تحقيقات وتقارير

لماذا كان يبكي أبو قطاطي وهو يتحدث عن ” كرري ” ..!!

[JUSTIFY]يرجع معنى اسم كرري إلى اسم شخص يُدعى (كررابي) ويسكن كرري بحسب (قاموس العامية في السودان لمؤلفه الدكتور عون الشريف قاسم صفحة 829 الطبعة الثالثة)، واشتُهرت سلسلة جبال كرري التي تقع شمال أمدرمان وتمت تسميتها بهذا الاسم نظراً لمعركة كرري التي دارت حولها في شهر سبتمبر من العام (1898م) بين جيوش المهدية والجيش المستعمر واستبسل فيها أبطال السودان وأظهروا شجاعة منقطعة النظير دفاعاً عن الدين والأرض، وألهمت معركة كرري العديد من شعراء السودان فصاغوا كلمات طيبات في حق شهداء كرري البواسل منهم الشاعر محمد أحمد المحجوب والشاعر خلف الله بابكر والشاعر الدكتور عبد الواحد عبد الله يوسف.

أسماء جبال كرري و(قبر الكلب)
لمعرفة المزيد من المعلومات عن جبال كرري والمناطق المحيطة بها التقينا بالشاعر الكبير محمد علي أبوقطاطي والذي يسكن في منطقة (كرري العجيجة) المنطقة التي دارت فيها معركة كرري والتي تقع غرب النيل وقبالة جبل (السوركاب) شمال أم درمان والذي دارت حوله المعركة والموجود حالياً داخل المنطقة العسكرية فقال: هنالك عدة أسماء لجبال كرري فالجبل الذي دارت حوله المعركة يسمى جبل (السوركاب) وهنالك جبل (أبو وليدات) وجبل (سيدي محمد)، وسلسلة جبال كرري ممتدة من منطقة الجزيرة إسلانج ووادي سيدنا وغرب منطقة (قبر الكلب) وهذه المنطقة لها حكاية طريفة تحكي عن وفاء الكلب لصاحبه وتحكي أن هنالك كلبًا شديد الوفاء لصاحبه وفي أحد الأيام رأى ثعبانًا يريد ان يلدغ صاحبه فتصدى له وقاتله حتى لدغه الثعبان ومات الكلب وفاءً لصاحبه فقرر صاحبه أن يكفنه ويدفنه جزاءً له وتمت تسمية المنطقة بـ(قبر الكلب) ، ثم حلة دكين المكاوير (أسرة عثمان ود مكوار وجذورهم من النيل الأزرق) وديم كرري وحلة جار النبي ثم تأتي حلة ود البخيت.

لماذا بكى أبوقطاطي؟ وعندما حكى الشاعر المرهف أبوقطاطي عن معركة كرري كان يغالب دموعه وكأن المعركة أمام عينيه فقال: كل هذه القرى نهض أبناؤها للدفاع عن السودان في معركة كرري والتي استشهد فيها حوالى خمسة عشر ألف شهيد وقد كانوا فرسانًا شجعانًا وقاتلوا جيوش العدو حتى استشهدوا وشجاعة جنود المهدية نالت إعجاب قائد الحملة (كتشنر) والذي قال فيهم (لم يترك لهم سيل النيران المنهمر فرصة للتقدم ولكن عزة أنفسهم أبت عليهم التقهقر) وقال عنهم قائد جيوش الحلفاء مونت كمري: (الجندي السوداني يمتاز بشجاعة الأسد).

