[JUSTIFY]
من كرسي المراقب والتحليل أشك في معظم الروايات المضطربة حول مقتل السلطان كوال دينق مجوك ناظر عموم دينكا نقوك بمشائخهم التسع بأبيي الذي قتل فى ظروف غامضة، وإن صدرت اعترافات من بعض قيادة المسيرية، ومصدر الشك والثابت عندي أن الرجل قتل فى منطقة أبيي التى تنشط فيها أجهزة المخابرات وعملاؤها بشتى ضروبها، فالأقرب أن تكون العملية تمت بغدر وتدبير من أجهزة مخابرات محترفة بغض النظر عن جهة وآلية التنفيذ، لكن الواضح وجود ظلال لجهات خفية هى التي دبرت الموضوع وبمهارة عالية جداً، مستفيدة من حالة التوتر والشحن المحتقن بالمنطقة، بجانب أن المنطقة بها قبائل يصعب السيطرة عليها من اية جهة سواء أكانت حكومة او زعامات قبيلة، وقد فعلت المخابرات هذه الفعلة لتحقيق عدة أهداف، منها إفشال حالة التقارب بين دولتي السودان وجنوب السودان، وفي هذا هناك جهات عديدة لها مصلحة، أولها متمردو قطاع الشمال ودارفور الذين طردوا من الجنوب بعد اتفاق المصفوفة، ويديرون الآن عمليات في جنوب كردفان وفي بعض أجزاء من دارفور، وبدأوا في عمل أي نشاط يثير الريبة ويبعث التشكيك بين قيادة وشعبي البلدين، كما أن ما يسمى تحالف الجبهة الثورية لديه جنود وخلايا بالمنطقة وارد يكون تم توظيفها في العملية التي هي بمثابة جر المسيرية والحكومة إلى الفخ الذي يقود لإصدار عقوبة مغلظة من مجلس الأمن الذي تسيطر عليه الدول الكبرى، كما أن قوات اليونسفا نفسها تسهل عملية اختراقها عبر المخابرات الدولية والإسرائيلية على وجه التحديد فى سياق عملياتها النوعية بالمنطقة التي تسعى عبرها إلى تحقيق أغراضها الخفية والمعلنة، وهم يدركون أن الأمير كوال دينق مجوك ليس شخصية عادية، فهو ابن ناظر شهير وقيادي مثقف، وكان حتى عام 2005م قيادياً إسلامياً بالمؤتمر الوطنى، لكنه غير التزامه السياسي وانضم للحركة الشعبية ومنح رتبة فريق فى الجيش الشعبي، وبات يُعتمد عليه من قبل حكومة جنوب السودان فى عدة مهام حول قضية أبيي، كما أن المثير هو اصطحاب قوات اليونسفا له، ولا أدري حتى الآن من الذي كان برفق الآخر، هل اليونسفا كانت برفقة الأمير أم كان هو مرافقاً لها؟ على أية حالة أنهم يدركون أبعاد ومضامين المهمة التي دفع ثمنها الراحل وبعض أفراد من قبيلته من المرافقين له، كما أنها ربما تهدف في المقام الأول إلى إفساد العلاقة بين قيبلتي المسيرية ودينكا نقول التى برهنت على عدم رغبتها فى تطوير الصراع حول أبيي، بل أثبتت أن الطرفين قادرين على تجاوز محطة الخلاف، بشرط أن يبتعد السياسيون وأصحاب الأطماع، ولا أعتقد أن القبيلتين ستقفان عاجزتين عن ذلك. وغموض وأسرار قضية مقتل الناظر كوال دينق مجوك لا يزيحها إلا تقرير شفاف وموضوعي من عدة جهات يظهر حقيقة المواقف بعيداً عن تصريحات بعض الزعماء والبرلمانيين بالخرطوم، والتى تبدو أحياناً غير موضوعية، أولاً بعثة المراقبة للاتحاد الافريقي المرابطة هناك يجب أن يتصدر تقريرها بقية التقارير، ثم يأتي تقرير لجنة الإشراف المشتركة، وأن يتبع ذلك حراك دبلوماسي وشعبي وسياسي بين دولتي السودان والجنوب، لإفشال المخطط الاستخباراتي الرهيب وتغيير حركته وأهدافه، فإن المسيرية لا مصلحة لهم فى الغدر برجل مسلم وتجمعه بهم علاقات صداقة وود كبيرة، كما أن المسيرية بوصفهم قبيلة ذات أصول وموروث معلوم، فإنهم في قتالهم لا يقتلون زعماء القبائل ولا العشائر، ويعتبر ذلك عيباً كبيراً يشان فعله ويلازم فاعله عار كبير، لكن ربما هي حالات تفلت من أفراد ولا يمكن دمغ بقبيلة كاملة بها، وهي نفسها لا تستطيع السيطرة على مجموعاتها. والملاحظ يتبين له ذلك جلياً فى تنوع إرادتهم وتباين ولاءاتهم السياسية، فمازال بعضهم منتمياً للحركات المتمردة، وبعضهم يعتبر نظامياً في ضفوف الحكومة، كما أن الكثيرين يحملون السلاح لحماية أهلهم وأراضيهم وثرواتهم، لأنهم يعيشون في واقع عالمي ومحلي مختلف، وهم محقون فى ذلك، ولا أحد يمنعهم هذا الحق.. وعلى أية حال فإن السؤال: من الذي قتل كوال دينق مجوك يجب أن تجيب عنه الأجهزة المعنية بمراجعة إحداثيات القضية في مساراتها المتعددة.
صحيفة الإنتباهة
فضل الله رابح
[/JUSTIFY]