تحقيقات وتقارير
جوبا: لجأت الى بدائل لمواجهة تداعيات توقف النفط ، بيع النفط فى( باطن الارض) بعقود آجلة ، واستخدام النفط ضمانا للحصول على قروض
كرت ضغط
وبعد احتلال هجليج وتحريرها من قبل الجيش السوداني وصدور قرارات مجلس الأمن بالعودة الى مائدة التفاوض بأديس أبابا توصل البلاد ( السودان وجنوب السودان ) الى اتفاق التعاون الشامل فى سبتمبر من العام 2012 والذى جاء فى (9) اتفاقيات بينها (5) اتفاقيات اقتصادية ولكن العمود الفقري لهذه الاتفاقيات التسع هو اتفاقيات الترتيبات الامنية غير ان الضغوط الدولية جعلت من النفط مدخلاً لبداية تنفيذ الاتفاقيات ليبدأ ضخ السائل الاسود من جديد فى ابريل الماضي من حقول الانتاج بالجنوب الى موانئ التصدير ببورتسودان، ليعود للنفط بريقه السياسي من جديد، ولكن هذه المرة جاء استخدامه سياسياً من قبل الخرطوم باعتباره كرت ضغط على حكومة الجنوب التى استفادت من تصدير النفط ولكنها لم تطبق بقية اتفاقيات مصفوفة التعاون وفى مقدمتها اتفاقية الترتيبات الأمنية، لتخطر الخرطوم جوبا رسميا فى التاسع من يونيو الماضي بانها ستوقف تصدير نفط الجنوب عبر الاراضي السودانية خلال (60) يوماً كمهلة كافية لتراجع حكومة الجنوب موقفها من دعم الحركات المسلحة والمتمردة وتغليب خيار المصالح المشتركة بدلا عن دعم حركات التمرد استخدام عائدات النفط فى دعم هذه الحركات وعدم تنفيذ الاتفاقية الامنية مما ينذر بتغيير موازين القوى العسكرية على الارض ، كما اعلنت الخرطوم عن ان خطوة ايقاف تصدير نفط الجنوب جاءت مدروسة ولم تكن ارتجالية ووصعت معالجات لتجاوز تداعيات ايقاف تصدير نفط الجنوب عبر الاراضي السودانية وفقدان رسوم العبور التى تبلغ فى العام نحو (3) مليارات دولار.
رد جوبا
ويبدو ان الرد من جوبا على اخطار الخرطوم بايقاف تصدير نفط الجنوب جاء ايضا مدروسا ، فقد بدأت جوبا منذ اخطارها فى التاسع من يونيو الماضي بمهلة الـ(60) يوماً فى خفض تدريجي لضخ النفط عبر الاراضي السودانية ، كما لجأت الى بدائل لامتصاص تداعيات ايقاف تصدير النفط ، لتعلن جوبا الخميس الماضي عن وقف ضخ نفط الجنوب اعتباراً من 7 أغسطس المقبل مع بدء الخفض التدريجي لضخ نفطه عبر السودان .
وقال نيال دينق نيال وزير خارجية جنوب السودان، إن بلاده تسلمت إخطاراً رسمياً من السودان، يفيد بإغلاقها خط الأنابيب الناقل لنفط الجنوب اعتباراً من 7 أغسطس القادم، مشيراً إلى أن بلاده أُخطرت بالقرار عبر سفارتها بالخرطوم.
وقال نيال في تصريحات بجوبا، إن جنوب السودان بدأ الخفض التدريجي لضخ نفطه عبر خط الأنابيب الذي يمر بالأراضي السودانية، للحد من تأثير الإغلاق المتوقع من جانب حكومة الخرطوم، حيث خفضت إنتاج النفط إلى 160 ألف برميل يومياً من 200 ألف برميل يومياً بعد أن أصر السودان على وقف الإنتاج.
ووصف قرار الخرطوم، بوقف الضخ، بأنه (ابتزاز) نظراً لأن جوبا ليس لديها أي خطوط نفط بديلة للتصدير إلا عبر الأراضي السودانية، وأشار إلى أنه أخطر السفير الصيني لدى جوبا بقرار إغلاق أنابيب النفط من جانب السودان.
