تحقيقات وتقارير

قصة مؤتمر صحفي.. قراءة في التفاصيل الدقيقة

[JUSTIFY]ظهيرة الثلاثاء الفائتة كانت استثنائية بالنسبة للاعلاميين بمختلف وسائطهم ومشاربهم السياسية والفكرية، لم لا والنائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه ضرب لهم موعداً للقائهم عبر مؤتمر صحفي بالأمانة العامة لمجلس الوزراء، ولما كان طه مقلاً في إطلالاته الاعلامية، ولما كانت الساحة السياسية تضج بالاحداث على خلفية إعلان الرئيس عمر حسن أحمد البشير تمسكه بعدم الترشح للرئاسة مجدداً، ومخرجات لقاء طه بالقيادي في المؤتمر الشعبي علي الحاج في المانيا أخيراً، بالاضافة لاعلان الحكومة التفاوض مع قطاع الشمال، فقد شحذ الجميع أذهانهم وانتباههم لتلقي رسائل النائب الأول للرئيس.

الوقت الذي أعلن للمؤتمر كان تمام الواحدة والنصف ظهراً، بينما دلف طه والفريق المصاحب له في الثانية الا خمس دقائق، ليعلن الوزير برئاسة الجمهورية محمد المختار نهاية المؤتمر في الثالثة وست وثلاثين دقيقة، وبذا يكون المؤتمر قد استغرق زهاء المئة دقيقة كما أعلن هو في نهاية المؤتمر.

من أبرز الوجوه السياسية التي كانت برفقة طه مساعد الرئيس جلال الدقير الذي كان موقعه على يسار طه، وغير بعيد كان هناك مساعد الرئيس عبد الرحمن المهدي.

في هذا المؤتمر اجترح مختار نهجاً جديداً بدعوته للصحافيين ليبادروا بطرح أسئلتهم، ليرد عليها طه مباشرة، فيما بدا لي وكانه امتحان رئاسي، لقياس اتجاهات الرأي الاعلامي.

من بين العديد من رؤساء التحرير وكبار الصحافيين الذين طرحوا أسئلتهم استرعى انتباهي ان اثنين فقط من رؤساء التحرير استبق اسئلته بتهنئة النائب الاول بسلامة العودة والشفاء، وبينما افصحت لهجة الأول ــ الذي عرف عنه انه يقود حملة صحفية لترشيح طه لرئاسة الجمهورية ــ عن قدر كبير من الود والتقدير، كانت نبرة الثاني تشير الى إعماله لمبدأ الواجب الاجتماعي، فبدا لي ان ردة فعل طه اختلفت في الحالين، فبينما بادل طه الاول وداً بود حملته كلمته عندما ذكر اسمه في رده على سؤاله، لم يستسغ ــ في تقديري ــ سؤال الثاني بشأن ما إذا كانت هناك طبخة داخلية وإقليمية ودولية لصياغة السودان الجديد، فقد تساءل بقوله لماذا نتهم أنفسنا بأننا لا نملك القدرة لتقديم الحلول لأنفسنا إلا في وجود أيادٍ خارجية، وما أراه أن لدينا القدرة على فعل ذلك على نحو يهزم من يريد تجيير الأمور على نحو يبتعد عن المصلحة الوطنية، وربما السؤال أثار حفيظة طه قياساً لاتفاق نيفاشا 2005م الذي اتهم فيه الوفد السوداني بأنه كان مجرد كومبارس ومحل لاستقبال الاملاءات الخارجية، وقد أثار طه هذه النقطة في موضع آخر من الحديث، وكم هو مدهش وممتع في آن واحد أن تتابع الرسائل غير المعلنة التي تحملها الكلمات من والى المرسل والمستقبل الذي يرد التحية بمثلها أو أكرم منها.

من رؤوس المواضيع التي توقف عندها طه موقف البلاد مما يجري في العزيزة سوريا، مرسلاً صوت عتاب للأجهزة الإعلامية الرسمية، أو ربما للمسؤولين المنوط بهم أمر الملف السوري الذين لا يعلنون عن الدور الذي تقوم به البلاد في هذا الشأن، مؤمناً على أن جانباً من تلك الجهود يجب ان يكون طي الكتمان لضمان نجاح الجهود نفسها، مشيراً إلى ان للسودان اتصالات بكل الاطراف في الشأن السوري، بل ودول الجوار ايضاً.

من القضايا المهمة التي تطرق لها طه هي خلافة البشير، واوضح ان الامر يعود لمؤسسات الحزب وللشعب السوداني، وعلى مرتين قال انها مسؤولية الحزب والقوى السياسية، ولم ادرك ما شأن القوى السياسية بأمر يخص المؤتمر الوطني، إلا إذا كان ثمة اقتراح لترشيح البشير من قبل الأحزاب وأعني المعارضة منها، في سياق توجه الحكومة نحو حوار وطني قومي جامع كما قال، ففي ذات الموضع قال إن من مسؤوليات البشير توسيع دائرة المشاركة سواء في المؤتمر الوطني او القوى السياسية، اما موقفه الشخصي فهو أن الامر موكول لمؤسسات الحزب، وجمع للبشير من المسؤوليات التي تشير لاهمية بقائه وفي نفس الوقت وجوب تقدير إرادته في المغادرة، بقوله إن من مسؤوليات البشير في استكمال المهام الموكلة اليه وفي الوقت نفسه من واجباته تقديم الوجوه الجديدة في الحزب، وخلص إلى ان الامر يحتاج لترتيب.
وما خرجتُ به أن طه موافق على اختيار مرشح جديد للوطني، فاختبرت رأيي لدى بعض رؤساء التحرير في نهاية المؤتمر فأقروا ما ذهبت اليه.

وفي رده عن سؤال يشير للنزاع الدائر في وزارة تنمية الموارد البشرية والعمل بوصفه اضطراباً في دولاب العمل الحكومي، دعا طه للنظر إلى نصف الكوب المملوء بالماء، وهذه إحدى الضمانات التي توضح أن كل شيء بات مطروحاً على الطاولة، وإن كان ذلك أمراً يسوء الدولة، ورغم ان كلا التفسيرين يحتمل الصواب إلا أن وزيرة الموارد البشرية إشراقة سيد محمود عندما سُئلت عن صمتها عن الفساد في وزارتها، قالت في أحد مؤتمراتها الصحفية أخيراً إن جهات عليا طالبتها بالصمت.

طرق طه بوضوح على حتمية العمل على حراسة مصفوفة تنفيذ اتفاقيات سبتمبر الماضي، واكثر من الاشارة الى التواصل بين رئيسي البلدين على نحو بدا كأنه مقدمة لزيارة البشير لجوبا.

أخيراً لا بد من الاشارة إلى أن مجلس الوزراء تلزمه قاعة أكبر للمؤتمرات الصحفية الكبيرة، ففي هذا المؤتمر ضاقت جنبات القاعة بالإعلاميين حتى أن البعض لم يجدوا مقاعد للجلوس عليها.

صحيفة الإنتباهة
ندى محمد أحمد[/JUSTIFY]