كمال حنفي .. الراحل المقيم
وما أعجبه في عبارتي – حسبما ذكر – أنها أعادته إلى الذكريات القديمة على أيام صفانا، التي لم تفارق كمال، ولم يفارقها أبداً، وقال لي إنه لما قرأ العبارة، قال في نفسه “يا هو جمال عنقرة ذاتو ما اتغير”، ولقد كانت بيننا كثير من “المجادعات” الفكرية والفكاهية. وهلم جرا.
وأذكر لما اتصل بي الأخ الصديق المخرج شكر الله خلف الله قبل نحو ثلاثة أسابيع تقريباً يدعوني للمشاركة في حلقة على الهواء مباشرة في برنامج “بيننا وبينكم”، تقدمها الرائعة ندى سيد كامل حول العلاقات السودانية المصرية، واستشارني في من يشاركني الحلقة ممن لهم ذكريات وانطباعات وأفكار وأشجان حول العلاقات السودانية المصرية، أطلت عليّ صورة أخي وصديقي الحبيب الراحل المقيم المقداد حسن طنون. ولما لم يكن متيسراً دعوة المقدام من عالم الخلود إلى استديوهات التلفزيون، ذكرت بدون تردد اسم كمال حنفي، ولقد صادف ذلك هوى عند شكر الله، فلم تمض أكثر من ساعة حتى نقل إليّ موافقة كمال التي سعدت بها كثيراً، وكانت قد مرت ثلاث سنين لم أره فيها وجهاً لوجه.
وكمال والمقداد كانا يشكلان ثنائياً نادراً، لم يفترقا أبداً، وكانت لي معهم ذكريات خالدة، وكلها بطعم ونكهة علاقتهما الصافية النقية الودودة البشوشة، والتي لا تخلو أبداً من طرائف وغرائب، وأذكر أنه لما توفيت والدتي لرحمة مولاها قبل نحو ثلاثة عشر عاماً، أتاني مقداد وكمال للعزاء بعد الساعة الواحدة صباحاً، وكان معهما الأخوان محمد ابراهيم نقد، وأبوبكر محمد عبدالعزيز، وكان عزاؤهم بطعم الشهد.
وأكثر ما آلمني يوم رحيل المقداد أن كمال لم يكن في السودان، حيث كان يستشفي خارج البلاد، فلم أعزه فيه، رغم أن غيابه خفف عليّ وطأة العزاء في رجل أعرف مكانه في قلبه ونفسه وروحه معاً، ولم أجرؤ بعد ذلك أن أذهب إلى كمال لتعزيته في فقيدنا المقداد، ولم ألتقه بعدها إلا في حوش التلفزيون في ذاك اللقاء الأخير، الذي يكفيني أنه خرجت منه بموافقة كمال على أن بعض الراحلين لا يموتون ويستحقون قول الراحل المقيم، ولقد سعدت بهذه الموافقة رغم أني لم أدر سبباً لهذه السعادة إلا بعد أن اتصل بي الأخ محمد عبدالرحيم جاويش، ونقل إليّ خبر وفاة كمال حنفي قبل أن يعلم به أحد من الزملاء، وكان ذلك بعد أقل من نصف ساعة من اكتشاف ووفاته. ولعل الذين تابعوا بعضاً من سيرة الرجل يوم أمس، وأمس وأمس الأول مما قاله زملاؤه، وأصدقاؤه، وأحبابه، وأهله، لعلهم أدركوا أن كمال حنفي حي لم يمت، وهو خالد بأعماله وخصاله وأفضاله، وحسن سيرته، وبأبنائه الذين تركهم من بعده يحملون اسمه..
نسأل الله أن يجعلهم خير خلف لخير سلف، ويجعل الجنة مثوى والديهم. “إنا لله وإنا إليه راجعون” .
صحيفة المشهد الآن
جمال عنقرة
[B]عليه رحمة الله ،، كنت من المعجبين بكتاباته الرصينة و الموضوعية في اغلب الاحيان و بفقده تفقد الصحافة السودانية واحدا من اميز كتاب الاعمدة في السودان..[/B]