عيد الفطر انفجرت طائرة (أنتنوف-AN 26) بالقرب من مطار تلودي حاصدة أرواح (32) شخصاً هم جملة ركابها.
ومن أكبر حوادث الانتنوف كانت تلك التي فقدت فيها البلاد النائب الأول لرئيس الجمهورية الاسبق الفريق الزبير محمد صالح التي سقطت أثناء جولة تفقدية له بولايات الجنوب العشر في فبراير 1998م وهوت الطائرة في نهر السوباط بالقرب من مدينة الناصر بولاية أعالي النيل خلفت بالاضافة إلى الزبير عددا آخر من الضحايا.
فينما شهد يوليو من العام 2007 وفاة جنديين نتيجة احتراق محرك طائرتهما من ذات الطراز عقب إقلاعهما من مطار الخرطوم.
وفى نهاية ديسمبر من العام 2010 سقطت طائرة تدريب عسكرية بمنطقة خلوية غرب مدينة بورتسودان أثناء قيامها بعمليات تدريب ليلي، وكان على متنها شخصان، أحدهما روسي الجنسية والثاني ضابط برتبة نقيب بالقوات المسلحة ولم يصابا بأذى جراء السقوط.
* الجاني أم الضحية
والمتتبع لكوارث الطائرات في السودان يكتشف أن الطائرات التي تتعرض لهذه الكوارث ليست فقط الأنتنوف بل القائمة تحتوي على ماركات مختلفة منها طائرات مصنعة في الدول الغربية وعلى سبيل المثال فإن أسوأ الحوادث وقع لطائرة بوينج بُعيد إقلاعها من مطار بورتسودان في العام 2003م وراح ضحيته جميع ركابها بإستثناء طفل صغير يدعى “محمد الفاتح عثمان أبوسبعة” وفلت الطفل من براثن الموت بأعجوبة بعد أن علق بشجرة قبل أن تهوي الطائرة إلى الأرض بلحظات لكن ذلك لا ينفي أن إسم الانتنوف يتكرر ربما أكثر من غيرها من الماركات في الحوادث.
* الصيانة والملاحة
ويقول خبير في مجال الطائرات إن حوادث الطائرات لا تخرج بشكل عام عن كونها أسباب طبيعية، أو فنية، أو العنصر البشري، أو المدارج في المطارات السودانية، أحياناً كل الأسباب تتحالف لتتسبب في وقوع الحوادث، وأغلب مشاكلنا في السودان تأتي من المطارات لأنها تفتقد كثيراً لآلات الملاحة، وحتى مطار الخرطوم يعاني من نفس المشكلات، الآن مطارات العالم مهيأة للهبوط حتى في ظروف انعدام الرؤية، لأن الآلات والأجهزة التي تساعد على الهبوط متوفرة، وهناك من تدرب عليها.
ويؤكد أن الاعتماد على الطائرات الروسية ليس عاملاً حاسماً في كل الحوادث، ويزيد أحياناً تجد الطائرات الروسية مزودة بأدوات ملاحة ممتازة، ولكن لا تجد الشخص الذي يعمل بصورة جيدة ويضيف (المشكلة ما مشكلة طائرات ولا عمرها) وكل الحديث الذي يدور حول عمر الطائرات طق حنك لأن كل طائرة لها جدول صيانة متى ما التزمت الشركات بهذا الجدول تكون الطائرة مؤهلة لإعتلاء الأجواء ولا دخل هنا لعمر الطائرة والجهة التي تراقب أهلية الطائرات هي إدارة صلاحية الطائرات بهيئة الطيران المدني ويفسر قيادة الروس عادة للأنتنوف بأنه يرجع إلى أن الطيارين السودانيين معظمهم درسوا على الطريقة الغربية وليس لعيب فيها وبكل وضوح دافع الخبير عن الانتنوف وقال أنه من الظلم تحميلها وزر الحوادث خاصة وأنها قدمت خدمات جليلة للسودان في الجانب العسكري والمدني حسب تعبيره.
وأكد أن مشكلة حوادث الطيران تكمن في ضعف إمكانيات المطارات وإفتقارها لتجهيزات الملاحة الجوية وإشكالات في عمليات الصيانة وختم قائلاً إن كانت هناك طائرة غير مؤهلة محلقة في الأجواء فهذا يعني أن الطيران المدني (قاعد ساكت)
وجاءت إفادات المهندس الجوي يوسف الطيب قريبا مما ذهب إليه الخبير ويوسف قال أن الطائرة حتى وإن خرجت من المصنع اليوم إن لم يتم صيانتها حال أنها ذاهبة إلى رحلة طويلة معرضة للكوارث.
وأضاف أن الانتنوف طائرة روسية تعمل في الاجواء السودانية منذ فترة طويلة ولا نستطيع أن نتحدث عنها بشكل مطلق لكن في مثل هذه الحالات يجب أن نتحدث عن كل طائرة على حدة بغض النظر عن ماركتها فالمحك هنا جاهزية الطائرة المربوطة بالإلتزام بالصيانة الدورية.
وحول ما يتردد أن البلاد إتجهت إلى الطائرات الروسية وعلى رأسها الانتنوف بطبيعة الحال بسبب أفضلية الأسعار ورغم ضعف مقومات السلامة فيها و(لأنها حمار شغل) وفق التعبير السوداني الشائع يقول يوسف: نعم هي كانت أقل سعرا لكن مسألة مقومات السلامة هذه ترتبط كما أسلفنا بالالتزام بالصيانة وليس ماركة الطائرة يمضي ويقول ضاحكاً أن عظمة الطائرة في أن تكون (حمار شغل) ومحلقة دوماً وذلك يحسب لها وليس عليها.
المهندس يوسف يرى أن مسئولية كوارث الطيران تتحملها الهيئة والشركة التي تتبع لها والسبب عادة الطيار أو مهندس الصيانة والحديث أو التبرير بالحصار ذر للرماد في العيون لأنه ببساطة عدم توفر قطع الغيار لطائرة ما يعني أن لا تحلق هذه الطائرة من الأساس وثانياً لأن هناك طائرات غير متضررة من الحصار كما هو الحال مع الروسية ومنها الأنتنوف بطبيعة الحال وقطع غيارها متوفرة.
كما أن تحميل الأحوال الجوية مسئولية الحوادث تسطيح للأمور فالمفروض أن الطائرات والمطارات مجهزة بالرادار لإسكتشاف الاحوال الجوية وهذا يعني أن أحوال الطقس معلومة وفي حال حدوث طارئ بإمكان الطيار العودة من حيث أتى إن كانت أحوال الطقس لا تسمح بالهبوط أو مواصلة الرحلة.
إفادات الخبراء وضعت الأنتنوف ضمن قائمة ضحايا حوادث الطيران… فمن هو إذن القاتل الذي يتربص بين طيات السحاب؟؟؟
السوداني – قذافي عبدالمطلب