أدبيات معركة كرري ولمعرفة القصائد التي كُتبت في معركة كرري استعنا بالبروفيسور عبد الله حمدنا الله عميد كلية الآداب/ جامعة إفريقيا العالمية فقال: معركة كرري ألهمت العديد من شعراء العصر الحديث حيث كتب محمد أحمد المحجوب:
ودع لهو الشباب بين هند وربابْ
واذكروا ماضي البلاد إن للماضي حسابْ
هل شجاكم مرة في كرري ذكرى آباء كرام الأثر
عقدوا العزم على صد الخطر فتوارى جمعهم في الحفر
ومضى الكل وفازوا بالبقاء
أيضاً كتب فيهم الشاعر خلف الله بابكر:
فيك سرغام كم سالت دموعي
بل دم الأبطال سالا
تلك ياسرغام حرب
آه لو كانت سجالا
أنا ياسرغام مهما صُغت من شعري مقالا
عاجز عن القول ولكن إن من عجزي كمالا

أيضاً كتب الشاعر الدكتور عبد الواحد عبد الله يوسف قصيدة الاستقلال الشهيرة التي تغنى بها الفنان محمد وردي وفيها مقطع يتحدث عن معركة كرري فقال:
كرري تحدث عن رجال كلأسود الضارية
خاضوا اللهيب وشتتوا كتل الغزاة الباغية
والنهر يطفح بالضحايا بالدماء القانية
ما لان فرسان لنا بل فرَّ جمع الطاغية
يا إخوتي غنوا لنا اليوم
وأيضاً أنشد محمد وردي:
أشهدوا شهداء كرري
يا أساس الوطنية
يا من كافحتم وناضلتم
أحفادكم نالوا الحرية

كيف تكونت جبال كرري؟ ولمعرفة كيف تكونت جبال كرري حدثنا خبير الجيلوجيا الدكتور علي سيد محمد إبراهيم / الإدارة العامة للمعامل والبحوث والدراسات النفطية بالمؤسسة السودانية للنفط فقال: يرجع تاريخ نشأة رسوبيات منطقة شمال وشمال غرب أم درمان ورسوبيات منطقة جبل أولياء ورسوبيات منطقة جبل أم علي إلى العصر الكريتاسي ويستدل على ذلك بوجود قطع بعض بقايا الأشجار القديمة التي ترسبت مع هذه الصخور في العصر الكريتاسي، والناظر إلى جبال منطقة شمال وشمال غرب أم درمان يرى أنها تتكون من طبقات الصخور الرسوبية التي تتوالى على شكل دورات ترسيبية ناعمة إلى أعلى حيث تترسب طبقات صخور الحجر المدملك (الكنجلومريت والرصيص الرسوبي) والحجر الرملي (أي الرسوبيات الخشنة) في أسفل الدورة الترسيبية ثم اختتمت هذه الدورات الترسيبية بترسيب طبقات الحجر الطيني والطفل (أي السحنات الناعمة).

تنتمي رسوبيات منطقة شمال وشمال غرب أم درمان ورسوبيات منطقة جبل أولياء ورسوبيات منطقة جبل أم علي إلى مكون الحجر الرملي النوبي الذي ترسب في العصر الكريتاسي.يدل التتابع الترسيبي أعلاه (أي دورات ترسيبية ناعمة إلى أعلى على أن هذه الصخور ترسبت بواسطة قنوات النهر المتشعب والمتعرج.

شكل حوض نهر النيل قديمًا: ويضيف د. علي: كان شكل حوض نهر النيل في العصور الجيولوجية القديمة أي في العصر الجوراسي عندما كانت قارة إفريقيا وأمريكا اللاتينية كتلة واحدة لم تنفصل عن بعضها لم يكن شكل الحوض كما نراه اليوم حيث كان حوض نهر النيل عبارة عن بحيرات متقطعة ومفصولة عن بعضها البعض وفيما بعد اتصلت ببعضها نتيجة للأحداث التكتونية التي أدت إلى تكوين الأخاديد والصدوع التي بدورها أدت لتكوين حوض نهر النيل بشكله الحالي مما تسبَّب في جريان نهر النيل من الجنوب إلى الشمال. والناظر إلى مسار مجرى نهر النيل يرى أنه يزحف على مر العصور من مجراه تارة ناحية الشرق وتارة ناحية الغرب، حيث نرى في منطقة المرخيات أن مجرى النيل قد زحف إلى اتجاه الشرق تاركًا رسوبيات قنواته على الناحية الشمالية الغربية لأم درمان (المرخيات) والناحية الشمالية (كرري) لأم درمان.

صحيفة الإنتباهة
هالة نصر الله[/JUSTIFY]