سوق النسوان بحري .. يا حليلك يا (بت كبوش)
(بت كبوش) في المقدمة..
قبل أن نكتب ونسرد حكايات النساء بذلك السوق لا بد لنا كفرض عين وواجب أن نتوقَّف عند سيرة (بت كبوش)، لها الرحمة والمغفرة، واسمها بالكامل (زينب محمد فضل كبوش)، وهي شيخة سوق بحري، وتُعتبر أول أمرأة تعمل بذلك السوق منذ عهد الإنجليز، حيث وفدت من الولاية الشماليَّة جزيرة بدين في أول بص سفري يأتي إلى ولاية الخرطوم من تلك الجزيرة، حيث كان الناس يسافرون عن طريق اللواري، فجاءت إلى هنا وعملت بسوق النساء وتخصَّصت ببيع البلح وتمرحلت في تجارتها وعملت في بيع المباخر والطواقي والبروش والزجاج الذي يُستعمل لوضع العطور السودانيَّة، ومستلزمات الجرتق، وكانت تجد الكثير من المضايقات من عساكر الإنجليز، لكن ذلك لم يزدها إلا قوة وإصرارًا على مزاولة عملها. كانت امرأة كريمة و(أجوادة) لا تخاف في الحق لومة لائم وذلك بشهادة الجميع ممَّن رافقوها طيلة فترة عملها بالسوق، وافتها المنية في شهر ديسمبر للعام (2012م) لها الرحمة والمغفرة، ومن المتوقَّع أن تأتي ابنتُها لمزاولة ذات المهنة التي كانت تعمل بها والدتُها وذلك في غضون الأيام القادمة.
نوع السلع بسوق النساء
بضاعتهنَّ المعروضة عبارة عن مستلزمات نسائيَّة بحتة وهي (مباخر ونطع) برش يستعمل للدخان، (قلايات، شرقرق) مصفى الجبنة)، (فرامات) (سكاكين بلدية)، (مقاشيش)، (أسلاك دواك) جمع دوكة (مسلات للخياطة والتنجيد)، محافظ (مطابق جلدية صغيرة تُعلّق على الرقبة)، و(النار ولَّعت) وهو عبارة عن إناء يشبه مصفى الجبنة، ولكن (مخرَّم) بكل الجوانب ويستعمل لوضع الفحم في البوتجاز حتى يصبح جمرًا، كما يقمنَ ببيع الزجاج الفارغ وعلب الحلوى الفارغة بغرض استخدامها في وضع العطر والبخور السوداني).
الأسعار في متناول أيدي الجميع حيث لا يبلغ سعر أغلى سلعة العشرين جنيهًا، سعر المقشاشة (2ج)، والشرقرق الكبير (8 ج) والصغير (5ج) والنار ولَّعت (5ج) والمبخر (5ج) والنطع (15ج) والمحفظة (15ج) والزجاج الفارغ حسب الحجم ويتراوح السعر ما بين (3 و5 و8 و10ج).
نسوان السوق..
من داخل سوق النسوان ببحري التقينا ستنا خير الله من كردفان منطقة المنصورة وهي تعمل بهذا السوق منذ (15) عامًا خلت وتعمل ببيع المقاشيش والمفاريك، تحكي ستنا عن قصتها مع سوق النسوان ببحري قائلة: كنا نمارس تجارتنا تلك من داخل دكاكين مصنوعة من الزنك ولكن تمّ تكسيرها ومازلنا في انتظار الوعود بإنشاء دكاكين أخرى، وآتي ببعض البضاعة من بارا وأبوجبيهة، أما المقاشيش فهي تُصنع محليًا، وبالنسبة للربح فهو قليل ولكن نحمد الله عليه، وفيما يتعلق بمشكلات السوق فهي كل ما يخطر على بالك من مشكلات، وأكثر موسم للبيع هو مواسم الأعياد.