وقال إن السفير الصيني وعد بتدخل بلاده لحل هذه المشكلة بين البلدين، حيث تُعد الصين من أكبر المستثمرين للنفط في جنوب السودان.
تأثير إيقاف تصدير النفط
بات فى حكم المؤكد ان يتم إيقاف تصدير نفط الجنوب عبر الاراضي السودانية فى السابع من اغسطس المقبل رغم الحديث عن مبادرة صينية طي ملف الخلافات بشأن تصدير النفط ودفع جهود تنفيذ مصفوفة التعاون بين البلدين الأمر الذى تترتب عليه آثار اقتصادية على البلدين، فكل من الخرطوم وجوبا سيتأثران سلباً بايقاف تصدير نفط الجنوب، حيث تتأثر الخرطوم بفقدان عائدات رسوم عبور النفط التى تبلغ شهرياً نحو (200) مليون دولار ونحو (3) مليارات فى العام بينما تفقد جوباً يوميا نحو (15) مليون دولار اى نحو (450) مليون دولار شهرياً اى نحو (5.4) مليار دولار فى العام من جراء توقف تصدير النفط وبالتالي تكون التأثيرات أكبر على حكومة الجنوب التى تفقد هذه الموارد الكبيرة وتفقد ايضا موردها الرئيسي من النقد الأجنبي ، وبالتالي لابد لحكومتي البلدين من البحث عن بدائل لعائدات النفط حال فشل الوساطة الصينية والافريقية فى طي ملف الخلافات بين البلدين والابقاء على ضخ النفط.
بدائل جوبا
وتفيد متابعات بان جوبا لجأت الى بدائل لمواجهة تداعيات توقف النفط بعد انتهاء مهلة الـ(60) يوما فى السابع من اغسطس المقبل ، حيث تصدر بدائل جوبا بيع النفط فى( باطن الارض) بعقود آجلة ، واستخدام النفط ضمانا للحصول على قروض ومنح وتمويلات خارجية بضمان البترول ، وبالتالي تستطيع جوبا امتصاص تداعيات قرار ايقاف تصدير النفط وتكون بمنأى عن التأثر بهذا الايقاف ، او تكون درست وحسبت قرار الايقاف جيداً وبدأت فى الخفض التدريجي لانتاج النفط ، وذلك ما اكده استيفن ديو وزير النفط بجنوب السودان فى حديثه لـ »الشرق الأوسط« ، حيث قال ان القرار جاء لتحاشي خسائر في حال فاجأنا السودان بإغلاق الأنبوب، كما عزت جوبا قرارها خفض الانتاج النفطي تفاديا للخسائر المادية والكوارث البيئية التي قد تنجم في حال اتجهت الخرطوم لتنفيذ قرارها، ولوحت باللجوء إلى المحاكم الدولية لتعويض الأضرار الاقتصادية.
وكشف وزير النفط في جنوب السودان، عن أن بلاده لا تقبل الابتزازات التي تمارسها الحكومة السودانية في عدم تنفيذ اتفاق التعاون المشترك، وقال إنه »احترازا من تحذيرات الخرطوم، ومهلة الستين يوما التي ستنتهي في السابع من أغسطس المقبل، وحتى لا يتم إغلاق الأنبوب بشكل عشوائي يتضرر منه شعبا البلدين.. قررنا تخفيض الإنتاج«، مشيرا إلى أن الإغلاق بصورة عشوائية سيضر بالبيئة والمنشآت النفطية ويلحق أكبر الأضرار بالشعبين في البلدين اقتصاديا.
خيارات الخرطوم
منذ انفصال الجنوب قبل نحو عامين لجأت الحكومة الى عدة خيارات لامتصاص تداعيات انفصال الجنوب وفقدان نحو(50%) من ايرادات الميزانية من بينها تطبيق البرنامج الاسعافي الثلاثي لإعادة التوازن للاقتصاد والذى صحبه تطبيق اجراءات اخرى لامتصاص تداعيات إيقاف تصدير نفط الجنوب فى يناير من العام 2012 من قبل حكومة الجنوب بقرار مفاجئ للخرطوم ، لتشمل الاجراءات الجديدة تعديل ميزانية الدولة للعام 2012 والتى كانت تعتمد بنسبة (27%) على عائدات رسوم عبور نفط الجنوب وتطبيق سياسات التقشف الاقتصادي وتخفيض مخصصات الدستوريين وهيكلة مؤسسات الدولة والتوجه نحو الزراعة .
