تحقيقات وتقارير

وكالات السفر.. إفساد فرحة المعتمِرين

العمرة والحج من الشعائر التي تتوق إليها النفس وتهفو مهما وجدت من مشقة وعنت، وقد تعقد حاجبيك دهشة وأنت ترى كهلاً تظن أنه سيقع ميتًا لو نفخت عليه يؤدي مناسك الحج أو العمرة بهمة رغم صعوبة بعضها، وقد اشتهر السودانيون أكثر من غيرهم بحبهم لتلك البقاع الطاهرة فنظموا المدائح التي تعبِّر عن شوقهم لزيارة قبر النبي الكريم وبيت الله الحرام وهم في سبيل ذلك على استعداد لبذل النفوس رخيصة، هذا فيما يتعلق بأداء المناسك ولكن هناك معاناة تتسبب فيها وكالات السفر والسياحة التي يبدو بعضها غير مؤهل لإسناد خدمة الحجاج والمعتمرين رغم المبالغ الضخمة التي تتقاضاها منهم، فبمجرد الوصول للأراضي المقدسة تتنصل من مسؤوليتها تجاههم فيواجه بعضهم صعوبة في أداء المناسك نسبة لانشغال أمير الفوج عنهم ويواجه بعضهم مشكلات في السكن كما وجدنا في جدة وتبدو الوكالات بهذه الصورة كمجرد محصل للنقود دون خدمات مضاهية ورغم ذلك لا تجد لدى معظم المعتمرين رغبة في الشكوى محتسبين معاناتهم كضريبة لتوفيقهم بفضل الله في الزيارة ومن ثم ليس الغرض من هذا التحقيق «شيل حال» الوكالات ولكنه بمثابة إزالة القذى عن العين أو إماطة الأذى عن الطريق لعل الجهات المسؤولة تجتهد في إلزام الوكالات بالضوابط التي تكفل لها التصديق والتي صدر بها قرار وزاري لينعم المعتمِر بعمرة لا يشغله فيها هم سكن أو مأكل أو مواصلات.

أسئلة حيرى
في الإعلان الذي تفضل به اتحاد الصحفيين وجدنا أن الوكالة التي أسند إليها تفويج الصحفيين هي وكالة البركة، وأن السفر سيكون على متن «ناس السعودية»، ولكننا لم نجد رابطًا بين وكالة البركة ووكالة محطات الدول التي أسند إليها أمر عمرتنا، كما تساءلنا عن سبب نقلنا على «مارسلاند» السودانية، ولم نجد إجابة إلا على لسان صاحب وكالة «محطات الدول» تجدونها في مكان داخل هذا التحقيق.
خدمات صفر
في مكة المكرمة استقر بنا المقام في فندق «الزيارة المميَّزة» الذي يبعد مسافة مقدرة من الحرم، ورغم المظهر الطيب الذي يبدو عليه الفندق لدى الانطباع الأول إلا أن هناك جملة من الملاحظات تبدو واضحة في حديث الزميل هاشم محمد علي من وكالة السودان للأنباء «سونا»الذي انتقد مستوى النظافة في غرف الفندق الزيارة، حيث لم يأت عمال النظافة طوال فترة إقامة الوفد «6»أيام رغم أنه أبلغ مندوب الوكالة الذي بدوره طلب من عمال النظافة تنظيف الغرف، ولكن العمال لم يصغوا لذلك، وقال إنه لم يجد مسؤولاً أو إداريًا في الفندق ليبلغه شكوى أعضاء البعثة وبخصوص الحافلات التي تنقل المعتمرين من الفندق للحرم وبالعكس قال إنها «4» ولكنها في الواقع حافلتان فقط، ولا تنتظران كثيرًا في الموقف مما يضطر المعتمرين للانتظار طويلاً تحت حر الشمس، كما يفتقد الفندق لخدمات أساسية مثل الوجبات وغسل الملابس، وطالب هاشم الوكالات بتوفير زي موحد للبعثات السودانية أسوة بالبعثات الأخرى خاصة الآسيوية. وبخصوص أداء مناسك العمرة قال: «كانت هناك ربكة في اليوم الأول لعدم معرفة معظم المعتمرين بالمناسك ولكن في اليوم التالي قام أمير الفوج بتبصير المعتمرين حيث أدى كل معتمر أكثر من عمرة بعضهم لنفسه وبعضهم لبعض أهله.
