تحقيقات وتقارير
الكرمـك وباو..الحال يُغني عن السؤال
الكرمك.. تردٍ وتدهور
بمحلية الكرمك العديد من المرافق الحكومية التي دمرتها الحرب، أبرزها المدارس «أساس ــ ثانوي»، بالإضافة إلى مستشفى الكرمك ومباني رئاسة المحلية وبعض المكاتب الحكومية التابعة للمحلية وقيادة الجيش ومركز الشرطة، فكل هذه المرافق تعرضت للدمار، فضلاً عن سوق المدينة، وإنسان الكرمك عبارة عن مزيج من القبائل المحلية «برتا ــ دوالا ــ برون ــ انقسنا ــ ادوك جبلاويون، علاوة على التداخل والتصاهر مع الإثيوبيين».
وتمتاز المحلية بطبيعة ساحرة وأراضٍ زراعية بكر وسهول تستغل للرعي، وهنالك منتجات غابية نسبة للتنوع الغابي الذي تمتاز به المنطقة.. ومن مناطق المحلية ومدنها «شالي الفيل ــ جرط ــ كدنقلات ــ جردان ــ اورا ــ الديم ــ خور البودي ــ يابوس ــ ميك ــ ودكة ــ أبو النذير وغيرها».. هذه المناطق تنقطع صلاتها بسبب وعورة الطرق وفصل الخريف الذي يستمر حتى شهر نوفمبر من كل عام.
ومحلية الكرمك التي كانت تجسد رمزية الحركة الشعبية، وتبعد عن حاضرة الولاية «162» كيلومتراً، هي محلية زراعية وتبلغ الاراضي الصالحة للزراعة من مساحتها الكلية 80%، وتشتهر بالأمطار الغزيرة والإنتاجية العالية لمختلف المحصولات، ورغم أنها واجهت ظروفاً عصيبة خلال الحرب الاخيرة الا ان حمائم السلام والاستقرار عادت لتحلق في أجوائها، وهذا ما يؤكده معتمدها النور محمد عبد الله الرباطابي الذي كشف عن ان كل اجزاء المحلية تحت سيطرة القوات المسلحة، وان الاستقرار الامني يظلل سماءها، إلا أن النور استنكر الممارسات التي يقوم بها بعض أفراد الحركة الشعبية الذين يتسللون الى بعض أنحاء المحلية ويقتلون المواطنين ويمارسون السرقة.
محلية الكرمك وبالرغم من ثرائها المعروف المتمثل في الاراضي الزراعية الخصبة والمعادن المختلفة مثل الكروم والذهب، إلا ان مواطنيها يعانون فقراً مدقعاً، وتنعدم فيها الخدمات، وبعد أن بسط الجيش سيطرته فيها قام بمقام السلطات المحلية، حيث عمل على توفير الصحة عبر المستشفى العسكري، ويقوم أفراد القوات المسلحة بتشغيل محطتي المياه والكهرباء، بل أن بعضهم يدرس التلاميذ في المدارس، ويبدي معتمدها الرباطابي تقديره للأدوار الكبيرة التي ظل يلعبها الجيش على كل الاصعدة، ويقول إن الجيش أسهم كذلك في استقرار الأمن الغذائي وذلك عبر حراسته وتوصيله العون الانساني لمواطني المحلية، حتى وصل الحال الى ان الاسعار في الكرمك ارخص من تلك الموجودة في الدمازين.
ويعترف معتمد المحلية الرباطابي الذي وجدنا ان المواطنين يقدرون الجهود التي يبذلها، بتراجع ايرادات المحلية خاصة في ما يتعلق بالغابات والزراعة التي قال إنها تأثرت سلباً بظروف الحرب، وأشار إلى أن التبادل التجاري بينهم وبين دولة اثيوبيا جيد وبات من مصادر دخل المواطنين،. وللتغلب على الظروف التي مرت به المحلية خاصة على صعيد الزراعة فقد تم في هذا الموسم توفير كل مدخلات الإنتاج للمزارعين، مؤكداً ان الجيش يقوم بتأمين المشروعات الزراعية.
وقال معتمد الكرمك إن التعدين في الذهب لم يتوقف رغم ظروف الحرب، وان هناك شركتين تعملان بجانب اكثر من «3» آلاف منقب يمتلكون اكثر من «500» جهاز، مؤكداً أن عمليات التنقيب اسهمت في انعاش اقتصاد المواطنين واحدثت حراكاً تجارياً ملحوظاً.
ورغم أن سلطات محلية الكرمك تسعى لاصلاح ما افسده دهر الحرب، إلا أن التحديات تبدو أكبر من امكانياتها كما بدت لنا، حيث تعرضت مرافقها للدمار الذي يتمثل في توقف مستشفى المدينة عن العمل وبات عبارة عن مبنى مهجور لا تتوفر فيه الخدمة ولا يوجد فيه غير ممرض واحد، ويتلقى المواطنون علاجهم بمستشفى الجيش الذي لولاه لحدثت كارثة صحية بالمحلية، كما ان المدارس تفتقد للاثاثات ولا توجد اجهزة طبية بالمراكز الصحية.
