قراءة في كتاب تاريخ الشكرية ونماذج من شعر البطانة
ولدي بعض الملاحظات عن الكتاب فبرغم العنوان المكتوب (تاريخ الشكرية) إلا أن نَفَس الأسرة واضح في ثناياه بل في كثير من الأبواب برغم أن المؤلف أورد الغرض من ذلك موضحاً أنه أراد تعريف أبناء الأسرة صلة القرابة والرحم لضرورتها لأحفادهم إلا أنه أغفل بعض الفروع وذكر البعض بشيء من الإيجاز.
وقد أشار المؤلف وهو متعجباً من تعليق الأستاذ/ دفع الله محمد أحمد من قبيلة القنن عن كتاب الأخ/ علي ودكريز ومما قاله الأستاذ/ دفع الله (أنه يعتبر أن كتاب ودكريز أول كتاب يوثق لأكبر عدد من شعراء البطانة). انتهى وقد اطلعت على كتاب ودكريز الذي لا بأس به كمحاولة وتجربة أولى برغم أنه نسب بعض الرباعيات لشعراء ليست من تأليفهم بل ركز على إبراز قبيلته من الشعراء وهي ظاهرة تكررت من إخوتنا أبناء الشكرية الذين يوثقون لهذا الأدب ودائماً ما يغفلون ذكر الآخرين أي من القبائل الأخرى الذين يسكنون البطانة إلا نادراً أو من باب الضرورة. وأعود لحديث المؤلف الذي تعجب فيه من تعليق أستاذ دفع الله، وكما تعجب المؤلف من حديث الأستاذ إذ قال المؤلف (كيف يغفل تماماً عما كتب من قبل في البطانة فيقرر بملء فيه إن كتاب علي ودكريز هو أول كتاب يوثق لشعراء البطانة!! بينما بدأ الكتابة في هذا المضمار البروفيسور/ إبراهيم الحاردلو في كتابه (الحاردلو شاعر البطانة) في عام 1980م وتبعه البروفيسور أحمد إبراهيم عبد الله أبو سن في كتابه (تاريخ الشكرية ونماذج من شعر البطانة في عام 2000م وكلاهما وثق لشعراء البطانة) انتهى د. أحمد والبطانة حدودها من السراويل إلى مراقد الفيل على الحدود الحبشية.
وكما تعجب د. أحمد أبو سن من حديث الأستاذ/ دفع الله أتعجب من حديث د. أحمد بأنهما هو ود. إبراهيم الحاردلو من بدأ الكتابة عن أدب البطانة فكيف نسي الكثيرون من كتبوا عن هذا التراث وكان أولهم د. عز الدين إسماعيل المصري الجنسية الذي كان أستاذاً في جامعة القاهرة الفرع الذي أصدر كتاباً قيماً في الستينيات تحت مسمى (دراسات في الأدب السوداني) أم نسي كتاب د. عبد المجيد عابدين والمبارك إبراهيم عن الحاردلو والذي اعتبره أحسن ما كتب عن الحاردلو حتى الآن. كما أصدر المرحوم الطاهر عبد الكريم كتاباً عن ناظر الضباينة ود زايد (شحم البل) وكيف ينسى الناس حلقات الطيب محمد الطيب التي امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً، وأصدر أيضاً كتاباً بعنوان (الدوباوي) وكتابًا للشيخ فرح ودتكتوك وكتبًا أخرى. كما أصدر البروفيسور حامد حريز كتاباً تحت مسمى فن المسدار في السبعينيات وأغلبه عن شعر أحمد عوض الكريم وأصدر د. عبد السلام كتاباً عن الهمباتي الطيب ود ضحوية. كما أصدر المرحوم حسان أبو عاقلة أبو سن كتاباً متفرداً عن عمنا الشاعر أحمد عوض الكريم أبو سن، وهل ننسى حلقات محمد الفاتح أبو عاقلة في التلفاز والتي امتدت لعدة سنوات. وأنا سبق أن جمعت مادة ثلاثة كتب عن أدب البطانة وقمت بشرحها وتبويبها وطباعتها وهي:
1ـ مختارات لسبعة من شعراء البطانة المشهورين.
