تحقيقات وتقارير

مكفوفون سودانيون يجيدون الطبخ والنجارة وصنع الشباشب والفخار

ظلت المهن اليدوية دومًا مخرجًا آمنًا لمعظم الناس الذين يبحثون عن دخل آمن ولا يحتاج إلى قسط عالٍ من التعليم وهذا ما انتهجه مركز تعليم المكفوفين ليعطي كل واحد صنعة تقيه شر الحاجة.. «الإنتباهة» التقت عددًا منهم ووجدت اتقانًا عاليًا وعملاً لا يشكو الخلل..
«زبيدة» من البنات المكفوفات، وبالرغم من ذلك فهي تجيد النسيج بالسعف وتشكله الى مكانس ومصالي وبروش ونطع منذ أن كانت صغيرة فكانت النسوة في حيّها يتبضعنَ منها وتعمل القطعة بعد أن تطلبها منها واحدة فهي لا تملك رأس مال لتصنع كمية تكون جاهزة ولهذا يُدفع لها مقدمًا، وفي الفترة الأخيرة اصبحت تجيد صنع الشيالات التي تُقدم فيها الحلويات والخبائز، وقد تعلمتها في مركز المكفوفين وأيضًا تعلم مثيلاتها صنعة النسيج، اضافة الى ذلك تتعلم الآن كيفية صنع الخبائز والحلويات، فهي تعمل باجتهاد ومثابرة حتى تتقن كل ما تقوم به اي فتاة مبصرة.
وينافس زبيدة زميلها عبد الله سليمان الذي يصنع الشباشب والشنط منذ عشرين عامًا فهو قد أصبح مثل أي مبصر في مهارته واتقانه فخلال ساعات يصنع لك حذاء دون ان يرتكب اي خطأ ولو كان صغيرًا حتى تحسبه يرى من دقته في القطع والخياطة واللصق، حيث قال: الحمد لله من السنين الكتيرة الواحد اكتسب خبرة في مجال الصناعات اليدوية فأنا الآن استطيع ان اصنع اجود الشنط والشباشب حتى انها تنافس المستورد وقد تعلمت من مدرسة الحياة، لم يكن في زمننا اماكن لتدريب المكفوفين مثل الآن، وانا بخبرتي اعلم الآن اي شخص يطلب ذلك سواء كان مبصرًا اوكفيفًا، واثناء حديثنا ذلك كان محمد بجواره يصنع اول شبشب له فقال: كنت سابقًا ابيع واشتري في السوق ولكن الفائدة ضعيفة.
وجلس محمد يصنع من الفخار اشكالاً ومزهريات فقال: أهم شيء ان الكفيف يعرف متى يستخدم الادوات، فأنا اشعر بالشكل الذي اعمل عليه، واذا طلب شخص ما شكلاً معينًا يصفه لي وانا احفظ الوصف جيدًا، نحن ربنا اخذ منا شيئًا واعطانا شيئًا آخر والكثير من الناس يندهشون عندما اصنع لهم الشكل مثل الذي يريدونه حتى انه في مرة طلب مني صديقي ان اصنع له شكلاً وهو صعب، وعندما صنعته اندهش وقال لي والله انت شكلك بتشوف وبتستهبل علينا ساكت!
وفي مجال آخر وجدنا عبد الله عبد الرحيم المكفوف النجار فقال: مهنة النجارة مهنة جميلة وممتعة في نفس الوقت، احببتها من عمي الذي كنت دائمًا وأنا صغير أجلس معه في ورشته ولا أتوقف عن طرح الأسئلة وكثيرًا ما كان يطردني منها ويقول انت كلامك كتير وما بتخليني اشوف شغلي وكنت وقتها احاول ان اتعلم كيف امسك المنشار واضرب المسمار في مكانه الصحيح، وهو لاحظ دقتي فبدأ يطلب مني ان اساعده في بعض الأشياء الصغيرة مثل ان اصلح رجل طربيزة اوكرسي حتى شربت الصنعة وذاع صيتي ووجدت ثقة من سكان الحي في شغلي، وبعدها انطلقت في عالم النجارة، واضاف ان عمله افضل من عمل اي نجار مبصر فهو يعتمد على اللمس والتحسس وهي ميزة في اكتشاف اي طالع نازل اوفتحات ما زي المبصر الذي يعتمد على نظره ولا يكلف نفسة عناء التفتيش الدقيق، وقال: اصحاب الورش لا يثقون في المكفوفين ويخافون عليهم اكثر من اللازم وفي بعض الاحيان يخافون على سمعة ورشهم ولكن المكفوف احرص الناس على نفسه فأنا وخلال خمسة عشر عامًا من العمل في النجارة لم اصب نفسي ولو بي شاكوش، والمكفوف يعمل بإخلاص ودقة عالية عكس المبصر الذي يستهتر في بعض الاحيان ويخطئ ولا يحاسبه احد ولكن اذا الكفيف غلط غلطة صغيرة تقوم الدنيا وما تقعد وفي بعض الأحيان يُطرد من الورشة والناس ايضًا سلبيون فكثيرٌ منهم اذا وجد عمله يقوم به كفيف يحتج على صاحب الورشة دون ان ينتظر ان يرى بنفسه.
وسلمى وهي طاهية ممتازة قالت كنت ولوقت قريب لا أعرف اي شيء عن الطبخ ولكن اجتهدت حتى تعلمت، عانيت في البداية ولكن اتقنته في النهاية فأنا اعمل كل انواع الاكل من الشعبية مثل العصيدة والقراصة والكسرة بالتقيلة وحتى الاكلات الحديثة ولي نفس جيد في الطبيخ واشعر واتذوق جيدًا يكون الاكل الذي اصنعه في غاية الطعامة حتى ان اخي الاكبر الذي لا يسكن معنا في البيت اصبح يترك منزله ويحضر ليأكل معنا ولو اراد ان يقيم وليمة يستعين بي بدل من زوجته فحتى اصدقاؤه اصبحوا يعرفون اكلي والآن اقوم بتلبية بعض مناسبات الجيران.

كتب: صديق علي
صحيفة الانتباهة