تحقيقات وتقارير

الانشقاق المدوِّي بحركة خليل .. اللبنة الأخيرة في صرح السلام

في وقت قريب وبُعَيد اكتمال التوقيع على اتفاق الدوحة للسلام بين الحكومة وفصيل منشق من حركة العدل والمساواة برئاسة صالح جربو وأركو ضحية، أبدى الكثير من المتابعين تفاؤلهم بأن السلام في دارفور في عتبته الأخيرة بلا محالة عقب تلك الخطوة التي انحاز الكثيرون فيها من مقاتلي وقادة العدل لركب السلام كأكبر عملية انشقاق شهدتها الحركة منذ إنشائها، ولكن فرحة التوقيع بالسلام لم تكتمل إذ انبرت المجموعة الرافضة لهذه الخطوة وقامت بتصفية قادة المجموعة المنضمة للسلام كل من جربو وضحية. العملية التي رسمت واقعاً أسود لمستقبل دارفور وأدخلت مجدداً خوف عدم الالتفاف حول مقررات السلام خاصة أن عملية التصفية قُرئت بأنها اُرتُكبت في المنشقين لتخويف الذين تراودهم فكرة الانشقاق والانضمام لخيارات السلام المفتوحة، مما أدى بدوره لمزيد من حالات التشظي والانفلات الأمني الذي عم ولايات دارفور الخمس الشهور الماضية، وعادت من جديد حالة اللا سلام ولا أمن تسيطر على المناطق المختلفة مما أدى بدوره إلى حالات كثيفة من النزوح هربًا من الواقع المأساوي الذي يعيشه الإقليم. ورسم ذلك حالة من اليأس وسط المهمومين بقضايا الأمن والسلام في الأوساط المحيطة بالشأن السوداني من الدول والمنظمات والهيئات الراعية للسلام وتداعياته إفريقيًا ودوليًا وإقليمياً. ولكن الخبر الذي تناقلته صحف ووسائل الإعلام أمس بالخرطوم حول انشقاق مجموعة جديدة من العدل والمساواة بقيادة كل من إسحق عبد الله وقماش محمد أبكر عن حركة العدل والمساواة قيادة جبريل إبراهيم بمعية أكثر من 2 ألف جندي وانضمامهم للعدل والمساواة الموقِّعة على السلام بقيادة بخيت دبجو، كان له مفعول السحر في الواقع الدارفوري خاصة أن الخطوة تأتي في ظل ظروف بالغة التعقيد. وقالت المجموعة المنشقة إنها أعلنت انشقاقها نسبة لما وصفوه بالتهميش الذي وجدوه، فيما أكد أحد قادة الانشقاق وهو قماش محمد أبكر أنهم انضموا للسلام بقوة عسكرية كبيرة شملت «2737» جنديًا و«15» عربة لاندكروزر يقودها عشرة قادة كبار من مناطق مختلفة.

وحول الأمر وإمكانية إحداث اختراق كبير في ملفات سلام الدوحة بانضمام المزيد من القيادات الرافضة لاستمرار الحرب ونزيفها في دارفور وما إن يحدث ذلك في القريب العاجل أو غيره أكد الخبير العسكري الأمين الحسن أن الحركات المسلحة وعقب التداعيات الكثيرة لمحاصرتها والتمرد من قبل الحكومة بفتح أبواب الحوار وأخرى بالاتفاقيات الثنائية الدولية مع دول الجوار والهيئات الدولية والأممية، بات في حكم المؤكد أن يحدث اختراق حقيقي في هذا الملف خاصة أن دواعي وبواعث التمرد قاربت أن تطوى بلا رجعة، في الوقت الذي يجد فيه المنشقون عنها والمنضمون لمسيرة السلام التمييز الإيجابي من قبل المجتمع الدولي والحكومة في الخرطوم.

