تحقيقات وتقارير

الرق وما أدراك ما الرق

الرق هذه الكلمة التي إعتقدنا ولزمن طويل أنها قد زالت من قاموسنا الإجتماعي والسياسي ولكن، للأسف، ها هي تعود تطفو من جديد على السطح مثل البثور والدمامل والقروح.
الرق وتجارة الرق هي من الأمراض الإجتماعية القديمة قدم الإنسان على هذه الأرض ووجدت في كل الحضارات والأمم التي عاشت على ظهر البسيطة والتي لا يمكن الدفاع عنها بأي حال من الاحوال، ولكن من المؤسف أنه، ولأسباب سياسية بحتة، دأب البعض على بعث هذه القضية من مرقدها في الفترة الأخيرة كواحدة من الركائز التي يقدمونها لتسويق قضيتهم وتصويرها على أنها كانت تتم على يد مجموعة معينة من السكان أو البشر أو حتى أتباع دين معين، على الرغم من وجود الكثير من الشواهد والأدلة التي تشير إلى خلاف ذلك، ودون مراعاة لجوانب أخلاقية أو حتى علمية في تناول مثل هذه القضية التاريخية والإجتماعية الحساسة. فالرق من حيث الشاري والمشتري، لم ترتبط بجنس أو لون معين من البشر فسيدنا بلال بن رباح الحبشي كان عبداً وسيدنا سلمان الفارسي كان أيضاً عبداً وتشير الكثير من المراجع إلى أنه كانت هنالك مجموعة من التجار اليهود يقومون بجلب الرقيق من المنطقة التي تعرف اليوم باسم فرنسا بغرض بيعهم في مختلف مواقع الدولتين الأموية ثم العباسية فيما بعد، والمماليك الذين حكموا مصر كانوا مملوكين قبل ذلك، والاسم دال على المعنى هنا، وهم كانوا بيض البشرة في أغلبهم.
وأكتفى هنا باستعراض مرجع واحد من المراجع التي تدلل على ما ذهبنا إليه ويجعل الباحث الحصيف والمنصف يفرق دم هذه الجريمة التاريخية البشعة على كل قبائل البشرية بمختلف أعراقها وأديانها وأممها، ففي كتاب “إمبراطورية الإسلام في حوض النيل، قصة أول حرب جهادية في العصر الحديث 1869-1899” للكاتب البريطاني دومنيك غرين، الذي يتناول تاريخ السودان منذ الفترة التي سبقت قيام الثورة المهدية إلى عهد ثورة الانقاذ، جاء في صفحة 25: “تحولت بريطانيا من أكبر تاجر للرقيق في المحيط الأطلسي إلى واحد من أشد المناهضين لهذه التجارة” إذاً بريطانيا كانت أكبر تاجر الرقيق في المحيط الأطلسي، وهذا أمر معلوم للجميع ونورده هنا للذكرى فقط. ويقول في صفحة 46 عن إقليم دارفور: “كان سلطان هذا الإقليم يجيز القيام بـ70 غارة في العام لجلب الرقيق، حيث قسم أراضيه بين الفرق المغيرة، وكان يجمع غنائمها في معسكر مركزي ويتقاضى العمولات جراء مبيعاتهم” إذاً نحن أمام حاكم لا يجيز فقط تجارة الرقيق بل يتقاضى العمولات، الضرائب، عليها. وفي صفحة 47 يقول حول رحلة العبيد من السودان إلى مصر: “وفي أسيوط أيضاً كان ثمة راهبان قبطيان “يقال إنهما يتفوقان بمهارتهما على أسلافهما” بتحضير الطواشية الذين يدفع الأمراء المسلمون أثماناً باهظة لهم ليكون هؤلاء الطواشية حماة لحريمهم” ويضيف: “كان هذان الراهبان يستأصلان الجهاز التناسلي بأكمله من البطن ويكويان الجرح بالزبدة المغلية” إذاً من يخصي العبيد كانا راهبان قبطيان.
وفي صفحة 50 يقول إن التجار الأوربيون جاءوا للسودان في أواخر عقد الأربعينات من القرن التاسع عشر وكان منهم أندريه ديبونو من مالطا وألكسندر فودي الموظف الفرنسي في الحكومة المصرية وبرونو روليت الذي بدأ نشاطه التجاري مع تاجر عبيد فرنسي ثم انشق عنه ليعمل لحسابه الخاص وجون باتريك وهو “جاؤوا إلى آخر الدنيا بحثاً عن الثروة وعن النسيان، فخلعوا ملابسهم وعاداتهم الأوربية وارتدوا زي التجار العرب واتخذوا الخليلات الحبشيات”، إذا نحن أمام “سوق أوروبية مشتركة” قديمة.
وفي صفحة 53 يقول: “وفي الوقت ذاته تلقى القنصل البريطاني في الخرطوم تقريراً من ممثل الحكومة النمساوية في الخرطوم يقول إن شخصاً بريطانياً مقيماً في الخرطوم يعمل في تجارة العبيد”. ولم يكن المشتبه فيه آخر غير السيدة باتريك. ويتطرد قائلاً: “ولكن وزير الخارجية اللورد راسل شعر بشيء من السرور ولم يصدمه الخبر”. والسيدة بتاريك هي زوجة جون باتريك القنصل البريطاني في الخرطوم “كامل الصلاحية” الذي “حاول أن يؤسس جيشاً خاصاً به، زاعماً أنه يعيش وسط “قبائل تثير الشغب والحروب” وطلب من حكومته أن تأذن له باستيراد 500 بندقة و80 بندقة أخرى مخصصة للفيلة وطنين من معدن الرصاص الخاص بصنع قذائف البنادق وأعطاه راسل الإذن باستيراد ربع هذه الكمية.
ذكر في صفحة 135 عن مدينة الخرطوم: “وأما تجارة العبيد فقد كانت تجذب المجرمين والمبشرين المسيحيين والطبقة الكادحة من البربر والجياع”.
وذكر في صفحة 168 عن رئيس الوزراء البريطاني وليم غلادستون أنه كان: “يعارض تحرير العبيد ببريطانيا ويشجب الإصلاح الانتخابي”.
بريطانيا كانت ترى في الزبير باشا نصيراً لها ضد المهدي، رغم عن ماضيه كتاجر للرقيق: صفحة 266:” وكما قال صديق بيرنغ موبرلي بيل مراسل التايمز، إن الزبير على الأقل سيكون عميلاً بريطانياً وعندما تمر هذه الأزمة سيكون “أكثر إذعاناً للتأثيرات الإنسانية”.
في صفحة 270 عندما فشل غردون في استمالة المهدي الذي كان قد فتح الأبيض واستقر فيها أعلن غردون من موقعه في بربر استقلال المدينة عن السودان وعين نفسه حاكماً عليها وعندما تساءل الناس حول هل القوانين المصرية المحلية المناهضة للاسترقاق لا تزال مطبقة أجاب غردون قائلاً: “لا! إن كل من يملك عبيداً له الحق الكامل بخدماتهم والسيطرة الكاملة عليهم” إذاً غردون أجاز هنا إمتلاك العبيد حتى يكسب ود الناس في بربر، وهذا دليل قاطع على سقوط المبادئ عندما تصطدم بالمصالح السياسية.

بقلم: الصادق عبدالسلام