الحاجة حرم البدري من مدينة كوستي تعود جذورها للولاية الشمالية تعمل بهذا السوق منذ أكثر من ثلاثين عامًا، تعمل الحاجة حرم ببيع مستلزمات البيت السوداني البسيطة، ورغم إصابتها في قدمها إلا أنَّ إعاقتها لم تمنعها من مزاولة مهنتها، تحكي الحرم عن تجربتها مع سوق بحري فتقول: كنت أقوم ببيع الصبغة الحجريَّة ولم أكن أعلم أنَّها من المواد الممنوعة وعندما جاء العساكر وسألوني عنها لم أكن أعلم أنَّها مضرة بالصحَّة فأشرت إليها وعندما أخبروني بضررها عاهدتهم بعدم بيعها مرة أخرى، وعندما علموا بجهلي بمخاطرها لم يتشدَّدوا معي وتركوني في حالي، ومن يومها وأنا أعمل ببيع هذه المستلزمات البسيطة، وبعد أن تعرَّضت لحادث حركة أُصبت فيه في قدمي وقد نصحني الطبيب المعالج بضرورة الحركة عندما شكا له ود أختي من عدم التزامي بالحركة، وابن أختي هذا يعمل قاضي محكمة عُليا وهو من يقوم بتوصيلي للسوق، وفي نهاية اليوم إما أن يأتي إليَّ وإما أن أستقل ركشة في طريق العودة، وقد قمتُ بتربيته خير تربية هو وإخوته بعد وفاة والدتهم. وأذكر من أوائل النساء اللائي عملنَ به الحاجة زينب بت كبوش وفاطمة كبوش وفهيمة بت العوض والنيّل والجاز عثمان والشول وبدريَّة وشموم بدري وستنا ونفيسة بعضهنَّ انتقلنَ لرحمة مولاهنَّ وبعضهنَّ مازلنَ على قيد الحياة (الله يديهم العافية).. ورسالتي لمعتمد بحري عبر (الإنتباهة) أن يلتفتوا إلى تأهيل سوق النسوان بحري.
الحاجة علويَّة من مدينة عطبرة كانت تعمل ترزيَّة بمصنع الصداقة بحري تركت العمل بالمصنع والتحقت بركب سوق النساء بحري منذ (20) سنة، روت لنا عن المعاناة التي استمرت معهنَّ (7) سنوات منذ تكسير الزنك، لكنها في البداية رفضت الحديث معنا قائلة (فترنا من الكلام مع الصحفيين وبدون فائدة) ثم تراجعت قائلة: أوجِّه صوت نداء للمسؤولين عبر (الإنتباهة)، فسوق النساء بحري في حاجة ماسة للدعم من أجل عودته إلى سيرته الأولى.
الحاجَّة فهيمة تعمل بهذا السوق قرابة الأربعين عامًا، تحكي لنا حاجة فهيمة عن قصة تكسير سوق بحري وعن المعاناة التي تعيشها النساء إثر ذلك القرار الذي وصفته بالجائر، قالت: كنا نعمل في دكاكين مبنيَّة من الزنك وعندما شبَّ حريق لمرتين على التوالي في الدكاكين التي تواجهنا صدر قرار بإعادة بناء تلك الدكاكين بالمواد الثابتة وكان من ضمن القرار تكسير دكاكين الزنك خاصَّتنا حتى يتم إنزال المواد للبناء في مكانها، وبالفعل تم تكسيرها رغم اعتراضنا وصراخنا في وجة العساكر (أدفنونا مكان دكاكينا) لكن لا حياة لمن تنادي. وتم تحويلنا إلى مكان آخر غير مؤهَّل وغير آمن بالمرة حيث تعرضنا فيه للتهديد بالسكاكين من قبل المشرَّدين، وعند عودتنا لمكاننا القديم هذا شيدنا رواكيب من المواد المحليَّة ومازلنا في انتظار وعود المحليَّة وقد بُحَّ صوتُنا وأوراقُنا ما زالت حبيسة الأدراج رغم أنَّنا جأرنا بالشكوى حتى وصلنا بشكوانا هذه إلى السيِّد والي الولاية لكن دون جدوى رغم إقرارهم بتظلمنا. ومن المآسي التي واجهتنا وفاة الحاجة خديجة إثر إصابتها بضربة شمس نتيجة للجلوس تحت أشعَّتها المباشرة وكذلك وفاة الحاجة فاطمة نتيجة لإصابتها بنزيف داخلي حادّ لأنها كانت تقوم بوضع أكياس من النايلون على رأسها وتقوم برشِّها بالمياه مما أثر على الرأس وأدَّى لوفاتها، لذا نناشد المسؤولين الالتفات لمطالبنا بضرورة بناء دكاكين ثابتة بدلاً من هذه الرواكيب.
جلست إليهنَّ: سحر بشير سالم..
صحيفة الانتباهة