تحقيقات وتقارير
ملتقى «أم جرس».. لتوحيد الزغاوة أم لسلام دارفور
} (أم جرس) قضية إقليم أم قبيلة؟؟
{ لقاء (أم جرس) الذي جمع الرئيس التشادي «إدريس دبي» بقيادات سياسية وزعامات عشائرية لأفخاذ وبطون قبيلة الزغاوة، يمثل ثمرة لأول جهود معلنة لوزير العدل السلطان «محمد بشارة دوسة» باتجاه ولوج ساحة دارفور من نافذة قبيلة مهمة جداً في معادلة الحرب والسلام في الإقليم!! وطبقاً لمصادر ومعلومات من مراقبين للشأن الدارفوري، فإن الخطوة التي أقدم عليها السلطان «دوسة» جرى تداولها مع القيادة العليا في الدولة، ووجدت دعماً من الرئيس «البشير» وتفويضاً للوزير «دوسة» للقيام بالخطوة، حيث جمع السلطان «دوسة» في النصف الثاني من شهر رمضان الماضي قيادات دارفور في حفل إفطار تبادل فيه قادة دارفور الاعترافات الجريئة بقصورهم نحو قضيتهم وأهلهم.. و»دوسة» مضى نحو توحيد الزغاوة أولاً ومواجهتهم بحقائق مريرة، حيث أصبحت القبيلة متهمة بالتمرد بسبب بعض من أبنائها حملوا السلاح، ليس بتفويض من أحد، ولكن حملهم للسلاح في وجه الدولة وخوضهم حرب السنوات الماضية وضع القبيلة في حيز الاتهامات الجائرة، ولحقت بها خسائر فادحة، وتعرضت لظلم شديد، ونسبت إليها أفعالاً ليست من صنعها كقبيلة، وإن تورط فيها بعض المنسوبين إليها!! وجمع السلطان «دوسة» الأقربين سياسياً للحكومة من أبناء القبيلة.. اللواء «التجاني آدم الطاهر»، والأستاذ «حسن برقو» العائد فجأة إلى ملف دارفور بعد فترة أمضاها في السجون والمعتقلات والأسفار والترحال والتجارة بين الإمارات وقطر وتشاد والكاميرون وجنوب السودان، وقريباً من هؤلاء «بحر إدريس أبو قردة» أحد القيادات الفاعلة في دارفور، ود. «التجاني مصطفى»، إضافة لزعماء الزغاوة من الشراتي والسلاطين والعمد.. وتغيب عن المشهد قيادات كالمهندس «آدم الطاهر حمدون» و«علي شمار» و«صالح عبد الله أمبرو».. ووجدت فكرة ملتقى (أم جرس) هوى في نفس الرئيس التشادي «إدريس دبي» الذي تتربص بحكمه معارضة شرسة قوامها قبائل الساري والقرعان والمسيحيين في الجنوب.. ويطلق على حكم «دبي» من جهة فرقائه حكم (العرب والمسلمين)، بينما العرب والمسلمون يقفون منه في موقع (المتفرج).. الرئيس «إدريس دبي» اتكأ على قبيلته الزغاوة من السودانيين والتشاديين معاً للوصول إلى السلطة والحفاظ عليها.. وعند نشوب الأزمة الدارفورية وجد أن قادة المقاومة أو الثورة أو التمرد، وكلها مترادفات لموصوف واحد تتعدد أسماؤه طبقاً لموقعك منه.. وجدهم من عشيرته الأقربين.. فاحتضنهم وأحسن إليهم.. واستباح المتمردون السودانيون الأراضي