تحقيقات وتقارير
احتفال ملكال.. هدوء يرافق العد التنازلي للاتفاق

ويتزامن الاحتفال، مع توترات سياسية فجرتها اتهامات المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس الجمهورية وزعيم المؤتمر الوطني الذي هو الشريك الاكبر في عميلة تنفيذ اتفاق السلام، ووسط تكهنات واسعة بشأن تأثير قبول قضاة المحكمة الجنائية لمذكرة المدعي العام لويس مورينو اوكامبو، على مسار الاتفاقية التي تبقى من فترتها الانتقالية عامان، كما يأتي الاحتفال في وقت تستعد البلاد لخوض الاستحقاق الانتخابي المقرر ضمن بنود الاتفاقية منتصف هذا العام، رغم عدم التحقق حتى الان من اتفاق الشريكين على تنفيذ هذه المرحلة تحديدا من اتفاق السلام، مع ان المؤتمر الوطني أعلن في اكثر من مناسبة اصراره على اجراء الانتخابات في موعدها.
وشاركت الحركة الشعبية في الاحتفال بمرور اربعة اعوام على اتفاقية نيفاشا، بعد زيارة مهمة قام بها زعيم الحركة رئيس حكومة الجنوب الى واشنطن، حيث بحث مع الرئيس الامريكي، الذي تنتهي فترة ولايته قريبا، سير تنفيذ الاتفاقية التي دعمتها الولايات المتحدة بقوة خلال المحادثات التي جرت بضاحية نيفاشا.
كما يكتسب احتفال هذا العام أهميته، من اقتراب موعد اجراء عملية الاستفتاء حول حق تقرير المصير للجنوبيين، وهي الخطوة الأخيرة في مراحل اتفاق السلام، ويتصل ذلك باتفاق الشريكين على قانون الاستفتاء، وهي من القضايا المرشحة لأن تكون في مقدمة مهام الطرفين في هذه السنة.
والى حين العبور بالاتفاقية الى مرحلتها الاخيرة، ما تزال العديد من القضايا عالقة بين الشريكين، على صعيد النزاع حول منطقة أبيي، التي رهنت معالجتها بخارطة طريق للتهدئة، واللجوء الى محكمة العدل الدولية بلاهاي لفض النزاع، لكن التوتر ما يزال يخيم على اجواء المنطقة.
ولم يحسم الشريكان حتى الان خلافاتهما بشأن بعض القوانين المراد تعديلها أو الغاؤها لتتلاءم مع الدستور الانتقالي، وما يزال الخلاف بشأن قانون الامن الوطني محتدما، فيما انهى البرلمان دورته المعتادة دون اجازة هذه القوانين، على الرغم من اتفاق باستدعاء نواب البرلمان في اي وقت لمناقشة الموضوعات التي لم تحسم خلال الدورة العادية.
وفي جنوب كردفان، تقول التقارير ان الاوضاع وصلت حدا مخيفا، نتيجة الاخفاق في تطبيق البروتوكول الخاص بالمنطقة، فقد تداعى الأمن وشاع الاستياء، ويُعدّ الفشل في تطبيق أحكام الاتفاقيّة للمناطق الانتقاليّة أي كردفان الجنوبيّة، النيل الأزرق، وأبيي، سبباً يُقوّض مصداقيّة اتفاقيّة السلام كإطار عمل منطقي لتسوية نزاع دارفور وغيره من النزاعات المماثلة.
ودعا تقرير الى انه يجب على القوى العالمية ان تصعد جهودها من اجل ضمان تنفيذ اتفاق السلام، وحذر من ان انهيار الاتفاق يمكن ان يؤدي الى أزمات على نمط دارفور، تنشب في اماكن اخرى في البلاد.
ورأى تقرير نشرته أمس مؤسسة تشاتام هاوس، وهي مركز ابحاث مقره لندن في الذكرى السنوية الرابعة لتوقيع الاتفاق، ان اتفاق السلام وصل الى منعطف خطير.
وقال التقرير، ان أي انهيار للاتفاق سيكون له اثار مدمرة على السودان بأكمله، مضيفا ان هذا البلد المنتج للنفط يواجه مخاطر جمة من التفتيت .
واضاف التقرير «التقاعس الان يمكن ان يؤدي الى نوع من الانهيار الذي شوهد في دارفور وان الوقت والفرص تنفد».
وقال التقرير انه لم يتم التوصل الى حل بشأن القضايا الجوهرية مثل وضع الحدود بين الشمال والجنوب. ومن الامور المجهولة الاخرى مسألة ما اذا كان الرئيس سيواجه مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية .
وجاء في تقرير تشاتام هاوس، الذي اعده ادوارد توماس، وهو خبير في تاريخ وسياسة السودان، ان أزمة دارفور حولت الانتباه الدولي عن اتفاق السلام الذي تم التوصل اليه في عام 2005م.
وقال التقرير، ان الاطراف الدولية التي أيدت اتفاق السلام تحتاج الى «اعادة الالتزام على وجه السرعة» للمساعدة في تأمين تنفيذه.
واضاف التقرير، ان «الالتزام الدولي «باتفاق السلام» يمكن ان يساعد في استمرار السلام بعد استفتاء عام 2011 ، وان يساعد في انتشاره الى دارفور والسودان بأكمله».
في المقابل، فقد تخطى الشريكان العديد من العقبات التي كادت ان تطيح بالاتفاقية في سنواتها السابقة، ففي اخر مناسبة للاحتفال بالاتفاقية، تبادل الرئيس عمر البشير ونائبه الأول رئيس حكومة الجنوب وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان سلفاكير ميارديت ،الاتهامات علنا بشأن المسؤولية عن التأخير في تطبيق اتفاق السلام الشامل.