ومحلية الكرمك قبل الحرب كانت تمتلك «74» مدرسة اساس و «3» مدارس ثانوية، الا ان هذا الرقم تراجع الى «17» فقط، وتسعى سلطات المحلية الى ادخال خمس مدارس في الخدمة بعد التوقف القسري، وتوقف المدارس بهذا العدد الكبير أوجد فاقداً تربوياً كبيراً، حيث كان عدد تلاميذ المدارس «37» الفاً، وتراجع الى «11» ألفاً فقط، مما يعني ارتفاع نسبة الفاقد التربوي الذي تري سلطات المحلية ضرورة الاهتمام به، وذلك عبر التعليم التقني والصناعي والمنهج التعويضي.
معاناة الكرمك لا تتوقف عند محوري الصحة والتعليم فقط، فمياه الشرب ايضاً تمثل معضلة حقيقية، وتتعلق افئدة المواطنين بتشييد سد دندرو لتوفير المياه، وهذا يعني استمرار معاناتهم شهوراً قادمة وربما سنوات.
ورغم ان الاوضاع الخدمية تبدو غير ملبية لحاجة المواطنين، الا ان معتمد المحلية النور الرباطابي يؤكد أن المرحلة القادمة سوف تشهد حراكاً كبيراً في هذا الصدد، مثمناً اهتمام حكومة الولاية وتفاعلها مع قضايا المحلية.
باو.. عودة الاستقرار الأمني
محلية باو تتوسط محليات الكرمك، قيسان، الدمازين والتضامن، ومن يزورها يتوقف عند جمالها الأخاذ، فهي تتوسط سلسلة جبال الانقسنا، وتتحول في فصل الخريف الى منطقة سياحية من الدرجة الاولى، فطبيعتها مازالت بكراً، وحتى النسيج الاجتماعي بالمنطقة متفرد، فقبائل الانقسنا والفونج وكنانة ورفاعة وغيرها من اثنيات ظلت وبرغم رياح الحرب العاتية التي ضربت باو اكثر من مرة، تقاوم لتحافظ على قوة الترابط بينها، الا ان حرب الفاتح من سبتمبر القت بظلالها القاتمة على المحلية، حيث تعرضت مرافقها لانهيار كامل، وواجه مواطنوها المسالمين خطر النزوح والتشرد ودفعوا فاتورة الحرب باهظة، غير أن عودة الاستقرار الامني للمحلية خفف من وطأة المعاناة واعاد الاطمئنان الى النفوس المرهقة والمتعبة، ومناطق مثل حاضرة المحلية ود ابوك ومصفي والسلك ومقجا وغيرها، وتشهد الحياة فيها حراكاً واضحاً، وبدأت تستعيد الحيوية والنشاط الذي كانت عليه قبل انفجار الاوضاع في 2011م، وتراجع وجود جيش الحركة الشعبية ليشهد انحساراً شبه كامل، ولا يسيطر إلا على قريتين فقط في حدود المحلية وهما ملكن واولو، وبصفة عامة تجاوزت باو جراحات الماضي، وتتأهب للانطلاق نحو المستقبل بتفاؤل كبير، عبر عنه المواطنون الذين التقيناهم، مؤكدين ان محليتهم تزخر بامكانات غير محدودة، وفي ظل الاستقرار الامني الذي يظلل اجواءها يمكنها ان تعود مثلما كانت في الماضي، ذات مردود اقتصادي وزراعي.
وتقع باو في الجزء الجنوبي الغربي من ولاية النيل الأزرق، وعاصمتها مدينة باو التي تتوسط سلسلة جبال الانقسنا تمتاز بطبيعتها الجبلية والسهول الممتدة على مد البصر، إما المرافق الحكومية من مدارس ومراكز صحية ونقاط شرطة بالحلية فقد تعرضت للدمار الشامل، بالإضافة إلى مستشفى باو ومدارس المدينة من أساس وثانوي بنين وبنات ومقر منظمة الدعوة الإسلامية.. والآن المحلية بدأت في إعادة النازحين ليستقروا في تجمعات بعد أن كانوا يعيشون في سكن مبعثر يصعب معه تقديم الخدمات الضرورية لهم. وتمتاز المحلية بإنتاجها الوفير من الكنوز الموجودة داخل الجبال من ذهب وكروم بالإضافة للإنتاج الغابي والزراعي والرعوي.. وخدمات المياه والكهرباء والتعليم والصحة هي ما يحتاج إليه إنسان المحلية. وابرز المدن والمناطق «باو ــ ديرنق ــ ود ابوك ــ السيلك ــ جام ــ خور مقنزا ــ سالبل ــ كمريك ــ القبانيت ــ خور الدوم وغيرها».
والصورة تبدو زاهية من الناحية الأمنية، إلا أنها قاتمة السواد على الصعيد الخدمي والتنموي، وهذا ما كشف عنه معتمد المحلية فائز بلة علي جاوا الذي كشف عن تعرض البنية التحتية للمحلية للدمار الكامل أثناء الحرب.