وتفيد متابعاتنا بان الحكومة أعدت خيارات جديدة لمواجهة تداعيات توقف تصدير نفط الجنوب بعد انتهاء مهلة الـ(60) يوما فى السابع من اغسطس الماضي ، حيث شملت هذه الخيارات توسيع دائرة الانتاج الزراعي بالتوسع فى المساحات المزروعة فى الموسم الصيفي وتوفير (200) مليون دولار لتمويل الموسم وربط الزراعة بالصناعة لتحقيق القيمة المضافة، واستقطاب مدخرات المغتربين عبر انشاء بنك للمغتربين وتسهيل تحاويل المغتربين بإعفاء التحاويل من الرسوم وتسليمها بالداخل بالعملة الصعبة لتشجع دخول النقد الاجنبي ، وزيادة الانتاج النفطي الى (150) ألف برميل فى اليوم بدخول مربعات جديدة وزيادة نسبة الاستخلاص، وتامين واردات الجازولين من دولة صديقة وشقيقة من بينها العراق، واستقطاب قروض من دول صديقة من بينها الصين وجذب الاستثمارات ورؤوس الاموال خاصة الاستثمارات العربية لتحقيق الامن الغذائي العربي بجانب الاستمرار فى البرنامج الاسعافي لاحلال الواردات وزيادة الصادرات خاصة صادرات الذهب والصمغ العربي والحبوب الزيتية والقطن والثروة الحيوانية.
الاعتماد على الذهب
وأكد د.عادل عبد العزيز الخبير الاقتصادي المعروف ان قرار إيقاف تصدير نفط الجنوب عبر الاراضي السودانية تعاملت معه الحكومة خلال الفترة الماضية منذ يناير 2012 وحتى ابريل الماضي من خلال الاعتماد على موارد أخرى للنقد الاجنبي من بينها الذهب الذى سرعان ما أنتج مشكلة اقتصادية جديدة تكمن فى ارتفاع معدلات التضخم، واضاف د.عادل فى حديثه لـ(الرأى العام) اذا لم تنجح المساعي الجارية من الصين والاتحاد الافريقي فى طي الخلافات بين الخرطوم وجوبا فان الأمر سيستمر كما كان فى العامين الماضيين من اعتماد على الذهب والبرنامج الاسعافي الثلاثي القاضي باحلال الواردات وزيادة الصادرات والذى قال انه لم يحقق النجاح المطلوب .
واكد د.عادل أن الاقتصاد السوداني فى الفترة المقبلة (مرحلة توقف تصدير نفط الجنوب) يتطلب معالجات جذرية تشمل اولاً خفض الانفاق العام بصورة حقيقية وجذرية وزيادة الانتاج بسياسات اقتصادية حقيقية وواضحة تشمل خفض تكاليف الانتاج وخفض الضرائب والجبايات على القطاعين الزراعي والصناعي، وتشجيع الاستثمار بتضمين حصول المستثمرين على الاراضي اللازمة للاستثمار بتدخل واضح وحماية حقيقية من السلطات المسؤولة عن الاستثمار بالبلاد.
خيارات صعبة
ويرى د.شريف التهامي وزيرالطاقة الاسبق أن أمام الحكومة خيارات صعبة لمواجهة تداعيات ايقاف تصدير نفط الجنوب عبر الاراضي السودانية ، خاصة خيارات رفع الدعم عن المحروقات او فرض رسوم وضرائب جديدة تحت اي مسمى او تخفيض الإنفاق العام او تطبيق تقشف جديد او انكماش فى الطلب، وأكد د.التهامي فى حديثه لـ(الرأى العام) ان الخيار السهل امام الحكومة زيادة الانتاج النفطي الى اكثر من (150) الف برميل يوميا بنهاية هذا العام بدخول حقول جديدة وزيادة نسبة استخلاص النفط وتشجيع الاستثمارات بقطاع النفط خاصة الغاز الى جانب الاستمرار فى التنقيب عن الذهب لزيادة عائداته وموارد النقد الاجنبي للحد من ارتفاع الدولار.
تقرير: سنهوري عيسى:الراي العام