تنظيم ممتاز ولكن..
اتفق مع هاشم المعتمر بدر الدين الفاتح فيما يتعلق بالنظافة والخدمات، أما مستوى التنظيم فقال إنه ممتاز، وأردف: الفندق مريح والتنظيم ممتاز ولكن هناك معاناة في الحصول على الطعام، وكان ينبغي للوكالة ترتيب ذلك حتى لو بوضع قيمتها في تكلفة العمرة، وطالب كذلك بزي موحد، فقد وجد بدر الدين نساء لا يستطعن الوصول للفندق بعد أن فقدن دليلهنَّ وقد اعتمد الفندق والمفوج على الكرت الذي يُمنح للمعتمربن للاستدلال به وهو ليس كافيًا، وفيما يتعلق بتبصير المعتمرين بمناسك العمرة قال: يفترض أن يُمنح المعتمر كتيبًا فيه التفاصيل أو على الأقل يبصر المعتمرين من خلال ندوات لأن بعضهم لم يؤد العمرة كما ينبغي ولكن الأعمال بالنيات، المعتمرات رقية وفاطمة وعائشة وآمنة ومنى أشدن بأمير الفوج حافظ عباس وملازمته للمعتمرين وتوجيههم خاصة بعد اليوم الأول وبعد أداء العمرة اصطحب المعتمرين في زيارة لبعض «المزارات» ولكنهن انتقدن الخدمات بالفندق، حيث شعرن بالمعاناة في الحصول على وجباتهن، أما المعتمرة نفيسة فقد ازدادت معاناتها عندما تاهت في الحرم ولم تجد من يدلها على الفندق فاضطرت للمبيت في الحرم رغم أنها مريضة بالسكر وتتعاطى الأنسولين..
متعبين
أمير الفوج حافظ عباس عندما اتهمناه بأنه قصر في توعية المعتمرين بمناسك العمرة وربما لم يؤدها بعضهم على الوجه المطلوب في اليوم الأول قال إنه اتفق معهم على النزول للحرم بعد صلاة العصر بعد أخذ قسط من الراحة ولكن بعضهم استعجل وخرج دون علمه وبعضهم ذهب لأداء العمرة مع قريب له زاره في الفندق بعد وصوله، وهذه مشكلة السودانيين، حسب تعبيره، فهم لا يأتمرون لأميرهم.
سألنا حافظ: لماذا لم توفر الوكالة زيّا موحدًا لبعثتها مثلما فعلت بعثات الدول الأخرى لضمان عدم توهان المعتمرين كما حدث لبعضهم حيث باتت المعتمرة نفيسة في الحرم بعد أن لم تجد من يدلها للفندق؟ فأجاب: في تجاربنا السابقة لمسنا عدم التزام المعتمرين به بعكس البعثات الأخرى لأنهم لا يعرفون اللغة العربية ومن ثم يتم التعرف عليهم من خلال زيهم الموحد لكن السوداني إذا تاه يستطيع سؤال أي شخص ولكن لا بأس من إعادة تجربة الزي الموحد في العام القادم مع العلم أن الوكالة توزع للمعتمرين كروتًا فيها عنوان الفندق وأرقام هواتفه وهاتف أمير الفوج إذا أعطوها لصاحب ليموزين يوصلهم بسهولة للفندق ولكن المعتمرين لا يهتمون بحمله معهم عند الخروج.
نقاط على الحروف
نقلنا شكاوى المعتمرين لصاحب شركة «محطات الدول» عبد العزيز بشير وطلبنا منه بداية تفسيرًا لدخول شركته في الأمر واختفاء وكالة «البركة وهل يعني ذلك «اتفاقًا من الباطن» بين الوكالتين؟ فقال: «محطات الدول» وكالة رئيسية ولديها فروع من بينها وكالة «البركة».أيضًا استفسرناه عن سبب نقل المعتمرين على «مارسلاند» في حين أكدت الوكالة عند التقديم أنها ستنقلهم على «ناس» السعودية فقال: «فضلنا مارسلاند لأنها سودانية وبرنامجها مريح وكذلك وقت الوصول لمطار جدة وهي تقدم وجبة داخل الطائرة بعكس «ناس» كما أن أسعار مارسلاند أفضل وتتيح للمسافر عليها زيادة في الوزن».
