هل لتقرير لجنة العقوبات علاقة بالمصفوفة الأخيرة
الترحيب الدولي -أيضاً كما في السابق- لم يأت ترحيباً حذراً، فهو بذات الأمل والتطلع القديم بأن تفضي المصفوفة الى تهدئة الأوضاع بين البلدين وتنزع فتيل التوتر وتعينهما على المضي قدماً فى إنفاذ الاتفاق دون إبطاء ولا تأخير !
والذي يمعن النظر فى موقف المجتمع الدولي المتكرر بهذا الصدد لابد أن يستغرب كيف أنه يتظاهر بأنه يقف محايداً ومشجعاً فقط للأطراف لحلحلة قضاياهما! إذ من المفروغ منه أن واشنطن على الأقل تقف بكامل عدتها وعتادها مع الطرف الجنوبي – ظالماً أو مظلوماً – غير أنها بطبيعة العلاقة وطبيعة الوضع لا تردّه عن ظلمه.
كما أن المرء يتساءل ما إذا كان كل دور المجتمع الدولي -مع علمه بعواقب تعثر تنفيذ الاتفاق- هو أن يبدي ترحيبه فى كل مرة بما تم التوصل إليه؟ فكما رأينا فإن الاتفاق هو ذات الاتفاق بذات البنود والتفاصيل المطولة ولم يتضمن شيئاً جديداً. والطرف الذي عمل على عرقلة الاتفاق منذ توقيعه فى سبتمبر الماضي 2012 معروف ولا يحتاج لتوجيه الإصبع إليه.
ومع ذلك لم يتلقَ هذا الطرف لوماً من أحد. ولعل أكثر ما يستلفت النظر ويثير الاستغراب بشدة أن الأمم المتحدة تعلم أن الاحتقان الذي يمسك بخناق البلدين سببه الرئيس احتضان جوبا علناً قوات متمردة على الخرطوم.
تقرير لجنة العقوبات المفروضة على السودان حوى ما يكفي لإقناع المجتمع الدولي بأن السودان الذي يُنظَر إليه بأنه جاني في الواقع ما هو إلا مجنيّ عليه، وأن عناصر إفساد الوضع الأمني فى السودان عامة وفى دارفور وجنوب كردفان على وجه الخصوص هي عناصر خارج منظومة الحكومة السودانية، بل خارج سياج السودان نفسه، ولذا فإن السؤال الذي لابد وأن يفرض نفسه هنا هو، هل كان للتقرير الدولي الذى قدمته لجنة العقوبات بشأن استضافة جوبا لحركات متمردة على الخرطوم دوراً – ولو بدرجة ما – فى ما أفضت إليه مفاوضات أديس الأخيرة؟
الواقع لا يمكن بحال من الأحوال إغفال هذا العنصر الضاغط الشديد الأثر ونعني به التقرير الدولي الأخير المتعلق بدعم جوبا لمتمردين سودانيين واستضافتهم على أراضيها.
صحيح إن الاجتماع كان مقرراً قبل وقت طويل نسبياً، وصحيح أيضاً أن التقرير لم يدخل بعد حيز النقاش بكل ما قد يخلفه من حرج سياسي لواشنطن وحلفائها، ولكن من المؤكد أن واشنطن التى أرادت (مزج التقرير بقليل من المياه المحلاة بالسكر) رأت أن من المناسب دفع عجلة الاتفاق ولو لأمتار قلائل كفيلة بإشاحة الأنظار بعيداً عن أزمة التقرير من جهة، وإلهاء السودان الممسك بقوة بما ورد فى التقرير فى حق جوبا عن الاهتمام بالتقرير والعمل على تصعيده من جهة أخرى.
بمعنى أدق فإن واشنطن ربما دار فى خلدها أن فتح كوة صغيرة فى أعلى السقف ربما تسهم فى دفع تيار هواء مناسب يخفف من وطأة الحر السياسي الشديد بين البلدين ويوفر مناخاً مواتياً. وعلى ذلك فإن طبيعية الإستراتيجية المخفاة بعناية فى طيات الخلاف السوداني الجنوبي تشير الى أن المخاوف لم تعد تقتصر فقط على أن يرتبط مصير المصفوفة الأخيرة بالمدى الذي تريده واشنطن وحلفائها لأغراض اجتياز السلك الشائك المتمثل فى تقرير لجنة العقوبات الأخير؛ وإنما قد تمتد الى مدى يكون فيه كل ما تم لا يعدو كونه تغبيشاً للرؤية الى حين العبور من فوق الجسر !
سودان سفار ي
[/JUSTIFY]