تحقيقات وتقارير

هـل يبقى الحزب الشيوعي على اسـمه؟

[ALIGN=JUSTIFY]ربما كانت الحاجة الملحة الى وجود حزب شيوعي قوي وحقيقي وسط الهزال الذي تعانيه القوى السياسية المعارضة لنظام الانقاذ جراء التخريب المنظم الذي مارسه المؤتمر الوطني تجاه خصومه السياسيين عبر ممارسة سياسة الاختراق والاغراء والشرذمة وسط هذه القوى ، هو ما دفع الكثيرين داخل وخارج الحزب الى ترقب طويل لعقد مؤتمره الخامس، والذي اعلن عن قرب اقتراب انعقاده محمد ابراهيم نقد السكرتير السياسي للحزب عندما حدد فترة ما قبل نهاية هذا العام 2008م موعدا لانطلاق فعاليات المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي، ويقبل الحزب الشيوعي السوداني على مؤتمره الخامس بعد مضي 41 عاما من اخر مؤتمر عام ، والذي عقد في عام 1967م قبل ان تعلق قيادات الحزب على المشانق عام 1971م في الحقبة المايوية التي اعلنت الحرب على الحزب ، يقبل الشيوعي على مؤتمره العام في ظل متغيرات ومنعطفات كبيرة على المستويين العالمي والمحلي ، في ظل الانهيارات الكبرى لمنظومة الدول الاشتراكية، وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي السابق ودول الكتلة الاشتراكية ومفارقة كثير من الاحزاب الشيوعية للايدولوجية الماركسية.
ومحليا في ظل استمرار نظام الانقاذ الذي لم تكسر احاديته اتفاقات السلام الموقعة مثل اتفاق نيفاشا للمصالحة الوطنية الموقع من قبل الانقاذ مع الحركة الشعبية لتحرير السودان ، واتفاق الحكومة للمصالحة الوطنية الموقع مع التجمع الوطني الديمقراطي وهو الاتفاق المعروف باتفاق القاهرة . وهي الاتفاقات التي لم تتحول الى خبز وحرية وسلام واستقرار وتحول ديمقراطي ، وكذلك في ظل كارثة اقليم دارفور الانسانية .
ويجيء كذلك انعقاد المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني والحزب يخرج تدريجيا من قبضة السرية ومحاولات متعثرة للانفكاك من براثن الستالينية، ولن تجد قيادات الحزب الشيوعي مبررا لتأخر انعقاد المؤتمر الخامس افضل من تطاول سنوات القمع وظروف السرية، ويبدو صحيحا هنا ان سنوات السرية ، والممارسة الستالينية كان لهما الاثر الكبير في القعود بعمل الحزب الشيوعي.
ويبدو ان القضية الاكبر والشاغل الاهم لمؤتمر الحزب الخامس تتمثل في المراجعات الفكرية وكيفية النظر الى المرجعيات والمرتكزات الفكرية والفلسفية التي قام عليها الحزب الشيوعي في ظل الانهيارات الكبيرة وعملية التراجع عن الفكر الماركسي التي شملت احزابا شيوعية كثيرة في المنطقة بل وفي العالم، وفي ظل جماعات في الداخل تدعو الحزب الى التخلي عن هذه المرتكزات والتخلي عن اسم الشيوعي الى اسم اخر على نحو ما فعل د. فاروق محمد ابراهيم القيادي السابق بالحزب الشيوعي، والذي دعا الى تحويل الحزب الشيوعي الى حزب اشتراكي ديمقراطي، وهذه العملية هي احياء لطرح قديم منذ 1965م، في مؤتمر دعا الى قيام الحزب الاشتراكي ، ود. فاروق يدافع في هذا الحوار عن ذلك الطرح باعتباره احد القيادات التي شاركت في ذلك المؤتمر، وانحازت لهذا الطرح وبسببه ترك الحزب في تلك الفترة الى ان عاد اليه مرة اخرى في فترة الانتفاضة، ثم خرج عنه مرة اخرى وعاد اخيرا بدايات هذا العام ليوجه رسالة الى مؤتمر الحزب الخامس، داعيا أياه الى الاخذ بافكاره التي نفض عنها غبار القدم، داعيا الى رد الاعتبار الى مؤتمر الجريف عبر تحويل الحزب الى اشتراكي ديمقراطي، متهما قيادات الحزب الشيوعي بأنهم قد اجهضوا هذه العملية، ويرى فاروق في خلاصة فكرته : « السؤال المطروح هو ما العمل الآن هل نجدد الحزب بصورته القديمة، ونجدد الماركسية ، و.. الخ.. ام ان سبب الجمود هو الماركسية نفسها وفهمنا لها، وتجربتنا معها؟ وبالتالي ان تكون الماركسية هي احد المصادر، وبالتالي نتجه نحو ان يصبح الحزب حزب برنامج وليس حزب نظرية وهذا طرحي انا » .
