الغاباتي الشين الخشن !!
وبعد التهنئة لناس الغابات بالرئاسة ومديريها بالأقاليم والعاملين فيها، نحكي الطرفة التي سردها دكتور ماهر صالح في محاضرة «دور الخريج».
ويقول دكتور ماهر إنه درس في هولندا مع مجموعة من الأجانب، وكان من بين «المفاهيم» التي حملها معه من أساتذته ومعلميه الكبار في السودان ناس دكتور كامل شوقي وبروف حسن عبد النور، أن الغاباتي «رجل خشن وعنيف وشين» وذكرها باللغة الإنجليزية هكذا A Foreser Should Be tough Rough and ugly وبالطبع ضحك الحاضرون كلهم على كلمة (أقلي) على اعتبار أنه من غير الممكن أن نقول للحاضرين ــ ومعظمهم من ناس الغابات ــ أنهم عنيفون وخشنون و «كمان شينين»… وأغلبهم من البنات والسيدات. واذا كان اعتقادنا سابقاً أن ناس الغابات يمثلون «الحرس الثوري» للغابات الذي يمنع الاقتراب من وتصوير هذا المورد ويعمل على ترشيد الاستثمار فيه بالقطارة.. فلا بد لدور الغاباتي الآن أن يتغيَّر كثيراً بحيث أن الاستثمار الغابي في كل اشكاله يجب أن يكون جاذباً للقطاع الخاص، وألا يكون الأمر حكراً على الحكومة.. بل مشاركة بين الحكومة والمجتمع. وبهذه المناسبة فإن أكثر من 75% من الغابات في الدول الأوربية يزرعها ويستثمر فيها رجال أعمال في شركات القطاع الخاص.. على أننا نلاحظ غياباً تاماً لدور القطاع الخاص في السودان منذ أن تم إنشاء الغابات في الخمسينيات. وحتى المحاولات التي تولد من رحم المبادرات الفردية من آن لآخر تُصاب بالأجهاض في مرحلة تشكل الجنين وتموت أولاً بأول. وبالطبع يحدث هذا لأننا في بلادنا نفتقد للبنوك التي تفهم في تمويل الاستثمار الغابي ولا تهتم بالتمويل في مجال البيئة.. ثم إن أهلنا في هيئة الغابات ربما يجدون أنه من الأفضل أن يمارسوا دور الحارس الشرس الممسك بـ «النبوت» ليمنع الآخرين من الاقتراب والتصوير.
ثم أن القطاع الزراعي عموماً، والغابات ليست استثناءً، يعاني من تكدس النساء العاملات فيه حتى، أننا نخشى اكتمال «نسونة» الوظائف في كل مرافق الدولة خلال السنوات الثلاث المقبلة، علماً بأن نسبة «النسوان» في وظائف المفتشين الزراعيين قد تصل إلى الثمانين في المائة.. وبالطبع لن أقتنع مهما أوتيت من رجاحة العقل وحسن التقدير بأن «النسوان» يمكنهن أن يعملن في المناطق النائية، هذا علماً بأن معظم غاباتنا الآن تكاد تكون محاصرة في مساحة بين خطي عرض يمرح فيها التمرد والحركات المسلحة، ولن تكون النساء فيها مفيدات كثيراً الاّ إذا افترضنا أن من الممكن إنشاء حركات مسلحة تتكون من سيدات وآنسات يحملن الكلاش والقرانوف والهاون والدوشكا على ظهورهن.
وما يقال عن التوظيف في القطاع الزراعي يقال كذلك في كليات الزراعة وكليات الغابات.. فالمعروف أن الطلاب ــ معظمهم ــ إن لم يكن كلهم تكون رغبتهم الأولى أن يدخلوا كلية الطب أو (الهندسة)، وهذه رغبة مكبوتة أو معلنة يعرفها كل السودانيين… والطالب عندما يفشل في الحصول على الطب أو الهندسة يأتي للزراعة أو الغابات محبطاً لأنه لم «يفرِّح أمه» ولم يسعد والده، ولم يعط قبيلته فرصة للافتخار بأن «ولدهم» دخل الطب.. ويدخل تلك الكلية مقهوراً.. ثم يتخرج كيفما اتفق، ولكن لا يجد عملاً ويظل عاطلاً.. والأسوأ من كل ذلك أن تسعين في المائة من الكوادر الداخلة في هذه الكليات بنات.
وعلى كل حال أرجو أن أجد العذر في إبداء رأيي الشخصي الذي قد يبدو (مشاتراًَ ومكاجراً) لـ «نسوان» الجندر بصفة خاصة، وهو أنه لا داعي لاستيعاب الآنسات والسيدات في قطاع الغابات أو المهن الزراعية الحقلية عموماً، اللهم إلا إذا كان ذلك الاستيعاب لأغراض العمل في داخل المعامل أو المصانع أو المكاتب المكندشة، أما الحقول والخيران والقردود والقيزان والكَرَب والمَيَعَة، فلها الغاباتي الخشن والشين، وللنساء فسحة ومتسع في القنوات الفضائية، حيث تتوفر إمكانية استعراض الثياب والفساتين والحنة و«التِرتِرْ».
والمطلوب الآن بعد أن نحيي إخواننا في الهيئة القومية للغابات، أن نرجو منهم وبإلحاح أن يفتحوا نافذة أو طاقة صغيرة للتعامل مع القطاع الخاص.. ولا نقصد هنا القطاع الخاص «الغليظ» جداً «العريض المنكبين الشلولخ»، ولكن نقصد تخصيص الأراضي المحجوزة و«الفارغة» للناس كباراً وصغاراًَ ليزرعوها بالغابات وبغيرها.
ونقول إن على الكليات الجامعية أن تخرج لنا مزارعين قادرين على دخول الغابات والأحراش والقردود والكَرَب… ووصية أخيرة نقولها لهم أن الناس لن يهتموا بغابة لا يملكونها.. و «جلداً ما جلدك جر فوقو الشوك»..!!
> كسرة:
سمعت أحد المسؤولين في جهاز إعلامي مشهود وهو يقول «إن هناك بعض الإخوة من الجنوبيين يهجمون على المزروعات في الحدود، وهناك بعض الإخوة الجنوبيين يهجمون على المزارعين ويقتلونهم ويقطعون آذان البعض، وهناك بعض الإخوة الجنوبيين ينهبون الأبقار والضأن من الحدود ويقتلون الرعاة» .. والمشكلة التي «خلعتني» أن المسؤول يصف الناس ديل بـ «الإخوة».. فكيف يقوم الإخوة بقتلنا؟ وكيف يكونون إخوتنا وهم ينهبون رعاتنا؟ وكيف يكونون إخوتنا وهم يسرقون ويحرقون زروعنا؟ وكيف يكونون إخواننا وهم يقطعون آذان الناس؟! يا جماعة لا بد أن نضع الكلمة المناسبة في المكان المناسب، فهؤلاء ليسوا إخوة لنا.. هؤلاء هم العدو قاتلهم الله. وقد سبق أن أصدر المجلس الوطني قراراً تشريعياً بعد احتلال هجليج، بأن دولة الجنوب دولة عدو.. وحسب علمي لم يتم إلغاء هذا القرار حتى الآن.
صحيفة الإنتباهة
د. عبد الماجد عبد القادر