رأي ومقالات

لينا يعقوب : حرمونا التلاقي !!

[JUSTIFY]لكي أزور جوبا، كان لابد من المرور عبر أديس.. الوسيط السياسي المشترك بين الدولتين، أقلعت الطائرة من أرض الهضبة بعد ساعات وهي لا تحمل إلا بضعة سودانيين يعدون على أصابع اليد الواحدة، صينيون وأجانب ضاقت بهم أنفاس الطائرة ومطار جوبا.. يبدو أن السياسة تلعب لعبتها المعتادة!

في فندق “برادايس” تستمع إلى الأذان في الصلوات الخمس، يصدح بلكنة عربي جوبا، يتجه مواطنو الجنوب إلى المسجد للصلاة وفي ذات الوقت يمر أمامك من يرتدي الصليب مؤمنا بمسيحيته، هناك من يتحدث معك بالعربية، وتجد أيضا قلة من غير الناطقين بها.. مدينة تتجه إلى كمبالا ونيروبي من ناحية الشكل، وتقترب إلى الخرطوم من ناحية الهوى والمشاعر.!
الله يرحمك محمود عبد العزيز.. لا زال أهل الجنوب يستمعون لأغانيك ويرددون معك في أسواق كنجو كنجو وغيرها من التجمعات “منو القال ليك بنتحمل فراق عينيك، وحات الريدة يا أسمر فراقك ثانية ما بنقدر”.

“كانت هذه البلاد لنا يوما” إحساس سيراود المواطن السوداني عند زيارته أرض حشائش السافنا، أرض الجنوب الخضراء.. سيظل الانفصال، كشخص عزيز غادر من هذه الدنيا، ستشعر بمرارة فقدانه بين حين وآخر!

إن “السياسة” غريبة، قادرة على التفرقة بين البلاد والعباد، ذلك الخيار الذي كان سياسيا لعدم اتفاق حزبين وتجانس أفرادهما مع بعضهما البعض، التماطل في تنفيذ الوعود والتنكر لبعضها الآخر..

وليت إن كان التجانس هو صفة دائمة بين أفراد الحزب.. هاهم سياسو الجنوب (ِشركاء الأمس) يعيش كل واحد منهم قصة مختلفة بعد الانفصال يمكن أن نحكيها لاحقا، تفرق جمعهم وتشتت السبل بهم.

وأنا أرى التنمية في الجنوب تسير ببطء، تساءلت كيف يا ترى كان حال الجنوب قبل الانفصال؟.

أين تلك المشاريع الخدمية التي (كنت) و (كنا) نكتب عن إقامتها بولايات الجنوب على لسان شخصيات بارزة؟ أين المشاريع التي قالت “هيئة دعم الوحدة” و”الهيئة الشعبية لدعم الوحدة” و”رابطة دعم الوحدة” و”صندوق دعم الوحدة” إنهم قاموا بها؟؟ أين المدارس والمستشفيات التي أشار إليها مجلس الوزراء في إحدى جلساته أن العمل جارٍ عليها وستكتمل في غضون بضعة أشهر؟.

هل يا ترى كانوا يكذبون؟ أم يتمنون؟ أم يسعون؟ أم يعملون بنظرية إنما الأعمال بالنيات؟.

قبل الانفصال يبدو أن التنمية كانت محدودة بمسئولية مشتركة بين الحكومة المركزية وحكومة سلفا كير التي كانت منشغلة بالخلافات مع الشمال وقتها، وانشغلت بخلافاتها الداخلية لاحقا، وتفرغت الآن إلى حد ما، للتنمية والمحاسبة والنهوض بالشعب.

تحدث معي صديق من الجنوب قبل بضعة أشهر عن اشتياقه للسودان وأهله، فقلت له “والله انتو مستهبلين ساي، تقولو مشتاقين وتصوتوا للانفصال” ثم سألته “انت صوت للانفصال لي؟” فأجاب بسرعة “عشان عايزين نكون زيكم”.. فأجبت “بمعنى؟!” فقال “بمعنى عايزين نكون صحفيين ومهندسين ودكاترة، ما نشتغل عشان في اتفاق بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية باستيعاب كم زول كده في الوظائف.. الجنوبيين في الشمال كان أغلبهم عمال أو بنايين أو خدامات شغالات في البيوت”.. لم يكن لي رغبة في إكمال الحديث أو المناقشة.!

إن الانفصال سيظل إلى الأبد، فرصة لمراجعة الأخطاء لا انكارها والتبرؤ منها وإلقاءها على الآخرين.

وعلى المؤتمر الوطني أو أي حزب لاحق يحكم السودان، أن يعي ويعلم أن خلافاته السياسية مع الحزب الحاكم في الجنوب، تؤثر على علاقة الشعبين، فهناك فئات قليلة يمكن أن تفصل بين الاثنين إلا أن معظمهم يستعصي عليهم الفهم والتفرقة.
في المطار ونحن نهم بالمغادرة، مواطن جنوبي يرن هاتفه، أغنية محمود عبد العزيز تصدح “على أي حال إن شاء الله ما آخر وداع”!!

صحيفة السوداني
ع.ش
[/JUSTIFY]

‫4 تعليقات

  1. عمرهم ما كانوا وحدويون وكانوا اكثر عنصرية من اي عنصري في العالم الهم الا قلة قليلة منهم لا تأثير لها وتخاف أن تجهر بصوتها وما أحداث توريت في العام 1955 الا مثالا واحدا ولكن أهل الشمال كعادتهم كلمة معليش دائما سبب بلاويهم … الآن الجنوب اصبح بكامل اختيار أهله دولة أخري نحمد الله كثيرا انهم اختاروا هذا الخيار ولكن يجب أن يعرف كل شخص يعيش في حدود الدولة الثانية ما له وما عليه … متي يفيق مثقفونا من وهم الوحدة وتنمية الجنوب ومحاسبة اهل الشمال الذين دفعوا كل ما هو غالي في سبيل وحدة واستقرار هذه البلاد … وهذا ليس دفاعا عن الحكومة الحالية التي في رأي أنها قد منحت حق تقرير المصير لمن لا يستحق … وخوفي علي البقية الباقية ولكن اذا كان هذا هو حال معظم مثقفينا ومن يؤثرون في الرأي العام فليحفظ الله بلدي السودان

  2. الأخت لينا أعجبني مقالك .
    يا سوداني!
    العنصريه موجوده فينا بالفطره وإن أبينا.الحي الإنت ساكن فيهو لوكان كل سكّانه من الجنوبيين هل تسكنه؟؟؟

  3. كلامك عجبنى تب .. بس عشان فيهو سيرة الحوت له رحمه الله وغفر له

  4. يا اخوانى الجنوبيون عندهم عقدة الدونية وده حال اغلبهم وده اكبر مشكلة
    وحلها عويص فبقدر ماقدمنا من تنازلات الحال ياهو بس عندنا سياسيين مابعرفوا
    يمارسوا السياسة ويعجبنى الامريكان اى شىء عندهم فيه مجموعة متخصصة حتى الاصوات
    والسلوك والنفسيات الخ فما ممكن ان تكون مقبل على شىء خطير كاالانفصال
    ولايكون لديك من يجيد فن التفاوض بشىء من المهنيه والنتيجة ظهرت وربك يستر على المتبقى