التشادية كملاذ آمن لهم.. وحينما شعرت الخرطوم بخطورة الوجود المسلح الدارفوري في تشاد، لجأت إلى تبادل الأذى مع «إدريس دبي» حتى دقت المعارضة المسلحة لـ»إدريس دبي» أبواب قصره في أنجمينا.. وهنا فقط أيقن الرجل أنه (يجازف) بحكم من أجله أنفق أعز ما يملك.. وفي سبيل الدفاع عن «إدريس دبي» سقط ثلاثة من أشقاء رئيس حركة العدل والمساواة السودانية الآن د. «جبريل إبراهيم» دفاعاً عن ابن عمهم.. والآن انقلب السحر على الساحر، وحينما جمع الرئيس «إدريس دبي» بمبادرة من السلطان «محمد بشارة دوسة» ومن خلفه الحكومة السودانية قيادات الزغاوة وخاطبهم بحماس دافق ورغبة عارمة في استقرار منطقة دار زغاوة، ساء موقفه أمام حركتي التمرد بقيادة «مناوي» و»جبريل إبراهيم»، فصدر بيان من «مناوي» و»جبريل» يندد بسلوك «إدريس دبي»، ويتوعده بالويل والثبور وعظائم الأمور وكثير من الشرور لجمعه الزغاوة في (أم جرس)، ومخاطبته للملتقى، وحرصه على الاستقرار بمنطقة دار زغاوة في شمال دارفور وعلى الحدود، وقوله إنه على اتفاق مع الرئيس «البشير» على حل قضية دارفور.. وساءت علاقة الرئيس «دبي» بحركات دارفور منذ اغتيال مجموعة «جبريل إبراهيم» لقيادات من حركة العدل والمساواة على رأسهم «محمد بشر»، واعتبارها تحدياً لتشاد وسلطته واستهزاء غير مبرر من قبل المتمردين.. وبدا للمراقب أن ملتقى (أم جرس) وحّد الزغاوة، وعلى الحد الأدنى، كيف تنأى القبيلة بنفسها عن أجندة غيرها، وكيف تحمي نفسها من مطامع القوى السياسية التي تسعى لاستغلال الزغاوة والوثوب على ظهر القبيلة لتحقيق أهداف عامة لا شأن للزغاوة كقبيلة بها.. ولكن هل وحدة الزغاوة وخروجها من دائرة الحرب تحقق السلام في دارفور؟؟ وهل الحركات المتمردة التي تحمل السلاح تمثل الزغاوة كقبيلة؟؟ بالطبع الإجابة بالنفي، فحركة العدل والمساواة تقودها سياسياً أسرة «خليل إبراهيم» لكنها حركة ذات توجهات سياسية قومية وتضم في عضويتها منسوبين لقبائل شتى من غرب السودان ووسطه وحتى جنوبه قبل الانفصال، ولكن «حركة مناوي» غالب تكوينها من الزغاوة وتدعي أنها ترعى مصالح القبيلة، الشيء الذي أضعفها وعزلها عن بقية المكونات الدارفورية الأخرى، ووضعت الحركتان نفسيهما في مواجهة مباشرة مع حليفهما السابق «إدريس دبي» وقطاع عريض جداً من قبيلة الزغاوة التي لا يمكن دمغها ودمجها في كتلة واحدة لتقول إنها مع الحكومة أو ضدها.. ولكن الخطوة التي أقبل عليها السلطان «دوسة» بتوحيد الزغاوة على برنامج سلام متفق عليه مع المرجعيات الأهلية والعشائرية لهي خطوة مهمة جداً وبالغة الأثر في الإقليم.
