تحقيقات وتقارير

رفع الدعم.. هل بات قريباً..!!

[JUSTIFY]نحن بندعم المحروقات والدقيق والقمح والكهرباء، وقد بلغ الدعم المباشر وغير المباشر لهذه السلع والخدمات 14 ملياراً بالجديد ما يعادل 14 تريليون، فى حين أن جملة الميزانية 25 ملياراً، يعني نصف الميزانية ماشه دعم لسلع مباشرة وغير مباشرة، والدعم غير المباشر استفاد منه أصحاب القدرات والإمكانات”… ما سبق ذكره ورد في خطاب رئيس الجمهورية المشير عمر البشير الأخير لدى مخاطبته فعاليات مؤتمر الشورى لحزب المؤتمر الوطني… وتسربت انباء بان الجهات المختصة ستذهب في استراتيجية رفع الدعم عن المحروقات التي بدأها وزير المالية في العام الماضي.
بعدها وبفترة ليست بالبعيدة عقد القطاع الاقتصادي للمؤتمر الوطني الأسبوع الماضي اجتماعاً موسعاً أحيط بسياج من السرية برئاسة رئيس القطاع د. صابر محمد الحسن وبمشاركة وزراء المالية والنفط وضم عدداً من الخبراء الاقتصاديين، ناقش تداعيات أزمة إغلاق أنبوب نفط دولة الجنوب على الاقتصاد السوداني، ووفقاً لصحيفة (سودان تربيون) أن مصدر مطلع كشف أن المؤتمر الوطني في ذات الاجتماع وافق على زيادة سعر البنزين والجازولين، على أن تطبق الزيادات في الأيام المقبلة، وأنها ستطال أولاً أسعار البنزين ثم تشمل الجازولين تدريجياً، ومضى ذات المصدر إلى أن نائب رئيس الجمهورية الحاج آدم يوسف خلال لقاء حزبي أكد على ضرورة زيادة أسعار المحروقات لتوفير موارد لحل الأزمة الاقتصادية، وفي الضفة الأخرى طالب نواب البرلمان في السادس من يونيو الجاري الحكومة بالإسراع في رفع الدعم تدريجياً عن السكر والمحروقات للسيطرة على السوق وإلا سيظل غولاً فاتحاً فاه ليبلع كل ما يتخذ في سبيل تخفيف المعاناة ومحاصرة الترهل والاستمرار في ترشيد الإنفاق الحكومي، ذات النواب اتخذوا موقفاً واحداً مع الحكومة، وجاراهم في ذات السياق وزير المالية الذي قال في ذات التاريخ (إن مكافحة التهريب لن تتم إلا برفع الدعم عن السلع الاستراتيجية، السكر والمحروقات) من خلال حديث مسؤولي الحزب الحاكم يتبن أنهم باتوا شبه مجمعين لاتخاذ القرار الحاسم في الأيام القليلة القادمة.
قرار صعب
دوافع القرار تعزيها الحكومة إلى عدم ذهاب الدعم للطبقات الفقيرة لاسيما البنزين الذي بحسب الرئيس يذهب لأصحاب السيارات الخاصة كما أن انخفاض الأسعار للسلع المدعومة يترتب عليه انخفاض أسعارها بأقل من الأسعار العالمية خاصة مقارنتها بالدول المجاورة مما يشجع على تهريب تلك السلع نظراً لانخفاض الأسعار بالسودان وارتفاعها بالبلدان المجاورة خصوصاً دول “تشاد افريقيا الوسطى، جنوب السودان وارتريا”، كما تتعلل الحكومة بأن الدعم ينهك خزينة الدولة التي تراجعت إيراداتها مؤخراً بعد انفصال الجنوب وتعثر عبور نفط الجنوب بالمنشآت السودانية وغياب مصادر بديلة للإيرادات، لكن في المقابل يرى مراقبون أن خطوة رفع الدعم تمثل قراراً انتحارياً للحكومة وربما يثير غضبة المواطنين اسوة بما حدث في مثل هذه الأيام من العام الماضي في شهري يونيو ويوليو من تنامي احتجاجات المواطنين ضد زيادة أسعار السلع بل يستبعد الكثير من المراقبين أي دعم من الدولة إلى السلع لاسيما الوقود، فقد قال البعض إن الدولة لم تدعم السلع، واشاروا لحديث مسؤولي الحكومة أيام الانفصال عن كمية البترول السوداني المنتجة من حقول الشمال بعد انفصال الجنوب التي تبلغ 118 ألف برميل وأن جملة الاستهلاك 115 ألف برميل مما يعني توفير 3 آلاف برميل فائض للتصدير ويستطرد ما تدعمه الحكومة يتمثل فقط فى تكلفة الإنتاج، وبذات القدر يرى البعض أن إنتاج مصانع شركة السكر السودانية التى تشمل “الجنيد وعسلاية وخشم القربة وسنار” بجانب نصيب الحكومة من إنتاج كنانة كافية لتغطية احتياجات المواطنين دون دعم… وان المحروقات تدخل في النشاطات الإنتاجية في السودان لاسيما الزراعة والصناعة فأي زيادة في أسعارها ستنعكس على كل أوجه النشاط الإنتاجي بدءاً من تعرفة المواصلات ووقود الوابورات لزراعة الري والمصانع.
