ضياء الدين : روعة “كمون” و”شتارة” الطاهر ساتي!
كل شيء في الزيارة كان مُعدّاً ومرتباً بدقة متناهية، تضبط إيقاع الرحلة بالثواني والأنفاس، منذ الهبوط من الطائرة إلى الصعود للمغادرة!
لكن ما رفع حواجب أوباما إلى فوق مستوى التعجب، وأرخى فكه إلى أسفل، حينما وجد على طاولة الطعام أن السكين وضعت على يده اليسرى، والشوكة على اليمنى..!
لم يكن يتوقع الرئيس الأمريكي الجديد، أن رجال المراسم في القصر الرئاسي ببكين يعلمون أنه (أعسر)، يستخدم يده اليسرى وهو على مقعد الرئاسة، لم يَقْضِ أياماً!
ودهشة أخرى أصابت المدعوِّين لاحتفال مجموعة كمون للحلول المتكاملة أمس، حينما وجدوا مع رقاع الدعوة الأنيقة تعهداً يلتزم فيه المدعوُّ بالحضور الشخصي!
الوزيرة إشراقة محمود قالت إنها تفاجأت حينما وجدت الدعوة مكتوبة على ضمير التأنيث، فظنت أنها دعوة مقتصرة على النساء فقط، ولكنها اطّلعت على دعوة أخرى، قدمت لرجل فوجدتها مكتوبة بصيغة التذكير!
مجموعة شبابية تتراوح أعمارها بين 20 إلى 35 عاماً، تقوم على عمل متكامل في الإعلام والعلاقات العامة والأبحاث والدراسات، لا تملك إلا أن تقف أمامها بتقدير وإجلال، نجاحها تجاوز السودان، لتفوز بجائزة عالمية في التميّز والجودة بألمانيا.
حينما استمعت قبل ست سنوات للفكرة من مديرها العام الأخ يوسف محمد الحسن، الذي وضع قدمه اليمنى قبل سنوات قلائل على مدرج الثلاثين، نصحته بأن يداري على شمعته من رياح الحسد والغيرة.
للأسف في السودان توجد باكتريا نشطة يستفزها التميز والنجاح وتسعد بالفاشلين!
نعم، الحالة ليست سودانية، فقد قال العالم المصري أحمد زويل : (الأوروبيون ليسوا أذكى منا، ولكنهم يقفون ويدعمون الفاشل حتى ينجح… أما نحن فنحارب الناجح حتى يفشل)!
مجموعة كمون واحدة من تجارب النجاح المؤسسي النادرة، وأوضح ما في تجربتها أنها ترسل رسالة على بريد الوعي السوداني العام (دعوا الشباب يتقدم).
العقول المتكلسة الباردة لا تقدم جديداً، فهي لا تحلم، لأن أجمل أيامها وراء ظهرها، ولا تتخيل، لأنها تخشى من غد الشيخوخة والتنكيس في الخلق، ولا تنظر للأمام، لأنها تتحسب لما تحت أرجلها، فهي تخشى السقوط!
قالها الدكتور عصام أحمد البشير أمس في كلمة بديعة: (ما لا يتجدد يتبدد، وما لا يتقدم يتقادم)، عصام مع روعة كلمته ونضارة تعابيره، لم يوفّق في تشبيه الحضور في احتفال كمون بالنسوة اللواتي قطَّعن أيديهن لمرأى يوسف عليه السلام!
سرُّ نجاح تجربة كمون وتجارب أخرى مثل تجربة أسرة داوؤد عبد اللطيف، أنها تجارب تتم في سياق رؤية كلية محكمة شديدة العناية بالتفاصيل.
كل شيء في احتفال كمون، كان محسوباً بدقة تقارب دقة الصينيين على طاولة غداء أوباما الأعسر.
بعضهم يملكون الرؤية، ولكن تهزمهم التفاصيل، وآخرون يغرقون في التفاصيل، فلا يصلون إلى برِّ الإنجاز!
مشاريع كبيرة فشلت أو تعسّرت لأسباب صغيرة جداً!
كباري وأنفاق بلا مجارٍ لتصريف المياه!
مصنع يتعطل تشغيله لعدم الحصول على الباسويرد!
طائرة رئاسية تمنع من عبور دولة، لعدم وجود ورقة تصديق دبلوماسي!
انقلاب يفشل لضياع مفتاح مخزن إبر المدرعات!
الشيء الوحيد الذي كان خارج التوقع والحسابات، (شتارة) جاري على اليسار في هذه الصفحة، صديقي اللدود الطاهر ساتي، الذي قام للتبشير لمغني الحفل، فقام معه الجميع من مقاعدهم، وكان ذلك بمثابة إعلان ختام قبل الموعد المحدد، ولم تُجْدِ دعوات الانتظار لدقائق!