2ـ الطبيعة والمراثي في بادية البطانة.
3ـ كتاب عن الشاعر عبد الله حمد شوراني.
ولدي كتابين جاهزين للطبع هما:
1- مسادير الصيد وكلاب القنيص.
2- الفكاهة في أدب البطانة.
سبق أن شاركت في الكثير من المنتديات في مكتبة البشير الريح ومنتدى راشد دياب وأروقة، وقدمت حلقات في كل القنوات كما قدمت حلقات في التلفزيون القومي والإذاعة السودانية، وكنت مقدم برنامج في تلفزيون القضارف تحت مسمى (الرحلة والمسدار) امتدت لفترة ثلاث سنوات استضفت فيها أكثر من اثنين وثلاثين شاعراً وتكفيني شهادة مولانا وأخي/ محمد حمد أحمد أبو سن رئيس القضاء الذي أثنى على جهدي مع بعض جلساته.
أما حديث المؤلف عن كتاب الباحث والأديب عوض الكريم الأدروب رحمه الله فهذا في نظري ليس بكتاب إنما أشتات من رباعيات وأنه لم يكتب عن شخصية الشاعر ولا مولده ولا وفاته ولا مقدمة عن الكتاب، والعنوان أحسبه لم يوفق فيه لأن (الصادق ود آمنة) هو الاسم الصحيح وليس الصادق (أب آمنة) وهذه يطلقها أهلنا الهدندوة كلمة أب.
وجاء في المقدمة ما نصه (إن الشعر القومي في البطانة متميز على كل الأنواع الأخرى، متميز في معانيه وقوة ألفاظه واكتمال أوزانه وهو جدير بأن يحفظ كتراث قومي) انتهى.
أنا لا أوافق المؤلف على هذا الرأي فإن نفس الأوزان وقوة السبك والسلاسة ليست في البطانة وحدها فإذا ذهبنا شمالاً حيث مضارب قبيلة العبابدة والذين يفتخرون بأنفسهم ومعرفتهم للطرق قال شاعرهم:
نحن ندكم الناس القلوبه خناجر
غيرنا لا بسافر خبير لا تاجر
وإذا حللنا مدينة بربر حيث الشاعر ود الفراش والمعروف لكل قاصٍ ودانٍ نرى كيف يخاطب جمله المربوط.
مالك يا جمل بي دي العمايل
بعد حيشان تكربت فوق نتايل
لقيت في المشبلاب اثنين أصايل
بشاريات يشابهن للأرايل
ومن ثم نأتي دامر المجذوب حيث نجد عكبر الدامر شاعر الإبداع والحكمة ويقول في إحدى رباعياته:
الناس عيدت مرقت على أصحابا
وأنا فريت على الجاهل السمح ترحابا
فاطرا يحكي براق البدودي سحابا
لفت قلبي زي لف طرحتها اللافحابا
ورباعيته المشهورة عن السيد/ عبد الرحمن المهدي والذي جاء في نهايتها:
زي ورق الأراك الشمة ريحة النترة
والشاعر ود الهليف الرفاعي جلست معه وطربت لشعره كثيراً فهل ينسى الشاعر ود إدريس الكباشي الذي أصبح حديث المجالس ومسداره عن النشوق أو الشوقارة كما يسميها أهلنا في كردفان وأعجبني كثيراً حديث الشاعر آدم ود البشير ود سند والذي اشترك معه أي ود إدريس في حلقات في التلفزيون القومي فقال واصفاً ود إدريس (والله مليت راسي خلاص) والحديث يطول في هذا المقام. وفات عليّ ذكر عمنا محمود كرار شيخ خط نظارة البشاريين الذي من تمكنه وفصاحته أنه يخلط اللهجة الهدندوية بالعامية بدون أن يحدث أي اختلال في الوزن أو المعنى أو المضمون.
صحيفة الإنتباهة
حسن سليمان ود دوقة
ع.ش