محاربة التهريب
في التاسع عشر من مايو الماضي لفت مساعد رئيس الجمهورية عبدالرحمن الصادق المهدي في صالون الراحل سيد احمد خليفة انتباه الحضور عندما رمى بسؤال مباشر للحاضرين طالباً منهم إيجاد مخرج لإيقاف تهريب السلع مشيراً إلى أنه أبلغ عن شكوى من قبل وزير المالية تختص بتهريب السلع إلى الجنوب والدول المجاورة وصعوبة ضبط الحدود واستطرد قائلاً “من الصعوبة ضبط حدودنا مع سبع دول مجاورة بطول 14 ألف كيلومتر لاسيما دول تشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان” فى وقت عجز المراقبون عن ضبط الحدود بين غزة ومصر التي تبلغ فقط 14 كيلو متراً، ومضى قائلاً “عندنا سلع تباع بأقل من سعرها وربما بربع سعرها في تشاد وإفريقيا الوسطى”، واعتبر أن دعم السلع من قبل الدولة تستفيد منه البلدان المجاورة التي تهرب لها تلك السلع عبر تطويع المهربين إلى البيئة ووسائل النقل لتتماشى مع نشاطهم وعلى إثر ذلك يتم تعديل الموتر كوسيلة نقل لتحمل 2 برميل من الوقود بدلاً عن واحد، ويختتم المهدي حديثه قائلاً “كده فكروا لينا وساعدونا نعمل شنو؟ ماقادرين نوقف التهريب؟”.
إقرار المهدي أعلاه يمثل شاهد عيان لصعوبة موقف الحكومة في مواجهة نشاط التهريب إلا أن البعض يرى أن في حالة زيادة تلك الأسعار ستكون لها تداعيات بالغة على معيشة المواطن خاصة وأن الفترة تشهد بداية افتتاح المدارس وشهر رمضان، ورغم أن السياسات الاقتصادية للاستقرار المعيشي تتلخص في آليتين إما دعم السلع أو زيادة الأجور فالأولى أعلنت الدولة أنها تريد التخلص منها وتحوليها للبند الثاني وهو العمل على زيارة الأجور وعلى الرغم من الوعود المتكررة إلا أن تلك الزيادات لم تنفذ حتى الآن، وفي ذات الوقت يرمى المشفقون على حال المواطن وينصحون الدولة باتباع آليات بديلة لرفع الدعم كخفض المصروفات وزيادة الإنتاج وفرض ضرائب جديدة على بعض السلع الهامشية وسلع الرفاهية التى تستورد من الخارج ومحاصرة مهربي السلع وتشديد الرقابة عليهم بدلاً عن رفع الدعم عن المحروقات.
ما أن تتردد عبارات رفع الدعم إلا ويحل التفكير في معاناة الحكومة من أزمة مالية وقد حذر الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق عبدالله حسن أحمد الحكومة من مغبة رفع الدعم عن المحروقات في الوقت الراهن، وقال إن التوقيت غير مناسب لذلك، مشيراً إلى أن الخطوة ستقود لموجة غلاء طاحنة في أسعار السلع الاستهلاكية، داعياً الحكومة إلى الاتجاه لبدائل أخرى لمعالجة الأزمة المالية التي تعاني منها وفقاً لحديث أدلى به لصحيفة آخر لحظة الأسبوع المنصرم وتوقع أحمد ردة فعل ومقاومة عنيفة للقرار حال صدوره من قبل المستهلكين ونقابات العمال وكافة التجمعات الأخرى.