وقبل استعراض أوجه المعاناة بالمحلية، يشير معتمد باو الى ان الوضع الانساني في محليته يشهد استقراراً كاملاً ولا توجد فجوة غذائية أو معاناة، مشيداً بالجهود التي بذلتها حكومة الولاية وديوان الزكاة ومفوضية العون الانساني، وقال انهم في هذا المحور لا يواجهون معاناة
الا ان المعتمد اتفق مع المواطنين الذين تحدثوا الينا حول افتقاد المحلية للبنية التحتية، وذلك على إثر تعرضها للدمار أثناء الحرب، مشيراً الى ان باو كانت تمتلك مرافق عامة افضل من تلك الموجودة في الدمازين، بيد أنه تحسر على التخريب والاضرار الكبيرة التي حاقت بها بسبب الحرب، ويؤكد أنها تحتاج إلى إعادة تأهيل كاملة، وكشف عن تعرض الكثير من المرافق للدمار من قبل قوات الحركة الشعبية، بالإضافة لمباني المحلية، منظمة الدعوة الاسلامية، الوحدة الادارية، ثلاث مدراس ثانوية، كلية العلوم الصحية ومستشفى باو، وكانت جميعها مشيدة على احدث طراز، الا انها لم تعد كذلك وتحول بعضها الى انقاض، وتكلفة تأهيلها مثلما كانت تحتاج لمبلغ يقارب المليون جنيه، وهو بالتأكيد فوق طاقة المحلية، وحكومة الولاية وعدت بتأهيل هذه المرافق.
مدينة باو او فلنقل المحلية تشهد ضعفاً واضحاً على صعيد الوضع الصحي، فالمستشفى بات خارج الخدمة لأن أجهزته لم تعد تعمل حيث تم تدميرها وكذلك الاسرة، وحالياً المستشفى عبارة عن مبنى، وفي كل انحاء المحلية يوجد مركز صحي واحد يعمل ويوجد في منطقة ديرن وبه مساعد طبي، وهذا يعني ان محلية سودانية بها اكثر من مائة الف نسمة لا يوجد بها غير مساعد طبي واحد، وحتى مستشفى النساء والاطفال الموجود في منطقة ود ابوك فهو رغم حداثة مبانيه وبه ستون سريراً، الا انه يفتقد الى الكوادر الطبية ولا يوجد فيه غير مساعد طبي واحد فقط، ولم تفلح جهود المحلية التي بذلتها في إدخال 80% من مواطني المحلية تحت مظلة التأمين الصحي، وذلك لعدم وجود الخدمة.
أما في مجال التعليم الذي كان يعتبر الحسنة الوحيدة في المحلية كما يشير المواطنون، فقد تعرض هو الآخر للدمار الذي طال المدارس، وهنا يشير معتمد المحلية فائز جاوا الى أن باو كانت تمتلك أكبر عدد من المدارس المشيدة بالمواد الثابتة، وقال ان فترة ما بعد اتفاقية السلام وقبل تجدد الحرب في عام 2011 شهدت تطوراً كبيراً في مجال التعليم خاصة على صعيد البنية التحتية، لافتاً إلى أن حالة النزوح ألقت بظلالها السالبة على استقرار التعليم، وأضاف أن الجيد في الأمر أن النزوح حدث داخل المحلية، حيث استقر المواطنون في تجمعات بعدد من القرى مثل خور منقزا والشهيد أفندي، وهذه التجمعات اتاحت لنا بخلاف استيعاب التلاميذ في المدارس تقديم الخدمات للمواطنين.
وأوجه المعاناة بمحلية باو لا تتوقف على الدمار الذي طال مرافقها، بل يمتد ويتجلى، وللمفارقة، في أزمة مياه الشرب التي اعتبرها مواطنون تحدثوا الينا من أكبر الهواجس التي ظلت تؤرقهم، وذلك لعدم وجود شبكات ومحطات مياه، فالمواطن في باو تحت رحمة السماء، فالأمطار تبدو مورده الوحيد، فالحفائر تحفظ مياه الأمطار للإنسان والحيوان، إلا أنها تنضب في شهر مارس الذي يمثل كابوساً للمواطنين، والسلطات تتجه إلى جلب المياه عبر التناكر من الدمازين، وبالرغم من أن منظمة اليونسيف انشأت عدداً من المضخات وقامت المحلية بحفر آبار، إلا أن الأزمة في مياه الشرب تبدو ماثلة، وتعتزم المحلية القضاء على هاجس العطش بإنشاء سدود في عدد من المناطق.
أما الكهرباء وبالرغم من أن حاضرة المحلية لا تبعد عن خزان الروصيرص سوى سبعين كيلومتراً، إلا أنها تعيش في ظلام دامس، ويبدو حلم الكهرباء ترفاً يراه السكان المحليون بعيد المنال، مذكرين بتوجيه رئيس الجمهورية بتوصيل الكهرباء لكل أنحاء المحلية، ويعتمد السكان على المولدات، ولا يُحظى أكثر من 30% من مواطني المحلية بخدمة الكهرباء. النيل الأزرق: صديق رمضان.. مكي ماهل صحيفة الصحافة
[/SIZE][/JUSTIFY]