البحث عن الدوحة فى أروشا ..!
لم يكن فقط هذا هو الغريب والمريب، ولكن الغريب حقاً أن قادة الحركات الدارفورية المسلحة ورغم كل ما يتظاهرون به من رفض للتفاوض وإصرار على القتال حتى تحقيق النصر، بدوا كغزلان وديعة أمام منظمي المحادثات والذين هم من الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وبريطانيا والنرويج مع وجود أعضاء مراقبين من الاتحادين الأوروبي والإفريقي.
فعلى سبيل المثال فإن جبريل إبراهيم زعيم (ما تبقى) من حركة العدل والمساواة، حرص على المشاركة. بل إن جبريل -ولفرط سعادته بها- صرّح عقب انفضاضها بأنها كانت مثمرة، وحين سُئل وكيف كان ذلك، قال إنها (أتاحت للحركات المسلحة لقاء المجتمع الدولي وعكس وجهة نظرها)! وهي جملة سياسية متواضعة للغاية تعكس مدى حاجة هذه الحركات المسلحة لمن (ينقذ ماء وجهها)! ليس ذلك فحسب ولكن جبريل مضى ليقول إن الحركات الدارفورية المسلحة (ليس لديها الخيار) وأن المحادثات تعطيها وقتاً لترتيب أوضاعها!
كان واضحاً أن الحاضرين (حركة جبريل ومني مناوي) يستشعرون ضعفاً ووهناً سياسياً وعسكرياً مهلكاً لذا سارعوا الى الحضور. غير أن قلة الكادر السياسي للحركتين وضعف بنائهما التنظيمي جراء الانسلاخات والانشقاقات المتتالية أضطرهما لاصطحاب أقرباءهم من عضوية الحركة، فالمتمرد مني ميناوي على سبيل المثال اصطحب 5 من أقربائه المغمورين وغير المعروفين على مستوى الحركة، أما جبريل فقد جاء معه سليمان جاموس وبيديه جواز لجوء صادر من سلفينيا، ونجم الدين موسي ومعه جواز سفر بريطاني، ثم سيد شريف بجواز سفر هولندي وأحمد تقد بجواز بريطاني! ولم يصل من قادة الميدان سوى عامر اللِّكة.
وكان واضحاً غلبة إثنية الزغاوة على الوفدين رغم وجود قادة ومنسوبين لها من اثنيات أخرى الأمر الذى أثار الحنق داخل الحركتين. أما ما دار من نقاش فلم يتجاوز الوضع الإنساني والبحث عن منبر جديد للتفاوض خارج سياق الدوحة.
وعلى ذلك يمكن إجمالاً القول أن محادثات أروشا فى جوهرها لم تكن سوى محاولة للبحث عن (استسلام) من جانب الحركات الدارفورية المسلحة ليس للحكومة السودانية مباشرة وإنما للوسطاء المتمثلين فى الدول الأوربية والولايات المتحدة ولعل الدافع الهام الذى فرض نفسه هناك هو شعور قادة الحركات المسلحة بأن الثورية قد بلي ثوبها وماتت إثر الضربات العسكرية التى تتالت عليها ومن العسير على هذه الحركات أن تستمر فى عملها الميداني منفردة للنقص الحاد فى التمويل، والنقص الأشد حدة فى رغبة الأفراد فى القتال جراء صعوبة الحركة وصعوبة الحصول على الدعم والمخاوف التى بدأت تطل على هذه الحركات من أن ينهار قطاع الشمال مع بداية عودة ضباط كبار من الفرقتين 9 و 10 من الميدان الى الداخل.
لقد كان جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي يبحثان فى (جيب) منظمي المحادثات عن (بقشيش سياسي) أو شيء من الدعم أو إخراج من الورطة.
سوان سفاري
[/JUSTIFY]