صورة دولة الجنوب في الذكرى الثانية ..
ومع مرور الذكرى الثانية أمس، تشهد دولة جنوب السودان أسوأ حالاتها، فبجانب الانهيار الاقتصادي وغياب التنمية والخدمات وفشل حكومة الحركة الشعبيَّة في تحقيق أدنى معدَّلات النجاح في أي مجال من المجالات، والتدهور الأمني والحروبات القبليَّة في عدة ولايات وانعدام الأمن والحريات والفساد المستشري والإخفاق في كبْح جماحه، وقلة فاعلية الأداء الحكومي ونقصان الخبرة وتزايد النقمة علي سلطة الرئيس سلفا كير، وحالة الانقسام الحادّ والخلافات داخل الحركة الشعبية الحاكمة والتراشق بالاتهامات وحالات التوقيف وتوجيه التهم وتشكيل لجان التحقيق حول فساد الوزراء وكبار المسؤولين.. فإن أيَّ نظرة فاحصة للأوضاع في الجنوب تشير إلى أن الوضع صار أقرب للمواجهة والصدام إن لم يكن أي شيء آخر يُزيح أو يُضعف السلطة القابضة..
وتُشير التقارير الرسمية الغربية وما يرصده الصحافيون والدبلوماسيون من دول أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وجنوب إفريقيا وكينيا وأوغندا وأسترليا، إلى أنَّ برميل البارود في طريقه للانفجار في أي لحظة، خاصة بعد صدور قرارات مهمَّة من رئيس الدولة سلفا كير بعزل وزراء ومسؤولين وحكام ولايات، ومحاولاته السيطرة على أوضاع منفلتة أصلاً باتت خارج السيطرة الفعليَّة، مع نفوق الآمال في بناء سلطة مدنيَّة قادرة على فعل شيءٍ ما من تطلُّعات المواطن الجنوبي الذي اختار بأغلبية ساحقة الانفصال عن السودان البلد الأم…
تُثار اليوم أسئلة عميقة في جوبا وبقيَّة مدن الجنوب، عن جدوى بقاء الحركة الشعبيَّة في الحكم بعد تجربة العامين السابقين، وقد أعطيا مؤشرات واضحة عن غياب الرؤية لبناء وطن ومؤسَّسات دولة وإنهاء حالة التخلُّف التنموي والأمني والسياسي والخدمي..
وأعلنت القوى السياسيَّة الجنوبيَّة وعددٌ من قيادات الحركة الشعبية نفسها، عن مخاوف حقيقية ورغبة كاملة في التغيير وضرورة ذهاب الحكومة الحالية لتأتي قيادة جديدة تستطيع قيادة البلاد إلى مربع آخر وأفضل، وبلغت حدة الانتقادات ذروتها بما صدر عن نائب رئيس الدولة المقلَّص الصلاحيات د. رياك مشار وما يكتبه، ثم ترافق معه مقال وأحاديث للأمين العام للحركة الشعبية بقان أموم الذي يجري التحقيق معه في تهم فساد، انتقدا فيها سلفا كير وطالبا بضرورة ذهابه وتنحِّيه عن السلطة.. فضلاً عن أراء كثيرة تجد من يسمعها اليوم في دولة الجنوب..
في مقابل ذلك يُحمِّل الكثيرون من مواطني الدولة الجديدة، حكومة الحركة الشعبيَّة، الفشل ويضعون توتر العلاقات مع السودان ومعاداته ودعم معارضيه المسلَّحين، أكبر مظاهر الإخفاق لحكومة سلفا كير، لأنَّ كلفة هذا العداء والمغامرة غير المحسوبة، كانت كبيرة للغاية وأهمها توقف إنتاج النفط الجنوبي عبر السودان وتوقف الاستفادة من عائداته وهي تمثل «98%» من موارد وميزانية الدولة، مما يعني أن خطل السياسة وتوجُّهاتها والتدخل في شؤون السُّودان الداخلية وتغذية الصراعات فيه قد انعكس على الوضع في الجنوب أكثر من كونه كان ذا أثر على السودان…
في مقابل ذلك تسعى بعض الدوائر الأمريكية والأوربية المساندة للحركة الشعبية، والتي وُلدت هي نفسها ــ أي الحركة ــ من رحمها، إلى العمل الدؤوب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من السفينة المحترقة والغارقة، فقد تحرَّكت مجموعات بقيادة روجر ونتر وإريك ريفس وجون برندرقاست وتيد داقني، لرأب صدوع الحركة الشعبيَّة ومحاولة منع التداعي والانهيار الوشيك لسلطة الحركة الشعبيَّة وحكمها في دولة الجنوب، وتنتاب هذه الدوائر خشية موت الطفل الرضيع الذي خرج من أحشائهم ورعوه في كل أطواره جنيناً ومولوداً ورضيعًا..
وقد لا تبدو الصورة للوضع في الجنوب معقدة أو غامضة لكنها في كل الأحوال تشير إلى حقيقة حتمية أن هناك تحولاً ما سيجري في الجنوب طال الزمن القادم أم قصر!
صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]