تحقيقات وتقارير

هـــل أخطـأ الأزهــري؟!

[JUSTIFY]كانت الدولة الأولى التي حطَّت فيها قدما سلفا كير بعد تدشين دولتهم المنفصلة عن السودان هي إسرائيل، بينما كانت غزّة المحرَّرة من دولة الاحتلال الصهيوني من أوائل الدول التي زارتها مصر الثورة ممثلة في رئيس وزرائها هشام قنديل!!
لو تأمَّل الناسُ لما احتاجوا إلى كثير ذكاء وبحث واستقصاء للإجابة عن السؤال: لماذا ضمَّت بريطانيا جنوب السودان إلى شماله بدون أي حيثيات موضوعية، بل كان إقرار السكرتير الإداري الاستعماري بالاختلافات الهائلة بين الجنوب والشمال أو بالأحرى بين الشماليين والجنوبيين بمثابة اعتراف بالمؤامرة التي ضلعوا فيها حين حشروا تلك الشوكة السامَّة في جسد السودان حتى يظل ينزف وتُستهلك طاقاتُه وتُهدر إمكاناتُه.. حدث ذلك الاعتراف عام (6491)، الذي أعقبه مؤتمر جوبا عام (7491) والذي نظمته الإدارة البريطانية حتى تُضفي مشروعيَّة على قرارها بضم الجنوب للشمال، ومن أسفٍ فإن قليلين يعلمون أن مؤتمر جوبا كان مزوراً باعتراف السكرتير الإداري روبرتسون الذي قال إنَّه هو الذي أملى قرار الجنوبيين بالموافقة على الوحدة!!
في ذات الوقت قليلٌ من الناس يعلمون أن نفس الإدارة البريطانية هي التي بذلت جهداً كبيراً في سبيل منع الوحدة بين مصر والسودان خاصة أيام حكومة الأزهري الذي آن الأوان لنسأل: هل أخطأ حين نكص عن التفويض الشعبي الممنوح له بالتوحُّد مع مصر؟!
تلك قصة طويلة سنسردها لاحقاً إن شاء الله ذلك أن الأزهري فاز في الانتخابات بورقة الوحدة مع مصر بل إن حزبه سُمِّي بالحزب (الوطني الاتحادي) الأمر الذي يُشير إلى هدف الاتحاد مع مصر، ومن عجبٍ أن الحزب الاتحادي الديمقراطي بفروعه المختلفة لا يزال يحمل كلمة (الاتحادي) بلا عمل في هذا الاتجاه!!
أقول هذا الآن لكي ألفت النظر إلى العلاقة الإستراتيجية بين إسرائيل من يوم نشأتها مع جنوب السودان دعماً له بالسلاح والمال والرجال.. تلك العلاقة المستمرة التي تجلَّت في زيارة سلفا كير لدولة الكيان الصهيوني ولكي أعقد المقارنة مع الموقف المصري الجديد الذي تجلَّى في زيارة هشام قنديل لغزة وطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة واستدعاء السفير المصري من إسرائيل.. فأي الدولتين كان ينبغي للشمال أن يتوحَّد معهما وأيهما أقرب إلى مشاعره وتوجُّهه ووِجهته الحضاريَّة؟!
الإنجليز ما وصلوا الجنوب بالشمال إلا ليجرَّه إلى محيط حضاري آخر بعيداً عن المحيط العربي الإسلامي وما قطعوا السودان عن مصر إلا ليُبعدوه عن محيطه العربي الإسلامي حتى لا يكون نصيراً لذلك المحيط وحتى لا يصبح جزءاً لا يتجزأ منه يتفاعل معه حرباً وسلماً وتوجُّهاً.
عندما قال آفي ديختر وزير الأمن الإسرائيلي إن السودان بإمكاناته مؤهَّل لكي يكون له دور في مُحيطه العربي والإسلامي ولذلك كان جزءاً من إستراتيجية إسرائيل التي سعت على الدوام لإضعافه فإن ذلك كان من ضمن مخطَّط قديم متجدِّد.. يكشفه أن وعد الوزير البريطاني بلفور لليهود بإقامة وطن لهم في فلسطين حدث عام (7191م) وتكشفه تلك اللقاءات التي تمَّت بين السيد/ الصديق المهدي وسفيرة إسرائيل في لندون قولدا مائير والتي أصبحت فيما بعد رئيسة لوزراء إسرائيل.
كان حزب الأمة الحليف لبريطانيا جزءاً من مخطَّط إبعاد السودان عن مصر فكان أن ضغط الإنجليز على الأزهري وأغراه رئيس الوزراء البريطاني الخطير والداهية ونستون تشرشل بأنه لن يحكم السودان إذا توحَّد مع مصر وتلك قصة أخرى يطول شرحُها!!
أقول هذا الآن بين يدي تصريح حكومة الجنوب حول الاعتداء على مصنع اليرموك إذ قال قائلهم إنه شأن لا يعني الجنوب في شيء ولو صدقوا لقالوا إنهم جزء من ذلك الاعتداء فقد كشفت الصحافة الإسرائيلية عن تزويد أبناء الجنوب العاملين في مصنع اليرموك لإسرائيل بالمعلومات وسكتت عن الكثير ولم تقل إن إضعاف السودان عسكرياً جزء من مخطَّط الحرب التي تُشنُّ من جنوب السودان في إطار مشروع إعادة هيكلة السودان وإخراجه من مُحيطه العربي والإسلامي وطمْس هُوِيَّته بالتعاون مع الحركات العميلة لجنوب السودان.
في تلك الأيام كانت مصر هي الراغبة في أن يكون السودان موحَّداً معها، خاصَّة أيام الرئيس محمد نجيب، الذي أطاح به عبد الناصر أما اليوم فإنه لا أحد يمكن أن يفكر في التوحُّد مع السودان بمشكلاته الكثيرة التي ستزحف إلى أجندة من يتوحَّد معه بما في ذلك الحروب التي تضرب أطرافه وتهدِّده وتقترب يوماً بعد يوم من عمقه ومن أسفٍ فإنه لا أحد يأبه لما يُحاك للسودان من مؤامرات، وأنه لا أحد من سياسيينا يطرح الأخطار الحقيقية التي تُحيط بالسودان على الإخوة في مصر، فوزارة خارجيتنا لا تفهم ولا تقرأ ولا تكترث ولا حول ولا قوة إلا بالله!!.

—[/JUSTIFY]

الطيب مصطفى – الانتباهة