رأي ومقالات

فضل الله رابح : توجيهات الرئيس ولعنة دارفور !!

[JUSTIFY]وجَّه رئيس الجمهورية المشير عمر البشير بدعم جهود استتباب الأمن والاستقرار بين مكوِّنات المجتمع في دارفور، وأعرب البشير عن أسفه لدى لقائه والي شرق دارفور د. عبد الحميد موسى كاشا من الذي حدث بين قبيلتي الرزيقات والمعاليا، وكان كاشا قد أطلع السيد الرئيس على الأحداث التي جرت وما تم من جهود لاحتوائها، لكن اللافت في حديث كاشا أن ما جرى كان مفاجأة بالنسبة لهم في شرق دارفور الولاية الوليدة الجديدة التي كانت من أكثر ولايات دارفور الخمس استقراراً وأمناً!.

أولاً لا بد من صوت شكر خاص للذين بذلوا جهداً في إطفاء نار الحريق والفتنة التي لم تبدُ مفاجئة كما نطق والي شرق دارفور لأن شرارتها كانت متقدة والمعلومات متوفرة عن نية المتمردين الاستفادة من جذوة النار الموجودة لإشعال الحريق لكن الجهود الاستباقية كانت ضعيفة بل لم تكن موجودة أبداً حتى أسقط الفأس على الرأس، وأي عاقل كان يعلم أن مؤامرة خبيثة يجري الإعداد لها وأحكمت حلقاتها سيما بعد عودة جزء من حركات التمرد من دولة الجنوب وبدأت تتجمع في شرق دارفور، غير أن العقول المجمدة تجاهلت المعلومات لحقيقية أن المجتمع محصن بإرادة أهلية هي الأخرى أصابها ما أصابها من فتن الزمان وما يُشاع من ظلامات مزمنة في الأرض والثروة والسلطة سواء كان فعلاً واقعاً أو مزعوماً!.

تحيَّة مستحقَّة إلى والي شمال دارفور الأستاذ عثمان محمد يوسف كبر الذي استشعر الهم الوطني والدارفوري وأخذ على نفسه عهداً ورابط هو وآخرون في مدينة الطويشة وقبلها ذهب لكل الأطراف من القبيلتين وسط الرصاص ورائحة الموت والأجساد البشرية المتناثرة، استطاع كبر تحقيق نصر كبير بتقريب وجهات النظر وإبرام الصلح وإطفاء نار الفتنة وبذلك أحرج الكثيرين من التماثيل السياسية التي تحطمت أمام إرادة السلم ولحظِّهم العاثر جاء التوفيق ووقف الاقتتال على يد «كبر» الذي فعل كل ذلك في صمت لإحساسه بآلام وبكاء أولئك الضعفاء الذين فقدوا آباءهم وشبابهم في معارك لا طائل منها سوى فقد الأنفس والثمرات وإحراق الحرث والنسل.

ما تم في شرق دارفور لم يكن مفاجأة ولكنه تكرار لما جرى في منطقة جبل عامر بشمال دارفور وهي ضربات متتالية من أعداء السلام والاستقرار لمجتمع دارفور المضطرب مستفيدين من عجز بعض الحاكمين لضرب الحكومة وخلق بلبلة داخلية وعدم استقرار، كما أن بعض القيادات السياسية والغة في الصراع والضحايا الذين خلفهم هذا الصراع غير الفاتورة الباهظة للحرب من كل الأطراف.

إذا كانت الحكومة قد تعودت على امتصاص ضربات خصومها السياسيين المباشرة فإنهم تحولوا لضربها في مواضع أكثر وجعاً وهو المجتمع والاستفادة من أصداء النزاعات القبلية إعلامياً وتسويقها بأن الحكومة هي التي ساهمت في تلك المجازر، نعم هي أسهمت بقدر كبير لأنها لم تنصب محاكم عدالة ناجزة في دارفور لمعاقبة وردع كل المتسببين في النزاع الأهلي حتى ولو كانوا أمراء قبائل وقادة إدارة أهلية أو سياسيين يجب محاسبة كل من تسبب أو ساهم في إراقة دماء البسطاء في ربوع دارفور.

