سيناريوهات دارفور .. تأجيل العرض
والمتابع لحالة الطقس السياسي يجد ان السودان لم يكن بمعزل عن المشهد، فالخرطوم التى كانت ترغب في التوجه فى بداية العام الجديد نحو طاولة الدوحة بحثاً عن تسوية نهائية للنزاع فى دارفور، بجانب ترقبها الحذر لقرارات المحكمة الجنائية، نفضت كل ما يعتريها وسارعت بالخروج للشوارع وإدانة ما يحدث فى غزة.
—–
وعبر الرئيس البشير عن قلقه لما يحدث وقال:(ما يؤسف له أن هذه الجرائم ترتكب أمام بصر ونظر العالم دون أن يحرك ساكنا من جسد المجتمع الدولي، نتيجة للتواطؤ المفضوح من قبل الدولة العظمى في العالم الولايات المتحدة الأميركية التي بلغت بها الجرأة لتبرير هذا العدوان وإجهاض أي تحرك في مجلس الأمن لإدانته والعمل على وقفه). واشار صراحة الى ان التحرك العربي الرسمي سواء على مستوى وزراء الخارجية أو على مستوى القمة إن تم ، إنما يصب أيضاً في مصلحة تنفيذ غايات العدوان دون بذل أي جهد عربي يذكر للحيلولة دون ذلك.
ويري مراقبون ان احداث غزة الاخيرة سحبت الاضواء تماما عن قضية دارفور، وتسببت فى انشغال العالم عنها لوقت قد يطول او يقصر مع الاحداث واستمراريتها، وفى الذهن مازالت حرب لبنان التى استمرت اكثر من شهر.
ما طرأ فى غزة خلط اوراق الدوحة التى كانت ترتب لمفاوضات دارفور، فدفعت بملف دارفور جانبا، وسارعت للدعوة رسميا لانعقاد قمة عربية طارئة لمناقشة تصاعد الأوضاع فى غزة. وكشفت الجامعة العربية عن انه يجري تعميم الطلب القطري على الدول الأعضاء، و أن ثمة مشاورات لا تزال جارية. وقد جدد امير قطر الدعوة لعقد قمة عربية طارئة خلال خطاب ألقاه واشار فيه الى ان المشكلة ليست في القمة ولكن في الارادة العربية الرسمية.
الجامعة العربية الراعية لمفاوضات الدوحة لتسوية النزاع فى دارفور، والداعمة للخرطوم فى مواجهتها للمحكمة الجنائية انشغلت فى موجة احداث غزة وتوحيد الموقف العربي، عن مساندة الخرطوم فى ما يقابلها.
وقال مسؤول بجامعة الدول العربية فى تصريحات تناقلتها وسائل الاعلام ان اجتماع اللجنة العربية الافريقية المشتركة بالدوحة قد تأجل من الاحد الماضى الى الثانى عشر من هذا الشهر بسبب احداث غزة. وكان من المقرر ان تطمئن اللجنة المشتركة على آخر الترتيبات القطرية لانجاح المفاوضات، إيذانا بانطلاقها.
وتتحدث مصادر مطلعة عن ان قطر طلبت تأجيل الاجتماع لسفر رئيس وزرائها ووزير خارجيتها الى نيويورك لحضور اجتماع مجلس الامن الدولي الذى يبحث عن تهدئة الاوضاع فى غزة.
ويذهب مراقبون الى ان تصدر احداث غزة لاجهزة الاعلام اثر بشكل مباشر على الخرطوم، وهذا التأثير قد لا يعنى بالضرورة اضعافاً لموقفها.
ويشير د. آدم محمد احمد (استاذ العلوم السياسية) الى تأثير احداث غزة بشكل مباشر على السودان فيما يتعلق بملف مفاوضات دارفور بالدوحة، وملف الجنائية. ويري د.آدم ان تأخر مباحثات الدوحة يأتى لانشغال الجامعة العربية ودولة قطر بما يدور فى فلسطين. ويضيف ايضا ان خطف غزة للاضواء قد يتسبب فى تأخر صدور قرار الجنائية عن موعده فى الايام القادمة.
ويشدد د.عبد الله بدري القيادي بالمؤتمر الوطنى على ضرورة الا تسحب ألاحداث الساخنة فى غزة البساط كليا من السودان. ويضيف ان الوقوف مع الخرطوم هو وقوف مع غزة ضد الاستهداف والظلم الخارجي.
ويعتبر بدري ان احداث غزة الاخيرة كشفت بجلاء ازدواجية المعايير عند المجتمع الدولي الذى تسيره الولايات المتحدة. ويزيد الرجل ايضا ان ما يحاك ضد السودان تحركه اطماع سياسية بعيدة كل البعد عن مزاعم العدالة.
غير ان د.آدم يلفت النظر الى ان الهجوم الاسرائيلي على قطاع غزة جعل الدول العربية تصطف بشكل يبدو قريبا لما حدث إبان حرب الخليج الثانية. ويضيف الرجل ان مواقف الخرطوم تجاه الاحداث جعلتها قريبة مما يسمي بمحور الشر (حماس،حزب الله، ايران). مما قد يفقد السودان دعم بعض الدول العربية على المستوى الرسمي على حد تعبيره، خاصة فيما يتعلق بملف الجنائية. ويمضي د.آدم فى حديثه، ويشير الى ان الشعوب العربية مشغولة تماما بما يحدث فى فلسطين مما يفقد الخرطوم جزءاً من اهتمام وتضامن تلك الشعوب.
وينحو د. بدري نحواً مختلفا وهو يقول ان الشارع العام اصبح معبأ ضد ازدواجية المعايير، مما يعزز حظوظ الخرطوم فى مواجهة ادعاءات المحكمة الجنائية ويكسبها سندا قريبا من الذي حظي به الفلسطينيون.
محمد عبد العزيز :الراي العام [/ALIGN]