فندق «الزيارة المميزة» بعيد نسبيًا من الحرم ولكن هناك حافلات لنقل المعتمرين من الفندق للحرم وبالعكس في كل أوقات الصلوات وإن شكا المعتمرون من قلتها مما يضطرهم للانتظار طويلاً في هجير شمس مكة الحارة.
وفي هذا الخصوص طلب منا عبد العزيز أن نقوم بجولة على الفنادق التي ينزل فيها السودانيون ومقارنتها بفندق الزيارة المميزة، وبخصوص الوجبات قال إن الفندق أساسًا لا يقدم وجبات كما أن سعرها ليس مضمنًا في سعر تكلفة العمرة، ولكنه لم ير بأسًا في مراعاة ذلك مستقبلاً وتوفير وجبتي الإفطار والعشاء.
وفيما يتعلق بنظافة الغرف قال إنها لا تتم إلا إذا طلبها النزلاء من موظف الاستقبال لأن معظم الجنسيات الأخرى لا تفضل دخول عمال النظافة في غيابهم.
جهجهونا
في المدينة المنورة لم نسمع شكاوى، ولكن في جدة وجدت سنية عثمان وهي ستينية تجلس في صالة استقبال برج شقق المختارة بجدة الذي يكاد يغلي من ارتفاع درجة الحرارة وقد تملكتها حالة من الغضب وهي تنظر لعفشها المكوم أمامها وتعلن احتجاجها بصوت عالٍ وتتساءل عن مندوب الوكالة التي جاءت ضمن فوجها، ورغم أنني كنت على عجلة من أمري لارتباطي بموعد حوار مع القنصل العام لقنصلية السودان بجدة السفير خالد الترس إلا أنني اقتربتُ منها وسألتها عن سبب ثورتها، فقالت إنها دفعت «8» ألاف جنيه لوكالة «علام» حتى تستطيع أداء العمرة ولكن الوكالة غير منضبطة، وأردفت: «نحن اتجهجهنا مشينا بتنا مع أهلنا رغم إنو مفروض ناخد يومين في جدة لكن قالوا لينا الفندق مليان وكل معتمر اتجه اتجاهًا لوحده وهسة جينا لينا أكتر من ساعتين ما لقينا مندوب الوكالة بكري والطائرة مواعيدها أوشكت وما عارفين نعمل شنو»؟.
معاملة سيئة
ومن نزلاء شقق المختارة وجدت ثلاثة يحرسون حقائبهم المكوَّمة في صالة الاستقبال فاقتربت من أحدهم قال لي إنه يُدعى محمد السيد وإنهم جاءوا مفوجين بواسطة وكالة «علام» التي أسكنتهم بمكة والمدينة بفنادق محترمة ولكن في جدة أسكنتهم بشقق المختارة التي لا تتوفر فيها أي خدمات رغم أنها مفروشة وزاد: «عاملونا معاملة سيئة وأخرجونا قبل أن تنتهي مدتنا، المكيفات تعبانة والمصعد أكثر تعبًا والأبواب مفتوحة فإذا أردنا الخروج لا بد أن نحمل حقائبنا معنا وليس هناك خصوصية فإذا استعملت السلم بدلاً من المصعد تُفاجأ بالأسر وهي على راحتها في صالات شققها المفتوحة على السلم» في شقق المختارة.
المندوب لا يمكن الوصول إليه
ويشتكي جبريل العاقب من مندوب «وكالة علام» الذي احتجب عنهم تمامًا ولم يستمع لشكاواهم بل طلب منهم أن يحملوا حقائبهم معهم، لأن الشقق بدون أقفال ولن يتحمل هو المسؤولية إذا ضاع منها شيء وأردف: «جينا بالليل وما لقينا في الشقة ولو موية شراب».
