تحقيقات وتقارير

بالصور .. “حَبَابْكُمْ عَشَرَة”.. حارة “الصوفى” وحدوتة أكلة “ويكا” رجعت وحدة “مصر والسودان”


هنا شارع “عدلى” بوسط المدينة، إلى الجوار يقع ميدان الأوبرا.. سرعة السيارات تتسابق مع تسابق الحياة على أرض أم الدنيا، صخب العمران مازال يمتد ليطغى على تراث المبانى العتيقة.. الحارات تتراص بعشوائية على أطراف الشارع لتزيد من جلبة الموقف حتى تصل أقدامك إلى حارة “الصوفى” -الحارة الأخير قبل أن تصل الميدان- يجب أن تراقب أقدامك قبل وضع خطوة أخرى إلى الداخل، خطوة واحدة أخرى وتنتقل فى رحلة طويلة على انحدار مجرى نهر النيل.. رحلة إلى بلاد الويكا، والعصيدة، والكسرة.. رحلة إلى بلاد السودان.

حَبَابْكُمْ عَشَرَة.. أو أهلا وسهلا بلغة شركاء نهر النيل هى العبارة الأولى التى تقابلك على أرض حارة “الصوفى”، وبمعنى أصح الجزيرة السودانية على أرض المحروسة، فى قلب الحارة الضيقة يصطف كل شىء مصبوغ بسمار أهل الخرطوم ومدنها، فى البداية تقابلك قهوة السودان، ومنها إلى حلاق السودان، على بعد أمتار تشتم رائحة مطعم السودان، قبل أن ينقلوك إلى بائعى العطور، والمكيفات، وحتى بائع الزلابية السودانى أو “اللُجيمَات السودانى”.

اليافطة المعلقة لتعلن أن هنا مطعم السودان.. هى صاحبة سر المنطقة، خطوات من أسفلها وتسلل روائح وجبات الويكا، والعصيدة، والمُلاح، وأم فتفت، بهدوء إلى أنفك لتزيح كل ما يدور من صخب المدينة على بعد أمتار، على دفة قيادة المطعم يجلس “الشيخ عبده”، عمرة فى هذا المكان سبعة أعوام تشهد على قصة البداية ويقول حدوته يعرفها أهل الحارة عن ظهر قلب “المطعم ده هو السبب فى كل حاجة هنا.. فكرته بدأت من مصرى وسودانى كانا صديقين، ولاحظا تواجد السودانيين الكبير فى الفنادق المحيطة بالمنطقة لانخفاض أسعارها، ووجودها فى وسط المدينة، فقررا فتح مطعم للأكل السودانى، والإقبال عليه فاق التوقعات، فبدأ التوسع حتى وصلت الحارة لشكلها الحالى”.

يمتص شفاه على مضض ويتابع: قبل الثورة كان بيجى السودانيون هنا عشان يتفسحوا ويتبسطوا، كانت مصر بالنسبة ليهم أجمل فسحة، لكن دلوقتى كل اللى جاى إما للعلاج أو التعليم أو لجوء سياسى.

صورة نجوم الكرة العالمية تقابلك عقب أن تتعدى بائع “اللُجيمَات السودانى” فوقها تعلق لافتة “مصر والسودان” تحاول العودة بالأذهان لعصر وحدة فشلت فيها السياسة وأهلها، حتى فشلوا فى الحفاظ على السودان فقط مثلما يقول أهل الحارة، تعتلى العنوان الكبير كلمة “صالون” لتعلن عن حلاق المنطقة الذى أعاد صناعتها بمفهوم شعبى خاص، من الداخل يطل “أحمد شقاوة” العامل المصرى الوحيد فى الصالون المختص لأهل السودان.. 6 سنوات هى عمره بين المنطقة وأهلها كانت كفيلة لتحول مهارته إلى الحلقات السودانى يقول “الأشهر هى حلاقة الشريطة، والتربيعة، والجوردن، الأولى تعتمد على خط فى الأجناب للشعر، والثانية على جعل الشعر فى شكل مستطيل متساو، والأخيرة الأسهل أنك بتشيل معظم الشعر”.

اللون الأسمر هو بطل المشهد فوق طاولات القهاوى هنا، أما على منضدة النقاش تحتل السياسة سدة الحديث، بين المجموعات التى ربطها نهر وأرض ولغة وأصل، وفرقتهم سياسة وأطماع واهية تخيلها أهل الصفوة، الجميع يجلس ليروى بحسرة هذه القصص عن تفكك السودان، وثورة مصر التى شكلت لحظة أمل “أخدها الغراب وطار”.

كتب حسن مجدى ورامى ناجى
اليوم السابع