رأي ومقالات

تنقيط وزارة الرعاية الاجتماعية

[JUSTIFY]علاقتي بسيارات المرسيدس بدأت منذ نحو ثلاثين عاماً تقريباً، وكانت أول سيارة من نوعها هي “105”، والتي يسميها أخواننا المصريون “الخنزيرة”، فتجاوزت علاقتي بسيارات المرسيدس على وجه الخصوص والألماني عموماً أكثر من علاقة مواطن بسيارة، ومما ساعد على تعميق هذه الصلة، أبناء أخوالي الجوامعة الذين يعملون في هذا المجال بقيادة زعيمهم الأخ صلاح موسى، الذي بدأ من مجرد ميكانيكي يعمل في الرصيف إلى أحد أشهر العاملين في مجال المرسيدس صيانة وقطع غيار وتجارة، وصارت محلاته في المنطقة الصناعية القديمة بجوار السكة حديد مزاراً دائماً، وصرت أعرف أكثر العاملين في هذا المجال.

وقصة هذا المدخل واحدة من حكاوى المنطقة في الثمانينيات، فكانت سيارات الديزل عندما تتم “عمرتها” توجد عملية مهمة اسمها “التنقيط” لا تعمل الماكينة بدونها، وكانت عملية التنقيط هذه صعبة لا يجيدها كثيرون، وكان أشهر المعلمين في ذلك، معلم “عباس” يرحمه الله، والذي تفرغ أواخر أيامه لـ”التنقيط” فقط، ومعلوم عن الميكانيكية أنهم يستخدمون مصطلحاتهم في الحياة العامة، ففي واحدة من المرات شرب أحدهم “جك” ماء كامل، فقال له صاحبه “انت قاطع وش ولا شنو؟”، وفي مرة أخرى وجد أحدهم زميله يأكل سمك، وملأ التربيزة كلها بالشوك، فقال له دي سمكة ولا “كربرايتر”، وإذا أحسن الإنسان منهم صنعة شيء ماء وجودها يقولون له “نقطها”..

فلما أعلن الرئيس الأستاذة مشاعر الدولب وزيرة للرعاية والضمان الاجتماعي في مكان الوزيرة المستقيلة الأستاذة أميرة الفاضل تذكرت لغة أهل المرسيدس، وقلت “الحكومة نقطت” وزارة الرعاية الاجتماعية.

صحيح أن اسم مشاعر الدولب رشح بين الأسماء التي رشحت خلفاً لأميرة لكنني لم أكن أتوقع أن يكون حظها كبيراً، قياساً على السيرة الذاتية للذين رُشحت أسماؤهم معها، ولكن لما ظهر اسمها، وتذكرت ما سمعته عنها عندما تم تعيينها وزيرة للرعاية الاجتماعية في ولاية الخرطوم، تأكدت أنها الأمثل لهذا المقام، وأنها الأقدر على مواصلة مسيرة أميرة، وأوجه الشبه بينهما كثيرة.. أدناها وأظهرها أنهما جاءتا من مكان واحد، وتجربة واحدة أيضاً، وهي وزارة الرعاية في ولاية الخرطوم، وفي عهد الوالي عبد الرحمن الخضر، وولاية الخرطوم هي بحجم الوطن كله، وهمها ومسؤولياتها الاجتماعية أكبر من مسؤولية الوزارة الاتحادية، والوالي عبد الرحمن الخضر يوالي هذا الجانب اهتماماً عظيماً، وما أنجزه في بعض المجالات المهمة مثل التأمين الصحي، ومحاربة الفقر، وتشغيل الخريجين، ودعم الأسر المنتجة يمكن أن يتفوق به على ولايات السودان الأخرى كلها مجتمعة، وهذا بعض أسرار تفوق أميرة في هذه الوزارة، وهو ذاته ما يمكن أن يعين مشاعر على تفوق أكثر.

وما يجمع بين مشاعر وأميرة أنهما سودانيتان “بنات بلد” فضلاً على إسلاميتهما التي تذكرني دائماً بـ”أيام صفانا”، ورغم أن صلتي بمشاعر ليست بعمق ما يجمع بيني وأميرة، ولكن ومنذ أن قدمت نفسها لي أول مرة بعد تعيينها وزيرة في ولاية الخرطوم لحظت فيها الأمرين المهمين “السودانية” الأصيلة، وأصالة الانتماء الإسلامي، وهذان أمران طبيعيان فيها، وهي من أسرة استنشقت عبير الجنة وعبقها مرتين، وهي تقدم الشهيد تلو الشهيد، والذين يعرفون مشاعر يقولون إنها تعيش بقيم وأخلاق أهل الجنة، وهي زاهدة ومتواضعة، والأكثر “عينها مليانة” لا تمدها إلى ما منع الله بها غيرها. وهذه كلها عوامل نجاح مهمة.

وأكثر ما يعينها على النجاح من بعد توفيق الله تعالى، أنها أتت إلى وزارة بيئتها صحية، وأهلها متعاونون ومتفاوتون، وأشهد بذلك من خلال تجربتي اللصيقة، وأتوقع أن يستمر ذات الانسجام الذي كان بين وزير الدولة إبراهيم آدم والوزيرة أميرة مع الوزيرة مشاعر، وأن يواصل السفير الدكتور أحمد التجاني سوار، في دوره المحوري في الوصول والتربيط، وأن تظل أفرع الوزارة وأذرعها على ذات الأداء الراقي والعالي، وفي مقدمتهم الزكاة ومصرف الادخار وصناديق المعاشات والتأمينات الاجتماعية وغيرها.

صحيفة المشهد الآن
جمال عنقرة [/JUSTIFY]