أين بكري؟
بحثت بدوري عن مندوب الوكالة بكري لسماع مرافعاته ولكني لم أعثر له على أثر وكان موظفو الاستقبال كلما سألتهم عنه قالوا لي: «كان في غرفتو أسة بجي».
ما بيعرفوش
استعضت عن بكري بمسؤول الفندق مصري الجنسية الذي أخبرني أن اسمه محمد و«بس» وعندما سألته لماذا منعتم نزلاء وكالة «علام» من دخول الغرف؟» قال لي مندوب الشركة يحاسبني بالجواز وفي ناس يقضون ليلتهم بالخارج هؤلاء ليس لديهم سكن عندي ولا يمكن أن يبيتوا عندنا بدون علمنا وعلم المندوب، حقهم مش مدفوع. وبخصوص المكيفات التي تجلب السخانة بدلاً من الهواء البارد قال «مابيعرفوا يشغلوا المكيف المكيف شغال يقفلوا الكمبروسر ويشغلوا المروحة أما المصعد «4» فحمولتو «4» أشخاص ولكنهم بيحطوا فيه أغراض كتيرة ويطلعوا عليه ناس كتير».
ليس اختصاصنا
ظننا أن للقنصلية دورًا في تأديب الوكالات التي لا تلتزم بتقديم الخدمات المفروضة لمنسوبيها فسألنا القنصل العام لسفارة السودان بجدة السفير خالد الترس إن كانت قد وصلتهم شكاوى بهذا الخصوص وهل محاسبة تلك الوكالات تقع ضمن اختصاصاتهم؟
فأجاب: «لا، ليس لدينا عليهم سلطة لأنها وكالات سعودية، والأمر كله لهيئة الحج والعمرة، ولكن المتضررين إذا اشتكوا فسيأخذون حقهم فورًا، وأذكر أن إحدى الوكالات رفضت تسكين مجموعة كان يُفترض سكنها في المنطقة المركزية في المدينة فاشتكت المجموعة لـ«الحج والعمرة» فسكِّنوهم وغرَّموا الوكالة، لكن نحن ليس لدينا بهم ارتباط، «ريحونا جدًا»، في السابق كانت الوكالات الوطنية تأتي للقنصلية وتقوم باستئجار الفنادق والبصَّات، الآن أصبح كل شيء يتم في السودان، وهناك أشياء تقوم بها الوكالات السعودية، ودورنا نحن التنسيق، فإذا أي شخص ضاع جوازه أو وثيقته أو مرض أو أصابه حادث لا قدر الله يأتي دورنا»..
ضمان بنكي
اتصلنا على مدير الإدارة العامة للحج والعمرة أحمد سر الختم وسألناه عن الضوابط التي تحكم إسناد الحج والعمرة لوكالة ما فقال: كل الضوابط المتعلقة بالضوابط والتصديق والخدمات صدر بها القرار الوزاري لسنة «2013» وأيضًا تنفيذ اللوائح التنفيذية الصادرة من السعودية التي تجعل من الشركة السعودية مسؤولة عن المعتمر مجرد وصوله للأراضي المقدسة مقابل ضمانات مالية مفروضة من وزارة الحج السعودية على الشركات السعودية يقابلها ضمان بنكي على الوكالات السودانية مفروض من الإدارة العامة للحج والعمرة على الوكالات». إذن ما هي العقوبات التي تصيب وكالةً ما إذا لم تلتزم بتلك الضوابط واللوائح وقصرت في تقديم الخدمات؟ يجيب سر الختم بأن العلاقة بين المعتمر والوكالة يحكمها عقد والإدارة في إعلانها الأول أكدت على المعتمر أن يحمل معه ذلك العقد وبمجرد إبرازه لوزارة الحج السعودية تلزم الشركة بتقديم الخدمة خصمًا على خطاب الضمان المودع لديها. وأردف: «نحن طبعنا ملخص العقد على مؤخرة الجواز ولدينا لجنة شكاوى تنظر في الشكاوى طوال العام بموجب القرار المنظم للحج والعمرة».
الاراضي المقدسة: هويدا حمزة:الانتباهة