ويبدو ان اسم الحزب « الشيوعي » من القضايا التي اثير حولها جدل كثيف حول ان يبقى الاسم « الشيوعي » او ان يتم تغييره باسم اخر على شاكلة اشتراكي ديمقراطي او ديمقراطي اشتراكي، وفي هذا الصدد أكد الاستاذ محمد ابراهيم نقد للاهرام العربي ان تغيير اسم الحزب من القضايا التي سيتم طرحها في المؤتمر العام الخامس المزمع عقده قريبا، مبينا ان تغيير الاسم لم تمله أي ضغوطات، لكن هناك تحولات حدثت وأحزابا شيوعية فشلت، كما أن تغييرات كثيرة في العالم أحس بها الحزب ومن بينها موضوع الاسم، ويقول الشفيع خضر القيادي بالحزب في حوار للزميلة آخر لحظة، ان هناك اقتراحات «قوية جدا» باخفاء أو التخلي عن اسم « الشيوعي » ، وهناك اقتراحات اخرى تطالب بالتمسك به وان كل ذلك _ بحسب الشفيع خضر _ في انتظار المؤتمر الخامس لحسمه ، وعلى الرغم من لغة الشفيع خضر المرجحة لانتصار اقتراح التخلي عن اسم الحزب «الشيوعي» الا ان هنالك من يؤكد _ من خلال ما رشح _ على ان الحزب في طريقه الى الابقاء على اسمه خلال مؤتمره القادم ، ومن خلال المناقشة العامة فان مسألة اسم الحزب تكتسب اهمية مقدرة، وفي هذا الاتجاه يقول المناضل الشيوعي الراحل فاروق زكريا في حوار لي معه : « ان اسم الحزب الشيوعي صاغه الحزب في مؤتمره الثالث في عام 1956م ومن ذلك الاسم يمكن لأي شخص ان يتفهم بسهولة ان الشيوعيين السودانيين ينظرون الى مسألة الاسم بوصفها تعبيرا عن مهام في مرحلة بعينها، اي عندما نجح الشعب السوداني في المعركة ضد الاستعمار ونيل الاستقلال اصبح اسم الحركة السودانية للتحرر الوطني _ برغم عدم اكتمال عملية التحرر الوطني _ فترة اجتازها شعبنا وحزبنا ، والان عند الكثيرين اصبح اسم الحزب ـ الشيوعي ـ يرتبط بمؤسسة مكونة من لحم ودم ويعرفهم شعبنا الاحياء منهم والشهداء شخصا شخصا ولم يعرفهم كفارا او تجار دين أو افاقين سرقوا المال ، وممتلكات الشعب ويدعون الاسلام . ففائدة تغيير اسم الحزب في نظر الشيوعيين ترتبط بالمرحلة التي يمر بها نضال الشعب ونضال الحزب ، اسم الحزب ارتبط ايضا بالحزب المناضل والمثابر والمتمسك بالديمقراطية وتجديد السودان وتخليصه من التخلف ، وبقياداته الذين علقوا على المشانق »، ويرى الشهيد فاروق زكريا ان بعض الذين يدعون الى تغيير اسم الحزب هم من اعدائه في السلطة : « جرى جدل حول اسم الحزب في الصحف ، وفي التصريحات ، وفي دعوة من اعداء الوطن في السلطة وفي المؤتمر الوطني ، والغريب انهم يدعون الحزب الشيوعي الى تغيير اسمه ! لذلك يمكن ان نقول : ماذا يفيد تغيير اسم الحزب اذا كان هذا هو مصدره ودافعه ؟! يدعون الى تغيير اسم الحزب في حملتهم الدعائية اليومية ضد الحزب الشيوعي السوداني ويدعون ان اسم الحزب وطبيعته ضد الدين وهم تجار الدين »، وربما من خلال هذا السرد الصادق والمرافعة القوية للمناضل الشيوعي الراحل فاروق زكريا يتضح من يقف خلف الدعوة الى تغيير اسم الحزب الشيوعي، غير ان عددا من المتابعين للحزب الشيوعي يرون في الاتجاه الى ابقاء اسم الحزب الشيوعي بمثابة رمي عظمة لالهاء من يتهمون قيادة الحزب بالتراجع عن مرتكزاته الفكرية، غير ان هذه المسألة فيما يبدو قد حسمها الاستاذ محمد ابراهيم نقد السكرتير السياسي للحزب عندما قال في حوار مع صحيفة يمنية « نحن لازلنا حزبا ماركسيا.. وهناك قضايا توصلنا اليها قبل انهيار الاتحاد السوفيتي مثل موضوع التعددية» وهي ذات العبارات التي رددها نقد عند خروجه الى العلن في ندوة الديم الشهيرة، عندما قال « نحن مازلنا ماركسيين ، نحنا