رأي ومقالات

عائشة سلطان : السيئ والأسوأ عند العرب

المقارنة بين السيئ والأسوأ والوقوع في فخ المقارنة والتفضيل بينهما واحدة من إشكاليات ومآزق الوضع العربي الجديد، فبعض المصريين اليوم يعيشون مرغمين حالة الحنين لأيام الرئيس السابق حسني مبارك، بعد كل ما عاشوه من كوارث ومصائب بعد الثورة وتسلم الإخوان المسلمين مقاليد السلطة، بينما يعيش جزء منهم حالة الوقوع في المقارنة الصادمة التي أفرزت السؤال: هل كان علينا أن نرضى بحكم مستبد تجنباً لفوضى نظام عشوائي فاشل كنظام الإخوان؟ ولو أن الزمان عاد بنا إلى الوراء، أكنا سنختار الرئيس مرسي بعد كل ما رأيناه منه؟ فإن لم نختر مرسي أكان مكتوباً علينا أن نعيد إنتاج حكم مبارك مجدداً في شخص الفريق أحمد شفيق؟ المقارنة غير موضوعية والأسئلة التي تطرحها باطلة لأنها مبنية على نتيجة خاطئة، إن خلط الأوراق لتمييع القضية ليس هو الحل للخروج من الكارثة بأي حال من الأحوال.

في الذهنية كما في الوجدان العربي، يعتبر البكاء على الأطلال ظاهرة محورية وسمة بارزة في الشعر كما في التاريخ والحياة العامة، وهذه أفرزت حالة الـ نوستالجيا أو الحنين المبالغ فيه للماضي، وتصويره باعتباره الفردوس المفقود مقارنة بالوضع الحالي البائس والذي لا شيء فيه يدعو للاطمئنان والبهجة، وحده الماضي كان جميلاً ورائعاً وخيراً، الناس كانوا أفضل حالاً وأخلاقاً بل وأقرب للملائكة، البيوت أكبر والخير أوفر والأخلاق أحسن والنفوس أطهر، وطبعاً الأسعار أرخص والرجال أوفى لزوجاتهم والنساء أكثر طاعة وجمالاً ومهارة، ولأنه يتم تصويره بهذه المثالية فالحنين إليه لا يتوقف بل يصير ملجأ ومتنفساً وعلاجاً نفسياً وتوقاً دائماً، وهنا تبرز نقطة الضعف الخطيرة!!

في الحالة العربية الراهنة، فإن الشعوب (مصر وليبيا وتونس أنموذجاً)، خرجت ثائرة على أنظمتها لأسباب موضوعية لها علاقة بتدهور أوضاعها المعيشية والإنسانية والسياسية والاقتصادية، خرجت باحثة عن استرداد كرامتها وتأكيد حقوقها وخاصة حقها في واقع أفضل ومستقبل أجمل، أما وأن السياقات السياسية والاجتماعية الداخلية والخارجية إضافة لتركة الماضي، قد أسست لواقع مخالف وبعيد عن أحلام الثوار وتطلعاتهم، فهذا لا يعني أن نسقط في فخ المقارنة البائسة بين السيئ والأسوأ، فالقذافي كان طاغية والمليشيات التي تعبث في ليبيا لم تعمل على بناء واقع أفضل، لكن القول بأن أيام القذافي كانت أفضل لأنها كانت أكثر أمناً واستقراراً فغير مقبول أبداً والترويج له إعلامياً توجه خطير ومشبوه!

السوء الذي تتخبط فيه مصر – على سبيل المثال – هو نتيجة طبيعية لخيار الشارع المصري وللعبة الديمقراطية، التي ليست مثالية بالمطلق – إن أردنا أن نكون موضوعيين – فالسياسة في نهايتها معادلة محكومة بالتوافقات والتربيطات والبيع والشراء، وما جاء من جاء إلا عبر هذه الأنفاق والخنادق، وعلى رافعة لم تكن مثالية.

إن نسبة الفقراء والجهل والتغييب والبطالة و… المتفشية في المجتمع المصري لن تنتج رئيساً منتخباً على الطريقة البريطانية أو الأميركية حتماً، فقد جاء من جاء محمولاً على احتياجات الفقراء وبؤس العاطلين وأمية الفلاحين وساكني العشوائيات وأحزمة الفقر التي كان لابد أن تختار من يقايض أصواتها بأسطوانة الغاز ومؤنة المطبخ وثمن وصفة الدواء، هذا هو الواقع الذي مهما تأخر فلابد أن ينفجر يوماً بثورة أو بغير ثورة!!

من يحكم مصر وليبيا والعراق وتونس و… اليوم لم يفاجئ أحداً بفشله، ربما كانت درجة الفشل هي المفاجأة، فلا يوجد مشروع ولا نهضة ولا حتى خطاب سياسي عقلاني.

وفي المقابل، فليس من العقلانية أن يذهب التفكير إلى الوراء متحسراً على أيام نزول الدبابات عند أول مظاهرة أو تجمع.

يحتاج المجتمع العربي لأن يعالج أمراضه قبل أن يفكر بالذهاب إلى منتجعات الاستشفاء على الطريقة الأوروبية!

aisha sultan1 عائشة سلطان | [email]ayya-222@hotmail.com[/email] جريدة الاتحاد