ابتكارات جديدة
مما لا شك فيه أن إلغاء الدعم يترتب عليه ارتفاع جديد في أسعار السلع لارتباطها المباشر بتكلفتها بيد أن الموقف الراهن والأزمة الاقتصادية التي يمر بها السودان شكلت ضغوطاً عالية تجاه “قفة الملاح” للمواطن السوداني ومنذ انفصال الجنوب وتارجح علاقات السودان مداً وجزراً تصاعد النشاط التجاري غير الرسمي على طول الحدود بين الشمال والجنوب وتعد التجارة النشاط الأكثر ربحية لاسيما وتعتبر مدن الأبيض والضعين ونيالا والجنينة وسنار أكثر الولايات التي تنطلق منها الشاحنات التجارية لدولة الجنوب ووفقاً لحديث لرئيس الغرفة التجارية بشرق دارفور الزبير ميرغني لـ(السوداني) أنه وبعد فتح الحدود التجارية مع الجنوب فإن حوالي 30 شاحنة تنطلق يومياً من الضعين إلى أسواق قوق مشار وأويل وراجا وحتى واو بدولة الجنوب بينما تتحرك أكثر من 1500 طن من الأبيض إلى ولاية الوحدة وأعالى النيل تجاه أسواق واراب وفيارينق تلك التجارة خاصة مع دولة الجنوب تمتاز بعدم الاستمرارية بل ظلت على رمال متحركة فتتغير وفقاً لعلاقة الحكومتين وحال ساءت العلاقات فإن البديل لتلك التجارة هو تنامي نشاط المهربين عبر طرق وعرة بدوافع الحصول على الأرباح العالية فيسلك المهربون طرق مختلفه ويبتكرون أساليب جديدة وقد ورد في المركز السوداني للخدمات الصحفية أن ولاية جنوب كردفان اتخذت التدابير الخاصة بقفل الحدود أمام التجارة مع دولة جنوب السودان تنفيذاً للقرارات الرئاسية المتعلقة بوقف اتفاق التعاون المشترك وقد أوقفت السلطات ما يعرف بتجارة (السنبك) التي ينشط فيها عدد من المواطنين في مناطق أبوجبيهة ورشاد والريف الشمالي والغربي لكادقلي، وفقاً لقانون الطوارئ لكن يرى مراقبون أن القرار حتى وإن اتخذته الحكومة فإنه لايوقف نشاط التهريب نظراً لتنامى ذات الربحية بشكل آخر وارتفاعها فى ذات البلدان واستيراد سلع من ذات البلدان تغطى الربح المفقود كما الزيادة ربما تترتب عليها آثار تضخمية تنعكس على القوة الشرائية للعملة الوطنية وتستمر الازمة.
عبور الحدود
فيما يقول تاجر من العاملين بالتجارة الحدودية بين الجنينة وأبشى التشادية إن تجارتهم لم تتوقف طوال استمرار الازمة بإقليم دارفور رغم أنها تشهد فترات متقطعه مشيراً إلى أن الحكومة تمنع رسمياً تجارة الوقود وينحصر نشاطهم فى تجارة الادوية البيطرية والسكر، ويضيف لـ(السوداني) أن الشاحنات تتحرك من الجنينة مروراً بتندلتي ووادي اسونقا حتى ابشى التشادية التي يلتقي فيها التجار السودانيون برصفائهم التشاديين للتبادل والبيع فتعقد الصفقات بالعملتين وبعض العملات الاجنبية مشيراً إلى أن جوال السكر يبلغ سعره بالجنينة 300 جنيه ويباع بابشى بما يعادل 500 جنيه سوداني وينطبق ذلك على بقية السلع خاصة الادوية البيطرية مبيناً انهم كتجار يحصلون احياناً على تصديقات من المحلية عبر سلطات حكومية تحرر فيه فاتورة جمركية لكل سلعة وتبلغ الرسوم الجمركية لكرتونة الادوية بـ5 جنيهات و2 جنيه لجوال السكر كما ان الجنينة وابشى تعدان نقطتين جمركيتين على البلدين كما يقوم بعض التجار بشراء بعض العطور والكريمات الواردة من غرب افريقيا ويصلون بها الى السودان ليحصلون على ارباح مضاعفه.
من الجنينة غرباً الى كسلاً شرقاً هى المدينه الاخرى التى تنشط فيها تجارة تهريب الوقود الى ارتريا بل هناك طور المهربون اليآتهم فى مواجهة اجهزة الدولة الرسمية ويعتمدون على “الكروزرات” ذات الدفع الرباعى كوسيله لنشاطهم.

صحيفة السوداني
محمد حمدان[/JUSTIFY]