ما نطينا، نحنا بنواصل ما كنا عليه وما بنط من كلامنا ولا منهجنا ولا رؤية حزبنا» ، وأكد على أن الحزب لا يزال حزباً شيوعياً ماركسياً رغم انهيار التجربة السوفيتية.. وأن الحزب يبحث عن تحقيق العدالة الاجتماعية بطرق ووسائل مبدعة.. بعيداً عن لعنة الحزب الواحد»، وكذلك في « موجهات لاجل البرنامج » عندما اشار نقد الى انهم لن يصبحوا كاحزاب في المنطقة القت براياتها الماركسية عندما قال انهم لن يفرون من المعسكر المهزوم الى المنتصر، وهذا ايضا ما اكده المناضل الراحل فاروق كدودة في سياق اجابة على سؤال لصحيفة «الصحافة» عندما قال ان تغيير الاسم لا يعني بالضرورة تغيير سمات الحزب ونظريته الأساسية.وقال ، ان الحزب الشيوعي سيحتفظ بسماته ونظريته الاساسية بطريقة جديدة مستنيرة ، ويبدو ان ما ذهب اليه كدودة هنا يشبه محاولات جرت في المنطقة عبر المطالبة بتغيير الاسم لخصوصيات المرحلة والمكان مع الابقاء على الاهم وهو الابقاء على البرنامج الماركسي للحزب وهذا عينه ما ذهب اليه هرمز كوهري في تناوله لتجربة الحزب الشيوعي العراقي عندما قال : « ان بقاء اسم الحزب « الحزب الشيوعي العراقي ، لايدل على برنامجه ، بل برنامجه يدل على أنه حزب ماركسي ، أي يتبع التحليل المادي « الماركسي » لتطور الاحداث السياسية والاقتصادية في ضوء النظرية المذكورة.ان تغيير الاسم ليس انتقاصا أو تراجعا بل يزيده فخرا باعتباره حاملا راية وروح النظرية الماركسية و ملتزما ومتمسكا بها وليس بالطريقة السوفيتية في تطبيقها ، وكصديق للحزب أقدر مدى اعتزاز الرفاق بالاسم الذي ناضلوا وضحوا تحت رايته ، ولكن هذه كلها عواطف ، ولا ننسى أن الاحزاب الشيوعية أو الماركسية تؤمن بالنظرية المادية ، فسبق أن بدل الحزب اسم الجريدة المركزية من « القاعدة» الى « اتحاد الشعب» ثم الى « طرق الشعب » ، منذ تأسيس الحزب الى اليوم حدث ما لم يكن في الحسبان ، فقد تغير كل شئ ، انتهى الاتحاد السوفيتي للاسباب المعروفة ، ذاتية وموضوعية ، داخلية وخارجية ، كل حسب تأويله أو تحليله ، فشلت التجربة السوفيتية والدول الاشتراكية الاخرى ، ولم تفشل النظرية الماركسية ، ولم يبق من الانظمة الا النظرية ، النظرية الماركسية الخالدة ، وستبقى خالدة ، تنير الدرب ليس للشيوعيين و للماركسيين فقط ، بل حتى لكثير من الدول الرأسمالية التي استفادت منها وطبقت ولا زالت تطبق بعض فقراتها شاءت أم أبت .
فالنظرية الماركسية ، ولدت بولادة الرأسمالية ، حللت النظام الرأسمالي تحليلا علميا . وكشفت نواقصه وتناقضاته ، التناقضات التي تولدت معه بولادته ، وتلك التناقضات ملازمة للنظام الرأسمالي شاء أم أبى ولا تنتهي تلك الأزمات الا بانتهائه ، لأنها جزء منه .
وباختصار: فان النظرية الماركسية ، هي نظرية اقتصادية ، وتستند على التحليل المادي للتطور التاريخي ، وتبحث في تراكم فائض القيمة ، وكشفت العلاقة الجدلية بين الكلفة والقيمة والسعر والاجور والربح ، وأن هذا الربح المتحقق ليس الا الجزء المستقطع من جهود العمال ، ونقضت النظرية التحليل الذي ذهب اليه الاقتصاديون الطوبائيون الذين عاصروا أو سبقوا ماركس ».
ويبدو من خلال تصريحات القيادات في الحزب الشيوعي ان الحزب ليس في طريقه فقط الى الابقاء على اسمه بل الاحتفظ بسماته ونظريته، وهذا ليس فقط ماتذهب اليه قيادات داخل الحزب الشيوعي، بل وكذلك نبض جماهير الحزب، ويبقى امام الشيوعيين مهمة التناول الخلاق والمبدع للفكر الماركسي.
alaaddinadwa@hotmail.com
علاء الدين محمود :الصحافة [/ALIGN]