لكن يبدو لافتا للانتباه، ان الخطابين اللذين القاهما الرئيس ونائبه الأول في الاحتفال الذي أقيم أمس في مدينة ملكال بمناسبة الذكرى الرابعة لتوقيع اتفاق السلام الشامل، لم يظهرا تباينا حادا في رؤية شريكي الاتفاق، بشأن التزامهما باكمال تحقيق السلام والمضي قدماً بمسيرة السلام في الجنوب الى غايتها وأن لا رجعة مرة أخرى للحرب مهما تعاظمت التحديات والصعوبات.
وجاء في خطاب البشير ونائبه، اتفاقا على ضرورة معالجة الأزمة في دارفور سريعا، ويوضح ذلك ان الشريكين مدركان لتأثير الأزمة في الاقليم على اتفاقية السلام، خاصة بعد التطورات التي وقعت في السنة الماضية، عندما تعرضت مدينة ام درمان الى هجوم حركة العدل والمساواة، وتطورت قضية دارفور الى اتهامات محكمة الجنايات الدولية للرئيس البشير.
وكانت الدعوة الى حل أزمة دارفور، من الشعارات الرئيسية التي لوح بها المشاركون في الاحتفال، الذي اقيم باستاد ملكال امس، وردد الجمهور المشارك عبارات تدعو البشير وسلفاكير لمعالجة مشاكل اهل دارفور وايقاف الحرب سريعا.
وتجاوب البشير ونائبه مع دعوات المشاركين، وتعهدا خلال مخاطبتهما الحاضرين بايجاد حلول للأزمة في الاقليم.
وقال البشير في خطابه، ان مسيرة السلام ستصل الى دارفور، معلناً عزم الدولة على صنع سلام حقيقي بالاقليم يجعله في دائرة البناء والتنمية والفعل الوطني الايجابي والبناء.
وتأكيدا على حالة الرضاء لسير الاتفاقية، قال البشير ان اتفاق السلام الشامل يعد اكبر انجازاتنا وهو بحق يعد الاستقلال الثاني، واعتبر ان الاتفاق حقق الحكم الذاتي للجنوب واللامركزية الفاعلة لنظام الحكم، مبينا ان هذا الاتفاق لم يكن ليري النور لولا توافر امرين هامين اولهما تطرق المتفاوضين الي لب المشاكل التي ظلت تؤرق البلاد منذ ربع قرن وثانيهما الروح العالية لفريقي التفاوض لحل كل ما هو عصي ومعقد.
ويبدو ان الشريكين متفقان على اهمية إجراء عملية الاستفتاء لضمان نجاح تطبيق الاتفاقية، فقد حرص البشير وسلفاكير على التنويه الى ضرورة ممارسة مواطنى الجنوب لخيار تقرير المصير، رغم أنهما اكدا على اهمية جعل الوحدة الخيار الجاذب.
كما شدد البشير على التزام حكومة الوحدة الوطنية والمؤتمر الوطني باتفاقية السلام والعمل على انفاذها كاملة، مشيراً للانجازات التي تحققت من بنود الاتفاقية على محاور قسمة السلطة والثروة والدستور والصلاحيات الواسعة التي منحت للجنوب عبر حكومة الجنوب.
ودعا المسؤولون في درجات الحكم المختلفة للتبشير بالاتفاقية ودعم ايجابياتها والتعاون بين الشركاء لاكمال المتبقي منها، وأبان رئيس الجمهورية ان مسيرة السلام ستتمدد الى دارفور، معلناً عزم الدولة على صنع سلام حقيقي بالاقليم يجعله في دائرة البناء والتنمية والفعل الوطني الايجابي والبناء، داعياً للمزيد من التواصل والترابط بين الشمال والجنوب ، معلناً في هذا الصدد توجيهه بالشروع في اقامة مشروعات الطرق الرابطة بين الشمال والجنوب لدعم السلام والوحدة الوطنية، على أن تكتمل هذه المشروعات قبل العيد الخامس لاتفاقية السلام، وشدّد على الدور الكبير لأجهزة الاعلام في دعم التعايش السلمي، واشاعة روح السلام، موجها أجهزة الاعلام بالكف عن خطاب التناحر، معلناً اعتزام رئاسة الجمهورية تأسيس مجلس من رموز المجتمع والطوائف لاعانة الرئاسة على انفاذ ما أقرته الاتفاقية ونص عليه الدستور حول الوحدة الوطنية.
من جانبه، أكد الفريق أول سلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس الحركة الشعبية التزام الحركة الشعبية بالسلام وصدقها وجديتها في بناء وطن متماسك، وأنها لا تزال ملتزمة بعهودها للاتفاقية وقائدها الراحل الدكتور جون قرنق دي مبيور ، وعّبر عن رضاء الحركة بسير تنفيذ الاتفاقية، مشيراً الى ان بعض النقاط تحتاج الى ارادة سياسية لطرفي الاتفاقية لاكمالها، وناشد رئيس الحركة الشعبية ،المانحين الوفاء بالتزاماتهم لدعم الانجاز الأمثل للاتفاق.
وكانت احتفالات العيد الرابع لاتفاقية السلام بملكال قد شهدت تدشين العمل بمحطة مياه ملكال وتوليد الكهرباء وطريق السلام واستاد ملكال، كما شهدت التوقيع على عدد من اتفاقات بدء العمل في تنفيذ مشروعات بتمويل من الصين، شملت طريق ملكال الرنك، كوبري السوباط، طريق ملكال، ومستشفى رمبيك بقروض من الحكومة الصينية لتنفيذ عدد من المشروعات التنموية
خالد سعد :الصحافة [/ALIGN]