رأي ومقالات

عبير زين : الدهّابة .. شباب عائدون بالذهب والدرن !

[JUSTIFY]الدّهابة شبابُ خرجوا مِن حاضر مُقفر وواقع مؤلم للبحث عن مستقبل يرونه مُشرق عله يضئُ ما تبقى من أحلامهم الكسيرة، رأوا جذوةً مِن نار فإتبعوها علهم يسطلون من برد الفقر والبطالة والإحباط، يذهبون بكامل تاجهم (صحتهم) ويعودون فاقدين لهذا التاج وحاملين عِوضاً عنه حِفنات مِن ذهب قد يضطرون لإنفاق أضعافها في رحلة علاج قد تستمر لأعوام ناهيك عن خطر العدوى الذي يُهدد أسرهم ومحيطهم بأكلمه ويٌغير خارطة الوضع الصحي في السودان لأن معظمهم في ريعان الشباب وأوج العطاء.

ما دعاني للتطرق لهذا الموضوع هو إطلاعي على تقرير محلي يوضح إنتشار عدوى الدرن بين (الدهّابه) حيثُ أكدت الإحصائية بروز المرض بين العائدين من مناطق تعدين الذهب العشوائية بالولاية الشمالية، فقد لاحظ الأطباء المختصين في أمراض الصدر وجود ذرات مِن الزئبق والذهب في رئات الكثيرين مِن المترددين على عياداتهم مما يؤكد أنهم من الدهّابه العائدين من مناطق التعدين العشوائي للذهب وهي مؤشر خطير يستوجب التدخل السريع من قبل وزارة الصحة ولاسيما أن جميع المصابين من الشباب حتى لا يتحول الأمر إلى صورة وبائية يصعب محاصرتها مستقبلاً.

مرض الدرن أو السُل الرئوي أو الـــ (TP) ليس بجديد فهو معروفُ مُنذ القدم كأحد الأمراض الفتاكة التي تُهددد حياة البشر والمرتبطة بالفقر والجهل، ويكمن خطره في أنه من الأمراض المُعدية من الدرجة الأولى إذ أنه ينتقل عن طريق رزاز اللعاب المُتطاير من المُصاب سواءً عند العُطاس أو التحدث أو الكُحة.

كان مرض السُل الرئوي مُرتبطاً بالموت المؤكد، فقد كان مُصنفاً ضمن الأمراض البشرية الفتاكة وكان المُصاب يُعزل عن العالم فيهرب منه حتى أقرب الأقربين حتى تواتيه المنية، والآن و رغم توفر العلاج الناجع إلا أن الخطر لا زال جاثماً فطريقة إنتقال المرض لم ولن تتغير مما يجعل الكثيرين عُرضةً له وومما يزيد من الخطر تطور المرض في حد ذاته وظهور نوع مُقاوم للعلاج سُمي بالدرن المُقاوم.

لم أصادف أياً مِن المُصابين بالمرض رغم أن الإحصائيات تؤكد أن منشر جداً في السودان وهذا يؤكد أن الوصمة الإجتماعية للسُل الرئوي لا زالت موجودة في مجتمعنا مما يدفع بالأُسر بالتكتم على مرض أحد أفرادها و تفضيلهم حمل معاناة رِحلة العلاج الطويلة التي تمتد لأكثر من عامين بسرية تامة وتكبد مشقة مصاريف العلاج الباهظة التي تُرهق كاهل الأُسر البسيطة التي تُكابد الأمرين حتى تحصل على رغيف العيش الحاف.

يحتل السودان المرتبة الثانية للوفيات بين الدول العربية وتتصدر ولاية الخرطوم قائمة الحالات المُصابه بالدرن بستة آلاف حالة! بينما تأتي الولاية الشمالية في ذيل القائمة، وقد لا تكون هذه الإحصائية مُستغربة لأن مُعظم الحالات الخاضعة للعلاج تتركز في ولاية الخرطوم، بينما لا تزال البصمة الإجتماعية تحجب الحالات عن الإكتشاف وعن العلاج في الولاية الشمالية ووجود تِلك الحالات الغير مُكتشفه يزيد من خطر الإنتشار خاصةً مع إنعدام الوعي الكافي لكيفية الوقاية لأن العدوى تزيد في مناطق الزِحام و التجمعات البشرية.

لابد مِن تفعيل دور الإعلام ومنظمات المجتمع المدني للعمل على إزالة الوصمة الإجتماعية المُصاحبة للدرن وذلك لتقريب الهدف في الكشف المبكر للمرض باعتبار أنه من الممكن التعايش معه وعلاجه التام حتى و إن طالت مدة العلاج، فحسب تقرير منظمة الصحة العالمية للعام 2012م حصل السودان على نسبة 7% كاملةً من حصيلة الوفيات بسبب مرض الدرن بعدد ثمانية ملايين وسبعة آلاف حالة وفاة في عام 2012م فقط! غير شاملاً الحالات غير المكتشفة وهي من المتوقع أن تكون أكثر بكثير من تلك المكتشفة والخاضعة حالياً للعلاج، وبما أن الإكتشاف و من ثم رحلة العلاج تبدو أصعب بكثير من الوقاية فلابد من إتخاذ التدابير البسيطة لحماية أنفسنا و أطفالنا من إنتقال الأمراض المُعدية عن طريق رزاز اللعاب وذلك بطرق سهلة وغاية في البساطة تجنب التنفس المباشر في مناطق الزحام وذلك بإستخدام كمامات أو مناديل لصنع عازل للرزاز الصادر من الأفواه.

همسة للشباب الباحثون عن الذهب : حافظوا على صحتكم فأطنان مِن ذهب لن تساوى تاجكم الذي تحملون !

همسات – عبير زين[/JUSTIFY]