منى سلمان

جاهزين مويه ونور !


جاهزين مويه ونور !
- إستيقاظ العيال مبكرين في نشاط رغم معاناتي في إيقاظهم يوميا طوال أيام الإجازة، ذكّرني بحالة نفسياتنا زمان مع بداية كل عام دراسي جديد، فقد كنا نكاد لا ننام الليل فرحا وترقبا للعودة إلى المدرسة بعد شهور الإجازة الطويلة، فكنّا لشدة (الشفقة) نقوم بوضع ملابس المدرسة الجديدة في شمّاعة ونعلّقها على حبل الغسيل المار بوسط الحوش فوق رؤوسنا مباشرة، حتى نقوم بلبسها في الصباح بالسرعة القصوى والإنطلاق للمدرسة – وأخير أنحنا – فقد كان أحد أولاد الجيران يقوم بلبس هدوم المدرسة ليلا ويضع حذاءه الجديد تحت السرير ليقوم بـ (حشر) قدميه فيه صباحا ويبادر بالإنطلاق نحمد لله انه لم يطف بالحلة حرامي ليلة (وقفة المدرسة) أكان خلى خشومنا ملح ملح !
– بدأ العام الدراسي الجديد في الوقت المناسب تماما، قبل أن تنقلع صمغة دماغنا ونشق هدومنا (طفشانا) من دوشة العيال .. ولكن يبدو أن هذا التوقيت لم يكن مناسبا (البتّة) لبعض المدارس والمدرّسين ولا نقول ناس وزارة التعليم .. عاد بنقدر ؟ قالوا جاهزين مويه ونور !!
قررت أن اذهب للمدرسة للاطمئنان على يومهم الاول، فـ(شاققت) بين الدروب الجانبية إختصارا للمسافة، ولمحاولة إصطياد (رقشة)، ولكن لسوء حظي كانت الدروب خالية من ريحة الرقشة التقول تراني، فتوكلت على الله وواصلت (الكُدُر)، وعندما مررت بالقرب من مدرسة الحي (الحكومية) فوجئت بخروج الطالبات منها في هذا الوقت المبكر .. سارت بمحاذاتي ثلاث صغيرات فحييتهن وسألتهن:
مالكم طلقوكم البيوت بدري ؟
فأجابتني كبراهن:
ما أدونا أي حاجة .. الكتب لسه ما جابوها وقالوا لينا خلاص ارجعوا بيوتكم .
تسامرت معهن تقصيرا للمشوار فسألتهن عن فصولهن الدراسية .. أخبرتني الصغرى وهي ودودة ومبادرة للكلام بأنها في الصف الرابع بينما الكبيرتان في السابع .. سألتهن:
الفصل بيكون فيهو كم بت ؟
فأجابت الصغيرة بسرعة:
نحنا فصلنا فيهو كم وتمانين بت.
وعندما سمعت مني حوقلة إستغراب واصلت الشكوى:
والله ندّافس في الكنبة جنس دفسة .. إيييك .. محشورين كده.
ثم خبطت بيدها اليمنى على اليسرى وهي مضمومة كناية عن (الكترة) !
– أخيرا وصلت للمدرسة قاطعة (صوت وصورة) ولكن فرحة العيال بملاقاتي أنستني قطعة النفس .. سحبت كرسيا وجلست في الصالة إنتظارا لتكملة العيال لإستلام الكتب، تأملت مباني مدرسة العيال الخاصة التي تأكل مصاريفها معنا وتشرب .. فصول واسعة طيبة التهوية، فهززت رأسي ألما عندما تذكرت حركة صغيرة المدرسة الحكومية وهي تصف دفسات الكنب والفصول وتشكو من الكتب اللسه ما جابوها، وسرحت مع أحلام وردية تخيلت فيها مدارس حكومية بـ (المجان) لا يدفع فيها ولي أمر الطالب دم قلبه، ورغم ذلك تتميز بالجمال والنظافة وبفصول لا يتجاوز عدد طلابها الثلاثين و … يحظى كل طالب فيها بكتاب لا يتشارك مع أحد .. بالمناسبة، كنا في الإبتدائي زمان أيضا نتشارك في الكتب، بل كانت حصة الفصل من بعض الكتب أربعة أو خمسة كتب نتخمّسها كل كنبتين .. ومازلت أذكر أن عدد الطالبات في فصلي ونحن في الصف السادس كان ستة وتسعين طالبة ! يعني الحكاية دي ما جديدة ليها كم عقد من الزمن وما اتلقى ليها حل .. بس ربنا يصلح الحال!!
أعادني من دنيا الأحلام صوت سنين لـ (أم) مجموعة من الصغار مرت من أمامي وهي تكشهم أمامها وتصيح عليهم في زهج:
ما تسألوني من بابا .. بابا ما جا معانا ..هداك في شغلو .. هو من بتين قاعد يتعب روحو وللا يجي معاكم ؟!!
إلتفتت إلي عندما وجدتني ابتسم في وجهها فـ دخلت فيني شمال:
عليك الله شوفي جنس الحالة دي ؟ نحنا نشقى ونقع على وشنا مع الشفع، وهم ما عندهم غير كلمة بابا .. كلو شوية يسألوا منو هزت رأسها في غيظ ثم أضافت:
غايتو نقول البركة في أولادنا الجبناهم ديل .. لكن الرجال ما فيهم فايدة
تلفت حولي فوجدت أن هناك أعداداً كبيرة من الأمهات يسعين بين الفصول لإستلام الكتب والزي مع ابنائهن، بينما لم تلمح عيني غير بعض الشوارب الحايمة، فأمنت على كلامها بـ (مصدقة يا بت أمي ياهو حال الرجال)

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]