نادية عثمان مختار

يا( مدام) ويا( مرا) فرق السماء من الأرض ( حلقة ثانية) !!


يا( مدام) ويا( مرا) فرق السماء من الأرض ( حلقة ثانية) !!
هنا في السودان اعتادت الفتيات أن لهن نداءً رسميا في البيت، في الشارع وفي المسرح وهو (يا بت) وذلك منذ الطفولة وحتى مرحلة الشباب، وإلى ما قبل الزواج؛ حيث يتحول النداء في الغالب إلى (يا مرا) و (ولية) ويا(حجة) دون أن تكون تلك المرأة قد عرجت إلى بيت الله حاجة في يوم!!
نادرا ما تسمع الفتاة اسمها عندما يناديها أهلها ففي الغالب يكون النداء (يابت) !
وفي الغالب لا تغضب الفتيات من مناداتهم (يا بت) ولا يرون فيه أي إهانة أو تقليل من الشأن؛ بعكس ما هو موجود في مصر التي يجيئك الرد فيها جاهزا من الفتاة بحسب عمرها؛ فمثلا لو كانت طفلة في المدرسة ستبدي امتعاضها الشديد وتقول لك: (بت إيه بس أنا اسمي فلانة)!!
أما لو انك ناديت على إحداهن دون أي مقصد سيء في الشارع يا(بت) فسيكون الرد لاذعاً في الغالب من نوعية (بت إيه ما تحترم نفسك بت لما تبتك)!
وللحقيقة حاولت أن افهم ما معنى (لما تبتك) وهل المعنى بها (تبططك) أي تجعلك (مبططا) كما عجينة البيتزا أم ماذا ولم أفهم!!
هنا في السودان دخلت في مرة إحدى مستشفيات العاصمة فقابلتني ممرضة، وكان اسمها زهرة، وكان لي تحليل في معملهم فطلبته منها؛ وقالت لي إنها سوف تأتي به، وغابت وبحثت عنها ولم أجدها فسألت عنها زميلا لها (لو سمحت مدام زهرة ما شفتها)؟ فرد علي (منو)؟ فكررت السؤال فقال لي (ماعندنا زول اسمو كدا) اندهشت! وقلت له انها ممرضة هنا ترتدي زي التمريض و.. .! قبل ان أكمل حديثي قال لي (اوعا تكوني قاصدة زهرا) قلت له نعم هي (مدام زهرة) فانفقع الرجل ضاحكا، وقال لي (زهرا كمان بقت مدام ) ؟!!
فعقدت حاجب الدهشة، فالسيدة متزوجة بالفعل ورغم أنني لا أفقه الكثير من اللغة الفرنسية إلا أن المسلسلات المصرية على الأقل ثقفت الكثير من العامة بحيث يعرفون أن (مدام) لقب السيدة المتزوجة!
تعلمت من وجودي في مصر أن رفع الكلفة ممنوع وأن الألقاب جزء من ثقافة هذا الشعب، وهو حريص عليها أيما حرص فلو انك ناديت موظفا (كحيان) باسمه مجردا سيغضب، وربما عطل مصلحتك و(لطعك) حتى ترد لها احترامه بمناداته بلقب (أستاذ) او (يافندم) خاصة وأنك لست صديقه (ع القهوة) حتى ترفع الكلفة معه!!
وما بين معنى كلمة (مرا) التي ننادي بها أشرف السيدات وأنبلهن هنا في بلادنا وبين معناها هناك في مصر فرق السماء من الأرض!!
عزيزي القاريء أنصحك نصيحة لوجه الله، إذا كنت لم تزر مصر من قبل، ونزلت أرضها فإياك أن تخطيء وتنادي سيدة أو أي فتاة بكلمة (مرا) ففي ذلك قذف صراح؛ يمكن أن يؤدي بك إلى قسم الشرطة او على الأقل علقة ساخنة تنقلك الى مستشفى القصر العيني، محمولا على حسن نواياك، وانت لا تفهم ما الذي حدث ولماذا ثارت (المدام) تلك الثورة لمجرد مناداتها بكلمة (مرا) وربما تجد من يفهمك معنى ثورتها ولكن بعد ان تكون فقدت صف أسنانك الأمامي من لكمة يد مصري من (أخوان نانسي) الذين يقابلهم في بلادنا (أخوان فاطنة) !!
و
غدا نواصل إن كان في العمر بقية !!

نادية عثمان مختار
مفاهيم – صحيفة الأخبار – 2011/6/15
[email]nadiaosman2000@hotmail.com[/email]


تعليق واحد

  1. استاذتنا الرائعة موضوعك هذا جميل جدا ويمكن ان ينطبق على اشياء كثيرة ، وتقليعات لا نعرف من اين اتت وكيف اخذت طابع انها جزء من تراثنا ،،
    وقصة مدام ومرة ويابت لي معها كثير من القصص فعلا المرأة السودانية لاتتعامل مع المصطلحات التي يعرفها الاخرون ويتعاملون بها فاذكر اني في احدى المرات وكنت في سوق للملابس فاعترضت طريقي سيدة سودانية طريق مروري ولم اجد اي طريقة للمرور فبدات انادي لو سمحتِ يا مدام عنئذنك يا مدام ، مدام بالله شوية ولا حياة لمن تنادي فتجرأت ولمستها من كتفها بطرف اصبعي قلت ليها ممكن شوية .. قالت انا اسفة وهو كلامك دا كان معاي انا .. قلت ليها ايوا قالت معليش والله لانه عمره واحد ما قالي يا مدام عشان كدا قلت الكلام ماليّ ..
    اما ذا قلت لبنت يا انسة الله اعلم ايه يحصل معاك وخلي الطابق مستور ..
    فأهلنا البسيطين يعتبرون ان هذه الالقاب درجة او طبقة في سلم الحياة او المكانة او ان الذي ينادى بمثل هذه الالقاب قطعا ذو شخصية مرموقة او مكانة عليا بين القوم ..
    شكرا استاذة
    http://www.facebook.com/muth1