النيل الأزرق وجنوب كردفان وتقاطع الاستراتيجيات
ولما لم يحدث كل ذلك، كان من الطبيعي أن يعود التمرد إلى الولايتين مجدداً، وتقاطعت هنا إستراتيجيات محلية إقليمية ودولية تستهدف النيل من السودان، في إذكاء نار التمرد، رغم أنه في الفترة الانتقالية شهدت الولايتان مشروعات تنموية لم تنجز طوال فترات وحقب الحكم الوطني، وكان يمكن أن تستمر تلك المشروعات، لا سيما بعد أن أكدت القيادة العليا للدولة على إلتزامها بذلك، وصلاً إلى معالجة التخلف التنموي الذي يشكو بسببه أبناء الولايتين بحجة التهميش.
جنوب جديد:- وما أن ترجح خيار الانفصال في الاستفتاء على حق على حق تقرير المصير في جنوب السودان، والذي أجرى في السابع من يناير 2011م، حتى بدأت بعض الدوائر في التحضير لخلق بؤر للتوتر والأزمات داخل السودان، حيث تم تداول مصالح (الجنوب الجديد) الذي جرى تداوله كثيراً على ألسنة قادة ما يسمي بـ(قطاع الشمال) في زياراتهم الماكوكية قبيل الانفصال- إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بغية حشد الدعم والإبقاء على السياسات الأمريكية المعادية للسودان على ما هي عليه، بعد إعلان ((جمهورية جنوب السودان)) كدولة مستقلة، وتحريض الجانب الأمريكي، على عدم الإيفاء بتعهداتهم التي قطعوها على أنفسهم بمساعدة السودان اقتصادياً على الأقل وفاءاً له على تمكين الجنوبيين من التعبير عن اختيارهم الحر في عملية الاستفتاء، وبحرية تامة، بعد ان راجت مخاوف من السودان ربما يحاول عرقلته خشية فقدانه نفط جنوب السودان، وهو ما أثبت الأيام عكسه تماماً، إذ كان السودان أول دولة تعترف بالدولة الجديدة.وزعم قادة قطاع الشمال أن الانفصال ليس نهاية الأزمات في السودان، إذ توجد في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور وغيرها، نفس الأوضاع التي قادت إلى انفصال الجنوب، حسب زعمهم، وعليه يجب الاستمرار في السياسات الغربية التي أدت لظهور دولة جنوب السودان.
قرارات خطيرة:- وفي وقت مبكر جداً، وما أن بدأت تلوح في الأفق مؤشرات انفصال جنوب السودان رسمياً، وخسران الرهان على مشروع السودان الجديد ليحكم السودان كاملاً، حتى بدأت خيوط الإستراتيجية الجديدة تنسج رويداً رويداً، ففي يومي (21 22 مايو 2011) عقد قيادات قطاع الشمال بالحركة الشعبية اجتماعاً في مدينة كاودا، وخرج ذلك الاجتماع بقرارات تصعيدية في غاية الخطورة، حيث تم الإعلان عن إعادة هيكلة الجيش الشعبي (الفرقتان التاسعة والعاشرة بولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان)، وفق عقيدة عسكرية جديدة، والمطالبة بترتيبات أمنية جديدة، بجانب فتح خمسة مكاتب جديدة وتعيين ممثلين بها للقطاع في الخارج، وكانت تلك الإجراءات إلتفافاً على بنود اتفاقيات السلام الشامل، والتي عالجت أوضاع المنطقتين، على المستوي السياسي بالمشورة الشعبية، وعلى المستوي العسكري بإعادة الإدماج ونزع الأسلحة والتسريح.وحدث تواطؤ بين أطراف عدة ضمت الدول الغربية وقيادات نافذة في دولة جنوب السودان وعناصرها يسمي بـ((قطاع الشمال)) من أجل المماطلة والتسويف والإلتفاف لعرقلة إكمال ما تبقي من بنود اتفاقية نيفاشا، وذلك من أجل الإبقاء على البؤور والأزمات في السودان ملتهبة، ولإيجاد الأعذار والمبررات للتدخل في شؤونه الداخلية والإبقاء عليه تحت ضغوط مستمرة وذلك من أجل دفعة لتقديم تنازلات لصالح دولة جنوب السودان حول القضايا العالقة، وأيضاً لصالح الغرب.
ضد الوطن:- وانخرط المتمردون في سلسلة طويلة من الممارسات التحريضية ضد الوطن بغية حشد دول للتدخل العسكري الأجنبي في السودان بحجة وجود انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان.وعمد قادة قطاع الشمال إلي استغلال كافة المناسبات والمنابر من أجل التحريض الرخيص ضد مصالح البلد العليا، من شاكلة ذاك الحديث: الإدعاء بدعم السودان للإرهاب العالمي، إلي وجود علاقات مشبوهة بين السودان إيران ودعم حركات المقاومة وتهريب الأسلحة إليها، بجانب التهويل الإعلامي بالحديث عن وجود تطهير عرقي وإبادة .. الخ، وكارثة إنسانية، كما تم حشد العديد من الشخصيات المعادية للسودان، لتوفير الغطاء الأخلاقي لأي تحرك عدواني تجاه السودان.
صحيفة الوفاق
عبد الرحمن إبراهيم