من المسؤول عن المذبحة في مصر ؟
تحميل وزارة الداخلية المصرية المسؤولية لأنصار مرسي عن بدء الهجوم والمبادرة لاطلاق النيران على قوات الأمن لا يعفي هذه القوات من مسؤوليتها عن هذا الفعل الخطير.
كما ان التفويض الذي حصل عليه نائب رئيس الوزراء المصري ووزير الدفاع عبد الفتاح السيسي من المصريين الذين تظاهروا في ميدان التحرير وساحات المدن الأخرى المصرية لا يعني، ولا يمكن ان يعني، رخصة باطلاق النار على المتظاهرين.
هذه الأحداث المؤلمة لا تفعل غير توسيع الهوّة المظلمة التي يتجه اليها الشعب المصري ومؤسساته السياسية والعسكرية، وهي تدلّ على الاستعصاء المستحكم بين الاسلاميين والقوى الأخرى التي كنا نفترض ان المصريين قادرون على حلّه وفتح الطريق نحو تأسيس دولة حديثة بمؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية تحترم البشر الذين هم الأساس المكين الذين تقوم عليه كل المؤسسات.
لا يمكننا مع ذلك ان نتجاهل ان الأمور ما كانت لتسوء الى هذه الدرجة المفزعة لولا تفاقم الانقسام العمودي الذي أدت اليه أخطاء الفترة التي حكم فيها الرئيس المصري المعزول محمد مرسي.
يمكن اعتبار ترشّح الرئيس المصري المعزول للرئاسة فاتحة هذا الانقسام لأنه نكث بوعود جماعة الإخوان بعدم الترشح للرئاسة.
لقد وعد الرئيس المعزول في ما يسمى باجتماع فندق فيرمونت في القاهرة قبل الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية القوى السياسية الملتفّة حوله لمنع فوز شفيق بحكومة وحدة وطنية تشارك فيها كل القوى السياسية، وهو وعد تمّ الحنث به.
وحين تمّ للجماعة الحصول على منصب الرئاسة كان خطأ الرئيس المعزول وجماعة الاخوان تجاهل حقيقة ان حفاظ مرسي على كرسيّه، الذي فاز به بفارق ضئيل من الأصوات ضد مرشّح مؤسسة الجيش احمد شفيق، يستوجب خطّا استراتيجيا جديداً من الجماعة لكسب بقيّة القوى السياسية المصرية وطمأنة مؤسسة الجيش على مسار هادئ ومستقرّ للحكم في مصر.
كان انتخاب مرسي لحظة تاريخية كبيرة سانحة للرئيس المعزول للخروج من ظلّ الحزب السياسي الذي خرج منه ليكون رئيس المصريين جميعهم، كما كانت تلك مناسبة أكبر للاخوان المسلمين للخروج من قوقعة الجماعة التي تعاني من رهاب الاضطهاد والرغبة في التسلّط لتعويض عقود من القمع الذي عانى منه اعضاؤها.
كان انتخاب مرسي ايضا فرصة لا تعوّض لتقديم نموذج في انفتاح الاسلاميين عموما، وللمصريين دور قيادي بينهم، على القوى القومية والليبرالية والوطنية في مصر والعالم.
بدلاً من ذلك اختار الرئيس المصري البقاء تحت ظلّ مرشد الجماعة، وفهمت الجماعة صمت مؤسسة الجيش على تمدد نفوذها داخل اجهزة الدولة المصرية قبولا بتحالف ضمني بين الطرفين، او قبولاً ملزماً بدورها الذي تغطّيه شرعية الانتخابات والعلاقات الدافئة المستجدة مع الادارات الامريكية والغربية، ولم يخل الأمر من مغازلات خفيفة مع الاسرائيليين.
القوى السياسية المصرية التي اتحدت بوجه الأخوان المسلمين، مدعومة باتجاه شعبي كبير محبط من التراجع الاقتصادي والسياحي المصري، ومن انسداد الأوضاع السياسية، تتحمل أيضا مسؤولية الدم المراق هي الأخرى، لأنها، بدل اللجوء للاعتصامات والتظاهرات ووسائل النضال المدني السلمي، دفعت باتجاه اسقاط حكم الاخوان المسلمين عبر طرق غير ديمقراطية وزيّنت للمؤسسة العسكرية قرار الاستيلاء على السلطة بالقوة.
هذا الاستقطاب الحاد سيجعل هذه القوى السياسية رهينة للمؤسسة العسكرية وسيؤدي، لو تم اعتماد الحلّ الأمني واستمرت المجازر، الى فقدانها التام لمصداقيتها السياسية.
مصر هي القاطرة السياسية للمنطقة وما لم تغير نخبتها السياسية والعسكرية وجهتها الحالية فان العالم العربي متجه الى كارثة مخيفة.
طريق النصر لا يمكن ان ينفتح عبر المذابح.
القدس العربي
[/JUSTIFY]