تحقيقات وتقارير

بيوت الخياطة .. القنوات الفضائية أثرت في عمل التفصيل والخياطة بأشياء ليست من عاداتنا وتقاليدنا

ديلك جن تلاتة .. وشوفوا حبيبتي ياتا.. بهاجر ليها حافي أزور بيت الخياطة.. النقرت أجراسن.. أنا قلبي ميراسن.. وحن الزهر ياسن.. وحبيبتي في راسن.. انظر شوف بثينة كمان شوف ديك محاسن».. هذا مقطع أغنية شهيرة تغنى بها عميد الفن السوداني أحمد المصطفى، وبها إشارة «لبيوت الخياطة» التي انتشرت في حقبة من الزمان في تاريخ السودان وكانت تلك البيوتات قِبلة لكثيرٍ من الفتيات من الأسر العريقة، ولكن اندثرت تلك البيوت ولم تبق منها سوى ذكرياتُها مع النسوة اللائي التحقنَ بها.. «الإنتباهة» بحثت عن نسوة درسنَ في مدارس تعليم الخياطة ليحكين لنا عن تجربتهنَّ في هذا المجال..

السيدة سارة فضل المولى من النسوة اللائي درسنَ بمدرسة لتعليم الخياطة، زرناها بمنزلها العامر بحي ود البنا لتحكي لنا عن تجربتها وذكرياتها مع عرض عدد من مشغولاتها اليدوية تحكي قائلة: «أنا أصلاً من قوز برة بت المك، بت خالي حواء الماحي أسَّست مدرسة وكانت هي ناظرتها وكان بها قسم متخصِّص بدراسة الخياطة حيث درسنا به أشكالاً عديدة للخياطة منها «الغرزة، القطبة، الكورشيه، السنارات، الخياطة بالطار، البوربوريه» وأذكر أنَّ المعلمات اللائي قمنَ بتدرسينا منهنَّ الأستاذات ليلى أحمد إبراهيم من عطبرة، وزينب جمعة من أم درمان، وعيشة الجمري من شندي، وكنتُ ماهرة جدًا في عمل «الكورشيه» وكنا نستورد «إبرة البارز» من مصر وهذه لا توجد في السودان.
ولكن الآن القنوات الفضائية أثرت في عمل التفصيل والخياطة بأشياء ليست من عاداتنا وتقاليدنا.
فتحية بلال الخير علي لم تدرس مباشرة في مدرسة لتعليم الخياطة ولكنها اكتسبتها من شقيقتها أمونة التي درست في «بيت الخياطة» بحي العرب تسرد السيدة فتحية ذكرياتها مع تعليم الخياطة: درست بالمدرسة حتى الصف الرابع وتركت مقاعد الدراسة من أجل تعلُّم الخياطة، بدأت بمساعدة شقيقتي في تركيب «الكلوش» بالدبابيس ومن ثمّ تطورت في العمل حتى أصبحت مشهورة في مجال التفصيل والخياطة والآن أقوم بخياطة ملابس المدرسة عن طريق العطاءات كما أقوم بتفصيل فساتين الزفاف للفتيات الصغيرات.
ما بخيِّط «لأي زول»!
السيِّدة سعديَّة عبد الرحمن عبد الرحيم حامد تتلمذت على يد أستاذات كفؤات أذكر منهنَّ آمنة فرح وهاجر عبد الوهاب، بدأت الدراسة بمدينة (سنجة عبدالله) ولكن رجحت كفة الخياطة عندي ومع ذلك لا أقوم بالتفصيل لكل الناس لأني لا أقوم بعملي «مجانًا» وكل الناس «ما بتقيِّم الشغل»، وقديمًا كنت أشتري الكلف من محل «أنيت» بالخرطوم وكنا نقوم بزيارة سينما الخرطوم بحري نادي الزوارق بصحبة أسرتي وبينما الجميع منشغلون بمتابعة الفيلم كنتُ أركز نظري على فستان «بطلة الفيلم» وبمجرد عودتي للمنزل أقوم برسم «باترون» ومن ثَم أقوم بتفصيل فستان مثله. وواصلت دراستي بمدرسة الراهبات وكنا ملتزمين بالحضور والغياب ونرتدي زيًا موحدًا ويوجد بالفصل تربيزة سفرة طويلة عليها أدوات الخياطة ومن الجهة الأمامية سبورة ترسم عليها الأستاذة الخطوات والنمر ومن ثمّ التطبيق عمليًا، وأذكر من أستاذاتي الأستاذة نور موسى من بحري والأستاذة حليمة الطاهر من الكاملين والأستاذة آسيا خضر من ود أرو. والآن على الرغم من تراجع عمل الخياطة إلا أنني مازلت أمارس هوايتي في التفصيل والخياطة والأعمال اليدوية.
مدرسة ست فلة
ومن أشهر المدارس التي كانت تعمل في مجال الخياطة مدرسة السلام لصاحبتها «ست فلة» بمنطقة ودنوباوي، وقد سعيتُ جاهدة في تحصيل معلومات عنها ولكني لم أجد سوى القليل من بعض اللائي درسنَ معها حيث أفادتني الأستاذتان ليلى وبثينة عبد الرحمن إلياس أنهنَّ درسنَ معها وأن مدرستها كانت شاملة ولا تقتصر على تعليم الخياطة فقط وذكرتا من الأستاذات اللائي كن يعملن بالمدرسة الأستاذة «مريم سلامة» وأضافتا أن «ست فلة جرجس» هي من الراهبات ولا يعرفن شيئًا عن أسرتها.
أشهر ماكينات الخياطة
في العام «1790م» سجّل الإنجليزي «إسحق سنجر» براءة اختراع أول آلة خياطة وكانت مصنوعة من الخشب ولكنها تطورت مع تطوَّر الزمن حتى أصبحت بشكلها الحالي وتنوَّعت وتعدَّدت في الاستخدامات. ومن أشهر ماركات ماكينات الخياطة «singr-juki-elnamother» ومنها أشكال وأنواع منها ما هو خاص بالخياطة ومنها ما يختص بالتطريز وكبس الأزرار.وقد كان الشاعر التجاني يوسف بشير يعمل في وظيفة متحصل اقساط في شركة (سنجر) لماكينات الخياطة.

سحر بشير سالم
صحيفة الانتباهة