الحرب في دارفور فعلت فعلتها لا محالة، وجاءت الاتفاقيات في أبوجا والدوحة وغيرها ولم ترحنا من الذي يجري في دارفور ولا يزال المسلسل مستمرًا، فلا بد من تفكير بصورة عميقة لوضع مصفوفة سياسية تحمل في طياتها تفويضًا يضرب عش الغراب الذي يغذي الأزمة، وهذا في تقديري بحاجة إلى عقلية دبلوماسية أكثر من أنها سياسية تفاوضية، بالطبع نحن بحاجة إلى تنسيق دبلوماسي أمني كبير يفهم كيف يخاطب القضية ويجتثها من جذورها لأن الحرب لها حلفاء دوليون يغذونها بالفكر والمال والرؤى التي تديرها.. وبالتالي كيف نفهم أن إسرائيل ترحِّل خمسين ألف سوداني وإريتري من طالبي اللجوء السياسي إلي يوغندا؟! المعلوم أن أي مهاجر غير شرعي الدولة تعيده إلى بلده الأصلي!! لكن واضح أن هؤلاء ضمن منسوبي الحركات المتمردة والذين سهلت لهم عمليات الهجرة الممنهجة إلى إسرائيل ونالوا تدريبات عسكرية في حرب العصابات وتم الدفع بهم لتقوية صف المعارضة المسلحة، وأعتقد هذا أقرب تحليل منطقي للواقع.

الواضح أن السلطة الإقليميَّة في دارفور متردِّدة في مخاطبة الحركات الرافضة لا أدري لماذا ولكن الذي قام به كبر مثلاً هو دور طبيعي يُفترض أن يؤديه الدكتور التجاني سيسي لكنه لم يفعل لماذا؟ لا أحد يعلم! أما مصفوفة المشروعات التنموية التي دشنتها السلطة الإقليمية بحضور النائب الأول لرئيس الجمهورية ضمن إستراتيجية تنمية دارفور لن تحل المشكلة وحدها ولن تصبح حافزاً لأحد لأن الثقة مفقودة في مخاطبة القضية وهذا فعل أشبه بمسح الجرب على الصوف كما يقول المثل الشعبي السوداني الشهير!.

هذا العمل التنموي الكبير بحاجة ضرورية لغطاء سياسي يجنبه المقصات الاجتماعية والسياسية التي أصبحت مقلقة في دارفور لأن أياً من يقوم بعمل لا ينظر له الناس سوى أنه يريد حماية نفسه والدعاية لها ولا يرون فيه مصلحة دارفور الكلية نسبة لانعدام المصداقية وغياب المنهج في سير الأحداث والحلول بدارفور بحاجة الى أن يتجرد أبناؤها من مظاهر الوجاهة السياسية وتصبح مبادراتهم ملتقى للكل حتى يبعدوا عنها شبح النكسة ويعيدوها سيرتها الأولى وتعود دارفور التي عُرفت بكرمها وقرآنها وطيبة إنسانها. لا يُعقل أن يصبح أهل دارفور أكثر حماساً إلى قتل أنفسهم تحت نيران مدافع الرباعي والدوشكا وهرساً تحت لساتك العربة التاتشر أكثر ممّا هو شائع في تلك الفيافي الشاسعة، حاضر دارفور اليوم دكّ كل ماضيها وهي بحاجة إلى بحار ومحيطات حتى تغسل ما لحق بها من أوساخ وتعود هانئة مستقرة ويذهب من أهلها شبح الخوف والمحاذير من القنابل والحرب والدماء والموت على الطرقات وحواف المدن.

العنف الذي يمارَس في دارفور يجب أن يحرك كل ضمير وقد ظلت الدولة على رأس قمتها رئيس الجمهورية تتحدث بإشفاق عن الحروب القبلية وضرورة احتوائها، هذا يحتم على أهل دارفور بعمل وطني خالص يفضح المتاجرين بقضيتهم ويحجبوا عنهم كل الآليات التي سوقوا بها للقضية حتى برروا لأنفسهم تلك الأفعال الشنيعة التي يرتكبها البعض في دارفور تحت غطاء قبلي أو سياسي أو مطلبي وهي كلها لافتات وقضايا غير مبرئة للذمة وليست ضرورة تستحق أن تُراق بسببها الدماء البريئة!

صحيفة الإنتباهة
[/SIZE][/JUSTIFY]