} مبادرة «ودعة» أم «السيسي»؟
{ في الأسبوع الماضي فاجأ الوسيط ورجل الأعمال «صديق ودعة» الساحة ببيان مشترك وقعه في كمبالا مع كل من د. «جبريل إبراهيم» و»مني أركو مناوي» كبادرة حسن نية من الحركتين نحو مبادرة الدكتور «التجاني سيسي» رئيس السلطة الانتقالية بدارفور، الذي شكل لجنة من قيادات دارفورية ضمت شخصيات معارضة وحكومية أبرزها الفريق «صديق محمد إسماعيل»، والمهندس «آدم الطاهر حمدون»، والأستاذ «محمد عيسى عليوة» و»نصر الدين محمد عمر»، وأسندت رئاستها لرجل الأعمال «صديق آدم عبد الله ودعة» الذي تربطه كرجل أعمال علاقات واسعة بالمعارضة الدارفورية والحكومات التشادية والجنوبية والأثيوبية.. وبذلك تصبح المبادرة التي ينشط فيها «ودعة»، هي مبادرة للسلطة الانتقالية بقيادة «السيسي» ووجدت الدعم من الرئيس «عمر البشير»، وليست مبادرة خاصة برجل الأعمال «صديق ودعة».. إلا أن شخصية «ودعة» الوفاقية تظل محل تقدير واحترام لقيادات دارفور في الحكم والمعارضة، وكان لدوره في مفاوضات (أبوجا) الأثر الكبير من عودة «أركو مناوي».. وكافأ الرئيس «البشير» الرجل بمنحه وسام ابن السودان البار.. واليوم يفلح في الوصول لاتفاق مع حركتي «مناوي» و«جبريل»، ويرفض «عبد الواحد محمد نور» التوقيع على بيان كمبالا الذي يمثل إعلان مبادئ لعلاقة عامة بين الأطراف، التزم فيه «مناوي» و»جبريل» بتقديم رؤيتهما السياسية للحل كتابة في مقبل الأيام.. ولكن فجأة تطل تطورات ملتقى (أم جرس) ويسود المناخ العام تراشق بين «إدريس دبي» و»مناوي» و»جبريل»، ومن جهة أخرى مبادرة د. «السيسي» التي يحملها رجل الأعمال «صديق ودعة» تسند ظهرها إلى تشاد باعتبارها عاملاً جوهرياً في أية تسويات لقضية دارفور.. وما بين النوايا الطيبة التي أبدتها الحركات وتوقعيها على بيان كمبالا مع لجنة الاتصال الحكومية، وما جرى من تراشق بين الحركات التي تحمل السلاح والرئيس «إدريس دبي»، ثمة علامات استفهام وتساؤلات.. هل تجهض (أم جرس) مبادرة لجنة الاتصال؟؟ أم تدعمهما وتشد من أزرها؟ أم تقضي عليها؟؟ أم تتلازم الجهود وتتحد من أجل غدٍ مشرق لدارفور رغم قتامة المشهد العام؟!
} مبادرة الرزيقات و»موسى هلال»
{ قاد د. «عبد الحميد موسى كاشا» والي شرق دارفور مبادرة لاحتواء الخلاف الذي نشب بين والي شمال دارفور «عثمان يوسف كبر» وزعيم الرزيقات المحاميد «موسى هلال» في وقت آثرت فيه قيادات أكثر نفوذاً وسطوة في الدولة مراقبة الآثار السالبة لخلاف بين رجلين كاد أن يفسد علاقة أحدهما بالسلطة أجمعها، ولائياً ومركزياً.. واتجه زعيم الرزيقات (البقارة) «محمود موسى مادبو» وهو رجل وهبه الله تعالى مواهب شتى.. وهبه مقدرة فائقة في قراءة الواقع الاجتماعي والسياسي، ونظرة ثاقبة وحلماً وصبراً على المكاره وتواضعاً وعفة لسان وثراء نفس عن الصغائر ومغريات الدنيا.. اتجه الناظر «مادبو» إلى ضاحية كبكابية، حيث بسط الشيخ «موسى هلال» سيطرته على تلك المنطقة عوضاً عن حكومة الولاية، ونشط في المصالحات بين مكونات المنطقة كـ(مصالحات ضرار) لما تقوم به الحكومة.. واستعاد الرجل أي «هلال» السيطرة على بعض من قيادات عشيرته المتهمين بالخروج عليه بتحريض من آخرين على خلاف معه في السلطة.. وبعد جلسات استغرقت ثلاثة أيام في بادية الرزيقات الأبالة بشمال دارفور أغدق «هلال» على عشيرته من البقارة كرماً وحسن ضيافة، وجرت مفاوضات صريحة بين الرزيقات والزعيم «هلال» انتهت بالتوافق على أن ما بينه و»عثمان كبر» والي شمال دارفور قضايا عامة واختلاف في وجهات نظر حول سلوك «كبر» السياسي والتنفيذي، وعاد وفد الرزيقات ليجد استقبالاً أكثر حرارة من الذي وجده في كبكابية من قبل السلطان «عثمان يوسف كبر» الذي قال لقيادات الرزيقات: (يا جماعة أهلك سيادك وأنتم أهلي إن وجدتموني على خطأ فقوموني وإن أمرتموني بفعل شيء ورفضت أنا أشيل لومي)، وآثر الوفد العودة إلى الضعين ليضع ثمرة اتصالاته بين يدي الوالي د. «عبد الحميد كاشا» الذي قاد المبادرة، إلا أن «كاشا» كان قد غادر الضعين إلى الخرطوم.. وينتظر أن تشهد الأيام القادمة تطورات قد تنهي حالة القطيعة التي اعترت علاقة «موسى هلال» بـ»عثمان كبر» وبعض قيادات المركز، حيث تغيب «هلال» عن جلسات البرلمان وآثر البقاء في باديته يمتع نفسه بحفاوة أهله ورعاية إبله وثروته، والتصالح مع المجتمعات التي احتربت في غيابه وساءت علاقاتها.. فهل تنهي مبادرة قيادات الزريقات البقارة أحلاماً تمددت لقوى معارضة متربصة بالنظام تسعى للوقيعة بين «هلال» وحكومة هو جزء منها وشريك في خيرها وشرها؟!
