رأي ومقالات

إني مُباهٍ بِكمُ الأُمم!

(وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيراً) سورة الإسراء-الآية (31)

أشارت أرقام رسمية في تقرير بثته بالأمس إحدى المحطات الأجنبية إلى إنحسار مُخيف في عدد السُكان وتراجع معدلات نسب المواليد في إسبانيا إلى درجة الخوف من إنقراض السُلالة الأسبانية إذا لم يتم تلافي هذه الظاهرة، فقد أدت إستراتيجية إسبانيا وبعض الدول الغربية إلى تراجع عدد المواليد وتقلص عدد السُكان عن الحد اللازم للتنمية في تلك الدول، فقد أظهر التقرير أن معدلات المواليد الجدد في اسبانيا إنحسرت بنسبة اثنين في المئة في عام 2010 مقارنة بالعام الذي سبقه لتستقر عند ادنى مستوى لها (بمعدل طفل واحد تقريبا لكل أسرة إسبانية)، و أوضحت الدراسة التي أشرف عليها (مانويل بمينتيل، وزير سابق في التشغيل، ورفاييل بوجول عميد جامعة كومبلتنسي بالعاصمة مدريد، وجوزيب أوليفر أستاذ الاقتصاد الشهير في جامعة برشلونة) أن أسبانيا بحاجة لملايين المهاجرين خلال العشر سنوات المقبلة ليمدوا سواعدهم فى عملية التنمية! و كذلك ألمح التقرير أن الدانمارك تُعاني مِن الإنخفاض المتزايد في معدلات المواليد، حتى أنها إتخذت إستراتيجية مُضادة وبدأت تقدم تسهيلات وإغراءات على أمل تشجيع الآباء والأمهات لإنجاب المزيد من الاطفال!

إعتمدت هذه الدول فى إستراتيجيتها بتخفيض معدلات المواليد على بعض الأبحاث العلمية التى برزت في مطلع القرن العشرين التي ربطت النمو السكاني بالزيادة في كثرة استهلاك الموارد مما يشكل خطر على النظام البيئي على سطح الأرض، حيثُ إرتفع عدد السكان إلى 7 مليارات نسمة في نهاية القرن الماضي، و دفع الخوف بعض الدول المتقدمة من تفاقم عدد سُكانها عن العدد الذي يفوق مواردها فتعجز عن تلبية إحتياجاتهم الأساسية إلى اللجوء لإستراتيجية بعيدة المدى للتحكم بتزايد عدد السكان وذلك بإتخاذ إجراءات غير مباشرة برفع الدعم عن مستشفيات الولادة و إقصاء أقسام النساء والتوليد من مظلة التأمين الصحي وفرض ضرائب باهظة على إحتياجات الأطفال من حفاظات ولعب وحليب وغيره ومن ثم إرتفاع تكلفة الحضانات التي تستوعب الأطفال تحت سن الثالثة، فأصبحت الأسر تكتفي بطفل واحد بل وتؤجل مشروع إنجاب الطفل الواحد إلى أن تؤمن له المال اللازم لسد إحتياجاته.

الثروة البشرية سِلاح ذو حدين و عنصر مرِن قابل للتطويع والقولبة، فالتخويف والترهيب الشديد من نضوب الثروات هو وهم كبير لأن الخلل الحقيقي يكمن في سوء استخدام وتوظيف الثروات والكنوز التي تفيض بها الطبيعة المعطاءة، وسوء التخطيط والإستثمار للموارد البشرية هو ما يحولها الى نغمة وحسرة، فالرزق بيد الله وقد تكفل به و يسر طريقه وجعله مستطاعاً وأعطى الإنسان أدواته ولم يستعصِ الرزقُ إلا بعد أن تدخلت أهواء البشر ومطامعهم وظهرت عمليات الاحتكار والاحتجاز التفرقة والاستغلال، فلا يُترك للضعفاء والفقراء ما يطعمهم أو يقوتهم- هذه هي الأزمة الحقيقية- فالعنصر الشري معرض لكثير مِن الأخطار التي تُهدد وجوده وقد تتسبب الكثير من الظروف فى إنحسار عدد السكان، مثل الكوارث الطبيعية التي تأتي في المرتبة الثانية كمسبب لتقليل أعداد البشر، تليها الأوبئة والأمراض فى المرتبة الثالثة وتتصدر الحروب بأنواعها قائمة أعظم أسباب إستهلاك العنصر البشري، تِلك الحرُب التي تدور بين الدول والحروب الأهلية و النزاعات القبلية التي يقع ضحيتها ملايين البشر في كل أنحاء العالم حيث تشير إحصائية أن ضحايا الحرب الأهلية التي درات فى السودان مابين الأعوام 1955 و حتى 1972 ما يقارب 1.9 مليون من المدنيين (فقط دون العسكريين من الطرفين)، ويعد عدد الضحايا المدنيين لهذه الحرب أحد أعلى النسب في أي حرب منذ الحرب العالمية الثانية!

لا شك أن العنصر البشري من أعم عوامل القوة وأدوات التميز والتقدم في الدول والمجتمعات، فهي القوى التي تدافع وتزرع وتصنع وهي العقول التي تخطط وتدبر وتنفذ وتبني وتعمر، فالموارد البشرية هي ثروة حقيقية إذا ما تمّ التعامل معها بتخطيط واعي للإستفادة القصوى مِن طاقة البشر الهائلة وإستثمار مقدراتهم وتوظيفها دون التعامل مع أعداد السُكان المتزايد على أنه أمر سلبي فسيأتي يوم قريب تنقلب فيه موازين التحكم والنفوذ فيكون فيه العامل البشري هو القوة المسيطرة على العالم بدلاً عن البترول والطاقة والمعادن النفيسة خاصةً مع إنحسار عدد السُكان فى الغرب بشكل ملحوظ في مؤشر خطير لإنقراض الثروة البشرية التي تُثري العوالم العربية والأفريقية!

همسات – عبير زين