ومن المحفزات للميول للسلام وسط العناصر بكنف الحركات المسلحة تشير بعض الدوائر أن هناك تأنيب ضمير داخل هذه الفئات جراء ما اقترفوه في عملية الفوضى التي عاشتها الولايات الدارفورية مؤخراً بتورط الحركات المسلحة في تعلية النَّفَس القَبَلي على صعيد الإقليم ككل ما أدى إلى وقوع المزيد من الضحايا وسطها ووسط المواطنين الأبرياء في وقت رأى فيه هؤلاء أن مؤتمر الدوحة فرصة ثمينة لإرساء السلام وإعادة المنطقة لعهدها القديم، فيما حمل بعضهم اللائمة للقوى التي دفع بها المجتمع الدولي للإقليم إضافة إلى تدافع القوات الحكومية لقمع رافضي السلام من أبناء دارفور وأكدوا أن ذلك أدى لفقدان الثقة بين كل الأطراف حتى فيما بين الحركات المسلحة نفسها ولكن يقول بعض المحللين إن الفراغ الذي تركته الحكومة للإتحاد الإفريقي وبعثة اليوناميد لمراقبة سلام دارفور هو ما ألحق هذا الأذى بكل المنطقة فبات الفراغ الأمني شيئًا يهدد إنسان الإقليم نفسه بعد أن تبعثرت القوى الأمنية وسط تداعيات وصراع من هو رافض للسلام ومن هو مؤيد له الشيء الذي اعتبره البعض نقطة مجهرية وخطًا فارعًا في الصراع الدائر بين القوات المسلحة وحركات دارفور التي تحمل السلاح.

فيما يرى مراقبون أن هذا الانشقاق بمثابة ضربة كبرى جديدة لحركة العدل والمساواة بعد انشقاقها الأول وفقدان قائدها ومؤسسها خليل إبراهيم وتشير نفس الدوائر أن الحركة بهذا الحال في طريقها إلى فقدان قوتها المؤسسة وعمادها العسكري مشيرين أن ذلك سيؤدي حتمًا لانشقاقات جديدة، ومن المحتمل أن يحدث النهاية المبكرة لها. فيما ربط القيادي بالحركة الموقعة على اتفاق الدوحة للسلام لـ«الإنتباهة» ورفض ذكر اسمه أن فاعلية الحركات الموقعة في إنزال الاتفاق لأرض الواقع كان له الأثر الكبير في إعلان هؤلاء الانضمام لصفوف السلام، ولكنه لفت إلى أن تقصير الحكومة وترددها في إكمال الملف الأمني والخاص بالترتيبات الأمنية أعاق انضمام أعداد كبيرة منهم للسلام معلنين تخوفهم من أن الحكومة غير جادة في إكمال ما بدأته مع هؤلاء«المنضمين للسلام» ودعا القيادي الموقع على السلام الدولة إلى إيلاء مزيد من الاهتمام للملف الذي قرب من أن يضع النهاية لأزمة الإقليم.. فيما يقول القيادي بالعدل والمساواة الموقعة على الدوحة الأولى آدم السنوسي لـ«الإنتباهة» إن ما دفعنا إلى الانضمام لوثيقة الدوحة هو ضرورة إذابة الوجه الجديد الذي بدأت تلبسه دارفور بعد أن تبدل حالها إلى الأسوأ وأنهم قاموا بمحاولة توحيد الصفوف وسط الفصائل المسلحة والحركات المختلفة في العام «2003م» مؤكداً أن أي خطوة تأتي في هذا الإطار يرجع الفضل فيها إلى ذلك النشاط مؤكداً أنه وبعد اطلاعنا على وثيقة الدوحة اقتنعنا بأنها يمكن أن تحقق السلام وتلبي تطلعات أهلنا في دارفور، لذلك لم أستبعد انضمام الكثير من قيادات الحركات المسلحة والالتفاف حولها وتحويلها إلى واقع حقيقي يعيشه الإقليم ويرسي السلام والأمن والاستقرار في دارفور.

صحيفة الانتباهة
عبد الله عبد الرحيم