وما أكثر المستفيدين من واقع الخلاف الراهن!!
} طوارئ الفاشر
{ تمددت علامات الاستفهام من الفاشر إلى الخرطوم عن دواعي وأسباب الإعلان المفاجئ لحكومة شمال دارفور عن بسط قانون طوارئ صارم جداً، أطلق يد القوات المسلحة والأمن والشرطة وقوات الدفاع الشعبي للقيام بتفتيش المناطق المشبوهة ودخول أي منزل يشتبه في وجود مجرمين أو أسلحة بداخله أو منهوبات.. ولم تفصح سلطات حكومة شمال دارفور عن الأسباب التي دفعتها لإعلان الطوارئ بتلك الغلظة والفاشر غير مهددة من جهة الحركات المسلحة المرئية للمراقب.. وقد دفعت حركتا «مناوي» و»جبريل إبراهيم» بثقلهما نحو إقليم كردفان وفي جنوبه كمسرح جديد للعمليات والمواجهة بين الحكومة والمتمردين.. ولا وجود للتمرد الآن في دارفور حتى يشكل خطراً على الأوضاع في مدينة مثل الفاشر ظلت عصية على التمرد منذ دخوله للمدينة عام 2003م، ولكن ربما أعلن «عثمان كبر» الطوارئ لدرء مخاطر أخرى لا يراها المواطنون العاديون، فللحكومة أجهزة أمنها ومخابراتها التي تملك حصيلة معلومات وافية عن المهددات الأمنية لكل السودان!!
} تعديل وزاري أم إصلاح نظام؟؟
{ قطع النائب الأول لرئيس الجمهورية حبل التكهنات بشأن التعديل الوزاري، وقال إنه تعديل سيعلن عنه في غضون أسبوعين، ليغادر وزراء ويأتي آخرون مكانهم.. ولكن هل ذهاب وزير والمجيء بآخر يمثل مطلباً للشعب الذي أرهقته مصاعب المعيشة وسدت نوافذ الأمل بدخان الحروب والوعود المتكررة بالحرب؟! أم أن الحاجة الآن لإصلاح سياسي حقيقي للنظام القائم من خلال تعديل الدستور وإقامة نظام يتمتع فيه الرئيس بسلطة سيادية واسعة الصلاحيات ومن تحته مجلس وزراء يقوده رئيس تنفيذي.. والإقبال على نفح الروح في البرلمان الحالي وإطلاق يديه من الأغلال والقيود التي يرزح تحتها، ليصبح البرلمان ممثلاً حقيقياً للشعب بدلاً عن تمثيله الحالي للحزب، وتصبح للبرلمان سلطة محاسبة الوزراء من التوبيخ إلى الإقالة، وللرئيس سلطة محاسبة رئيس مجلس الوزراء وإقالته إما بتقديره هو أو بتوصية من البرلمان؟! تلك نماذج للإصلاح الذي يترقبه الناس.. أما كشوفات التنقلات للوزراء، فإنها ترهق الشعب بأعباء مالية متزايدة، ولا تحقق إلا مزيداً من الأصفار والخيبات وسيادة الإحباط في الشارع العام!!
يوسف عبد المنان: صحيفة المجهر السياسي
[/JUSTIFY]